رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الاحتياج لنمو دور المجتمع المدنى

ربما تكون المرة الأولى التى يقف فيها الشعب المصرى موحدا أمام قضية داخلية تفرض عليه من جانب غير عسكري. وعندما نشير الى وحدة الشعب المصرى فإننا نعنى جميع شرائح وطبقات الشعب المصري، فى حضره وريفه وباديته. يواجه الشعب المصرى مرحلة تحمل صراعا حقيقيا من اجل توفير لقمة عيشه. فأخيرا لم يعد يعتمد على الاعتقاد الراسخ ان الطبيعة وهبته نيلا جاريا يأتيه بالماء والطمى اللازمين لتوفير المأكل والمشرب والملبس. لقد عاش الشعب المصرى آمنا على مصادره منذ ان انشق الاخدود وجرت فيه المياه وتكونت التربة السوداء الغنية التى قدمت كل الخيرات التى ننعم بها. وقد عرف المصريون منذ البداية كيفية استخدام الماء والاستفادة من الحوض الذى يجرى فيه وكيف يستخدم ما يحيطه من صحراء هى الاكبر فى العالم. زرع الوادى الخصيب حيث الماء والارض الخصبة وحول صحراءه الى اماكن تضم جثامينه بعد ان يفارق الحياة. لم تبخل عليه الطبيعة ولم يبخل هو على الإنسانية بالعلم والعمل والفكر. فكانت المعادلة التى جعلت من المصريين اصحاب اقدم الدول وأغنى الحضارات الانسانية.

والآن تقف الدولة المصرية، حكومة وشعبا امام معادلة جديدة تحرمهم من اعز ما يملكون من عناصر الحياة التى طالما تغنوا بها بدءا من أغنية النهر الخالد مرورا بـ امتى الزمان يسمح يا جميل/ واسهر معاك على شط النيل و النيل نجاشى حليوة اسمر/ وشمس الاصيل نورت فوق النخيل يا نيل/ ومصر هى امي/ نيلها هو دمي. وعشرات الاغانى التى ينقلها الابناء عن الآباء الذين نقلوها عن الأجداد والتى تدور كلها عن النيل الذى جمع المصريين وأعطاهم الحياة منذ بدايات التاريخ.

وعندما نتحدث عن المعادلة التى تواجه الدولة شعبا وحكومة فإننا نعنى فى نفس الوقت ان مواجهة هذه المعادلةلا تعنى التصدى لمنعها قدر ما نعنى مواجهة الحلول التى تساعد هذه الدولة، حكومة وشعبا، على حلها للوصول الى نتائج تساعد على استمرار الحياة وبناء حياة افضل هى من حق هذا الشعب الذى استمر على مدى تاريخه يقدم للإنسانية تراثا جميلا وحضارة متكاملة. فهى إذن مواجهة لابد ان تتسم بالعمل المشترك المخطط والمستدام الذى يساعد على استمرار الحياة. فالمعادلة التى تخصنا الآن هى الخاصة بالمياه والتأثيرات التى ستصيب مخصصاتنا منها نتيجة للسياسات التى تتبناها وتنفذها الحكومات الإثيوبية تجاه دول المصب، السودان ومصر. وهى المياه التى ستحول بين المصريين وزراعاتهم التقليدية من أذرة واقطان وقصب سكر وأرز.

والحقائق التى نملكها هى اننا نستهلك 55 مليار متر مكعب من المياه القادمة إلينا من النيل بالاضافة إلى عدة مليارات قليلة ندبرها من تدوير مياه الصرف الزراعى ومحطات التحلية. والشعب المصرى يعانى الفقر المائى بمعنى ان نصيبه من المياه يقل كثيرا عن المستوى العالمى للفرد وهو الف متر مكعب من المياه سنويا. وهى حقيقة جديدة لم نكن نعرفها قبل ان يصل تعدادنا الى المائة مليون. لقد دخلنا الى حيز الفقر المائى خطوة خطوة مع زيادة تعدادنا السكانى عاما بعد عام ومع استمرارنا فى اتباع ذات اساليبنا فى الزراعة والرى التقليدية المصرية القديمة. ولم تكن هذه الحقيقة غائبة على خبرائنا الزراعيين او مهندسى الرى المصريين الذين استمروا ينبهون إلى اهمية إعادة النظر فى سياساتى الرى والزراعة. كما ان الدولة لم تتوقف عن المناداة بأهمية تنظيم الاسرة. إلا ان الدولة، وبسبب ظروفها الداخلية، لم تنتبه الى كل ما يخطط لها من اعتداءات على حقوقها الطبيعية.

والآن جاء وقت العمل الجاد من الجميع لمواجهة المعادلة الجديدة. وعندما نقول الجميع فإننا نعنى الحكومة والشعب معا بلا انفصام، خاصة ان النسبة الاكبر من المياه التى نستخدمها تتجه الى الانتاج الزراعي. فالزراعة تستهلك نحو 85% من المياه التى يوفرها النيل. بمعنى ان المزارعين المصريين سيؤدون الجانب الصعب من هذه المعادلة الجديدة. ولاشك ان سكان الحضر المصريين، فى العواصم والمراكز، سيكون لهم دورهم فى المعادلة لانهم يستهلكون حوالى 10% فى الاستهلاك المنزلى لكنهم يملكون قدرا من المعرفة بجذور المعادلة. كما انهم يعيشون فى اجواء تساعدهم على تلقى المعلومات اولا بأول.

لا تستطيع الدولة المصرية مواجهة هذه المعادلة بمفردها لأنها ، أى المعادلة، تمس مجموعات بشرية ومناطق جغرافية لا تصلها يد الحكومة وانما يسهل على افرادها الساكنين بيوتها وارضها الحديث الى البشر بلغتهم السهلة المحلية واقناعهم بأساليب مواجهة المعادلة. يسهل على الدولة اصدار القوانين والتعليمات ولكنها لا تستطيع الوصول إلى كل العقول والسواعد التى تعمل بالتحديد فى زراعة الأرض التى هى محور معادلة المياه، كما انها تستند إلى تراث وتقاليد عمل قديمة قدم النيل ذاته مما يصعب تغييرها بسهولة. فيجب ألا ننسى أو نتناسى ان مناطق زراعية مصرية لا تزال لا تعترف إلابنظام الرى بالراحة او بالغمر. فالمزارع الصغير يملك اقل من فدان، سواء كان مالكا او مستأجرا، والذى ينتمى الى شريحة الـ 83% من عدد المزارعين المصريين لا يملك القدرة على التحول من نظامه القديم الى نظام جديد الا بالتدخل والحوار البشريين المباشرين اللذين لا تستطيع الحكومة القيام بهما الا من خلال تنظيم هؤلاء البشر المحاصرين بكل المشكلات الاجتماعية كالفقر والأمية وانعدام اى جهة تنظمهم بهدف بريطهم بأطراف هذه المعادلة المنتظرة.

فى هذه الحالة لا تستطيع الدولة التوجه لكل مزارع بمفرده وإنما يسهل عليها التعاون معه وهومنظم فى مؤسسات شعبية صغيرة مهمتها الأساسية هى العمل مع البشر ومع مشكلاتهم. ولنا ان نتصور ريف مصر وقد نشطت فيه منظمات مجتمع مدنى توحد عملها مع اهداف الحكومة فى مواجهة هذه المعادلة التى لا يمكن ان تخرج منها مصر الا بالعمل الجماعى المنظم، الحكومى والشعبي.


لمزيد من مقالات أمينة شفيق

رابط دائم: