بالرغم من أن المانجو تعد المحصول الرئيسى والاستراتيجى بمحافظة الإسماعيلية، كما أن صنف «العويس» الذى تتميز به المحافظة ــ يعتبر من أشهر أصناف المانجو على مستوى الجمهورية، حيث تبلغ نسبة السكريات الذائبة فيها أكثر من 24%، وهذه النسبة تعد أعلى نسبة سكر على مستوى الأصناف على مستوى الجمهورية.. ومع أن مديرية الزراعة بالإسماعيلية، نجحت بالتنسيق مع العديد من الجهات، فى القضاء على مرض «العفن الهبابي» بنسبة تصل إلى 80% ــ وهو المرض الذى ترك تأثيرات بالغة على المحصول خلال السنوات القليلة الماضية ــ إلا أن المحصول مازال يعانى أمام ضربات التغيرات المناخية وتمثلت هذا العام فى الموجة الحارة التى ضربت البلاد وأثرت على المانجو.
فى الوقت الذى زادت فيه المخاوف من أن نستيقظ يوما ما، لنجد أن الأصناف البلدية قد اختفت أمام زحف الأصناف الأجنبية التى أصبح المزارعون يفضلونها لغزارة إنتاجها ولمقاومتها للتغيرات المناخية، بل وصل الحال بأصحاب المساحات الواسعة من زراعات المانجو، لتبادل النصائح على صفحات التواصل الاجتماعى «فيس بوك» بضرورة إحلال الأصناف الأجنبية محل الأصناف المحلية، للتخلص من مشاكل الأخيرة وتراجع إنتاجها الحاد خلال السنوات القليلة الماضية.
يقول الدكتور محمد أنور عبد الستار أستاذ أمراض النبات بكلية الزراعة بجامعة قناة السويس: «إن العام الماضى شهد إصابة بساتين المانجو بمرض العفن الهبابى والذى يعيش مترمما على الإفرازات العسلية لبعض الحشرات، مما أدى الى نقص كبير فى المحصول، خاصة أن مكافحة الحشرات كانت بالمبيدات الحشرية غير الفعالة والمصنعة تحت بير السلم والتى يروج لها بعض أدعياء العلم مع أنها مبيدات مجهولة المنشأ وغير معروف تركيبها الكيماوي، حتى ازداد هذا المرض بصورة وبائية مما أدى الى قيام كثير من اصحاب هذه البساتين بالتقليم الجائر، لتفتيح أشجار المانجو للقضاء على العفن الهبابي، ومنهم من قام بإزالة أشجار المانجو واستبدالها بمحاصيل بستانية أخرى.
ويضيف أن التغيرات المناخية لعبت هذا العام دورا رئيسيا فى تدمير محصول المانجو بمحافظات الوجة القبلي، خاصة الأقصر وأسوان، حيث ارتفعت درجة الحرارة لمدة أسبوع كامل بمعدلات كبيرة مصحوبة بالهواء الساخن وذلك بعد عقد الثمار، مما أدى لإصابة معظم الثمار بمرض «لسعة الشمس الفسيولوجية» مما أدى إلى تساقط الثمار، حيث حدث خلل فى التوازن المائى بالشجرة لعدم إحكام عمليات الري.
والسؤال الذى ينبغى طرحه الآن ــ والكلام للدكتور أنور عبد الستارــ أين دور الأجهزة الرقابية للدولة ووزارة الزراعة المصرية؟! ــ الوزارة العملاقة ــ وكيف تم السماح باستخدام مبيدات مجهولة غير مسجلة طبقا للأسس العلمية الدقيقة؟! وكيف يسمح على سبيل المثال بأن يفتى أحد بغير علم وفى غير تخصصه فى مجالات الحشرات والمبيدات والأمراض.
ويضيف أن التغيرات المناخية لها حلول فعالة لا يتسع المجال لذكرها، حيث توجد بلدان منتجة للمانجو ودرجات الحرارة بها أكثر ارتفاعا من مصر، كما أن الأمراض والحشرات لها برامج فعالة فى مكافحتها، والمطلوب هو تطبيق حزمة التوصيات الفنية الخاصة للنهوض بمحصول المانجو «ملكة الفاكهة فى مصر والعالم».
وطالب عبد الستار، أجهزة الإعلام بمنطقة القناة، بتخصيص مساحة إعلامية للعلماء بكلية الزراعة والخبراء بمحطة البحوث الزراعية بالإسماعيلية، للتذكير فى الوقت المناسب بحزمة التوصيات الفنية والجانب الإرشادى الذى يجب إتباعه فى كل فترة للنهوض بمحصول المانجو الإسماعيلاوى ــ ذات الطعم المتميزعلى سائر محافظات الجمهورية المنتجة للمانجو ــ وذلك لزيادة الإنتاج على المستوى المحلى والتصدير للخارج، مضيفا أن علماء البساتين والأمراض والحشرات والمبيدات والنبات والاقتصاد والإرشاد الزراعى بكلية الزراعة، على إستعداد كامل لتقديم الاستشارات الفنية العلمية والعملية للسادة مزارعى المانجو بالاسماعيلية وبالمجان، لأن خدمة البيئة هى أحد أهداف جامعة قناة السويس منذ نشأتها وإلى الآن.
وبدوره يقول المهندس كمال فتحى مدير عام الإرشاد الزراعى بمديرية الزراعة بمحافظة الإسماعيلية: «إن المساحة الكلية المنزرعة من المحاصيل والبساتين بمحافظة الإسماعيلية، تصل الى نحو 420 ألف فدان، من بينها 212 ألف فدان للبساتين، كما تبلغ المساحة المزوعة من محصول المانجو من بين البساتين أكثر من 120 ألف فدان سواء للأصناف المحلية أو الأجنبية، وباقى المساحات للزيتون والموالح والعنب والأصناف الأخري».
وأضاف أنه قد ظهر خلال الفترة الأخيرة مرض «العفن الهبابي» على أشجار المانجو، وهو مرض مشترك كإصابة حشرية أدت الى «ندوة عسلية» وهو ما أدى إلى أن جراثيم الفطر بدأت فى الالتصاق على السطح العلوى للورقة والانتشار فى الجو، حيث وجدت البيئة الصالحة للانتشار والالتصاق على الأوراق، مما أدى إلى توقف عملية التمثيل الضوئى والعمليات الحيوية داخل النبات، وهو ما أثر بدوره على العقد والتزهير والإنتاج.
ونبه مدير عام الإرشاد الزراعي، إلى أن إدارة المكافحة بالتعاون مع إدارة الإرشاد الزراعي، قد قامت خلال الفترة الأخيرة، بتكثيف الندوات الإسترشادية مقارها، كما تم النزول للمزارعين فى حقولهم، وتوفير الصابون البوتاسى بواسطة إدارة المكافحة، كما قامت إدارة الإرشاد بتوفير التوصيات الفنية للمزارعين، والتى تم الحصول عليها من معهد بحوث البساتين وأساتذة الجامعات.
كما أشار فتحى إلى أن التوصيات قد شملت القضاء على الحشرات المسببة للمرض، وفتح قلب الأشجار، والحد من ارتفاعاتها، ثم القيام بعملية الرش بأحد المبيدات الحشرية الجهازية، لأن هذه الحشرة حشرة ثاقبة ماصة تتغذى على العصارة، ولذا لن يفيد معها أسلوب المبيد بالملامسة، ولكن لابد من مبيد جهازى يصل الى عصارة النبات للقضاء على الحشرات حيث إنها ليست حشرة واحدة ولكن من ثلاث إلى أربع حشرات.
وينبه إلى أن هذه الحشرات تؤدى إلى الندوة العسلية ولكن مع رش المبيد الجهازى يتم القضاء على الحشرة، وبمجرد القضاء على الحشرة يتم القضاء على الجراثيم أو اللون الأسود الموجود على السطح العلوى للأوراق، ويبدأ بعدها فى التقشير والسقوط بمفرده، ثم يتم بعد ذلك الغسيل بزيت معدني.
وتابع أنه بعد ذلك تقدم إدارة المكافحة بوزارة الزراعة توصيات باستعمال الصابون البوتاسى لأنه يعطى نتائج جيدة وقد استجاب المزارعون بنسبة كبيرة وتم القضاء على مرض «العفن الهبابي» بنسبة 80%، لأنه فى عرف الآفات أو مكافحة الأمراض، لا يمكن القضاء على المرض أو الآفة بنسبة 100% ولكن نعمل بقدر المستطاع على الحد من انتشارها
وأكد مدير عام الإرشاد قائلا: «قد بدأنا فى منح توصيات للمزارعين باتباع طريقة الزراعة الكثيفة للأصناف الأجنبية أو المحلية وهى الزراعة على مسافات 2.5ــ5 مترا، أو 3ــ3 متر، مع اتباع طرق التقليم الجيدة، للقضاء على مشكلة «المعاومة» فى الأصناف البلدية، حيث يشكو المزارعون من أن أصناف مثل الزبدة والسكرى والعويس تقوم بالإنتاج عاما وتتخلف عن الإنتاج العام التالي.
وللتغلب على مشكلة «المعاومة» تتضمن التوصيات، اتباع طرق التسميد المتوازن مع التقليم الصيفى وهذا يتم بعد نهاية جمع المحصول، حيث يتم البدء فى تقليم الأفرع الجافة والتكتلات الزهرية والخضرية، وموالاة تقديم الخدمة للأشجار، كما تتضمن الإرشادت للمزارعين من أصحاب مزارع المانجو القديمة - والتى يتم زراعتها على مسافات 6ــ7 أمتار ويضم الفدان 100 عود مانجو فقط والتى تعانى من قلة الإنتاج والارتفاعات العالية ضرورة الحد من الارتفاعات العالية وبدء التطعيم بالأصناف الأجنبية ولكن ليس على حساب الأصناف المحلية، لأن الأخيرة مطلوبة ومرغوبة فى السوق.
وشدد مدير عام الإرشاد الزراعي، على أن زراعة الأصناف الأجنبية مثل «الكيت» و«الكنت» لن يؤثر على الأصناف المحلية، لأن لكل منها موعد نضج يختلف عن الآخر، حيث تبدأ الأصناف المحلية فى النضج فى أواخر يوليو بالنسبة للسكرى وأوائل أغسطس بالنسبة لباقى الأنواع مثل الزبدة والعويس والفونس وغيرها من الأصناف، بينما تبدأ الأصناف الأجنبية فى الإنتاج بعد نهاية الأصناف البلدية، وتتميز بغزارة الإنتاج لأن الفدان يضم نحو 250 شجرة مانجو، بالإضافة الى أن حجم الثمرة أعلى بكثير من الأصناف البلدية، كما أن نسبة السكر تكون عالية فى بعض الأصناف مثل « النعومي» و»التومى هوز».
وطالب كمال فتحي، المزارعين باتباع التوصيات الفنية الخاصة بمكافحة الآفات للقضاء على العفن الهبابى أو أى مشكلة أخرى، واللجوء الى مديرية الزراعة أو المقرات الإرشادية أو الإدرات الزراعية السبع الموجودة على مستوى المحافظة، وعدم الاستماع الى نصائح البعض بالرش بالسولار أو الفنيك، لأنها تؤثر على صحة الإنسان، مع ضرورة الاعتماد على الأسلوب العلمى واللجوء الى المتخصصين فى مجال المانجو والمكافحة والمبيدات.
واختتم بأن الإنتاج مبشر بالخير هذا العام سواء للأصناف المحلية أو الأجنبية، كما أنها تتوافر فى الأسواق بأسعار مجزية للمزارع من ناحية ومناسبة للمستهلك من ناحية أخري، حيث يباع السكرى بأسعار تتراوح من 14 الى 15 جنيها، وكذا الحال بالنسبة للزبدة، والنعومى بسعر 16 جنيها وهى تتميز بكبر الحجم واللحم الكثير وتصلح للعصير والأكل الطازج، لأن نسبة السكر فيها عالية، بينما يتميز العويس بسعره المرتفع بسبب الإنتاج القليل والطلب العالى على هذا الصنف.
وبدوره يشير ياسر دهشان «مزارع» إلى أن أسعار المانجو مجزية هذا العام ولكن ضاع ذلك بسبب نقص الإنتاج وارتفاع تكاليف الزراعة، وأصبحت المانجو لا تغطى التكلفة الخاصة بها بسبب العوامل الجوية والتغيرات المناخية والموجة الحارة الشديدة التى استمرت ثلاثة أيام، والتى زاد من آثارها أنها جاءت فى فترة غلق للمياه، حيث تجرى مناوبة الرى بمعدل إغلاق لمدة 8 أيام وفتح لمدة 4 أيام أخري، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الأسمدة والمبيدات، بل إن معظم المبيدات الموجودة فى السوق مغشوشة، كما أن أسعار الشيكارة الواحدة من الكيماوى تتراوح ما بين 250 إلى 300 جنيه.
وأضاف دهشان أنه يمتلك 11 فدانا وبلغت المصاريف الخاصة بهم، نحو 80 ألف جنيه، بينما قام ببيع ثمار المانجو فى هذه المساحة لأحد التجار بمبلغ 140 ألف جنيه فقط، بالإضافة لارتفاع ثمن كرتونة المانجو الواحدة الفارغة من 2 جنيه إلى 7 جنيهات، وارتفاع نقل الكرتونة الواحدة إلى الأسواق من 2 جنيه إلى 7 جنيهات، بالإضافة إلى تكاليف العمالة والأكل والشاى والسكر والتى يتم وضعها فى النهاية على مالك الأرض والتى لم يصبح معها العائد من المانجو مجزيا على الإطلاق.
رابط دائم: