رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

نموذج الإمارات فى التنمية والسلام

وسط حالة من السيولة والتفكك التى تعيشها الكثير من الدول العربية، خاصة فيما عرف بالربيع العربى, وشهدت صراعات مسلحة ونزاعات وتدخلات خارجية ترتب عليها تداعيات سلبية تمثلت فى ملايين القتلى والجرحى وتدمير كامل للبنية الأساسية, تعد دولة الإمارات العربية المتحدة إحدى الدول العربية الصلبة القليلة, التى قدمت نموذجا فريدا فى التنمية والسلام.

فمنذ عهد مؤسسها الراحل الشيخ زايد بن سلطان ومن بعده أبناؤه والإمارات تسير على طريق مستقيم وفلسفة ورؤية واضحة ترتكز على تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة من خلال استثمار كل الطاقات البشرية وتوظيف مواردها الطبيعية خاصة من النفط والغاز, والانفتاح على العالم والأخذ بأحدث ما وصل إليه العلم فى كافة المجالات, لتجعل منها إحدى قلاع التنمية فى المنطقة والعالم, عكستها مؤشرات التنمية البشرية وجذب الاستثمارات الأجنبية. وقدمت الإمارات نموذجا فريدا فى التسامح والتعايش بين الثقافات والحضارات والأديان فى إطار مبدأ الاختلاف سنة والتعايش واجب وأن التعاون بين البشر على اختلاف طوائفهم ودياناتهم ولغاتهم هو أفضل وأجدى وأنفع للجميع من ثقافة الكراهية والتعصب والتناحر على أسس دينية وطائفية وعرقية, وهو ما عكسته وثيقة السلام والتعايش بين الأديان, بين شيخ الأزهر الشريف الشيخ أحمد الطيب وبابا الفاتيكان فرانسيس الثانى برعاية إماراتية لتشكل حائط سد ومناعة مضادة ضد موجات الكراهية والتعصب التى طفت على سطح العالم مؤخرا. كما قدمت الإمارات أيضا نموذجا فى الانحياز للسلام ورفض الصراع والتوتر, ولم تنجر عبر تاريخها, على خلاف دول عربية أخرى, إلى الدخول فى صراعات او مهاترات او التدخل فى شئون الدول الاخرى, انطلاقا من فلسفة ترتكز على أن تكلفة السلام أقل كثيرا من تكلفة الحروب, ولذلك فى الوقت الذى عصفت فيه الحروب الداخلية والتدخلات الخارجية بكثير من الدول فى المنطقة, مما عرقلها عن تحقيق التنمية والتقدم, وأدخلها فى دوامة من العنف والإرهاب, فإن الإمارات عملت على تعزيز السلام فى تلك الدول وتسوية نزاعاتها وحروبها, كما كانت من أبرز الدول العربية التى دعمت القضية الفلسطينية والشعب الفلسطينى وماديا معنويا وسياسيا، ودعم حقوقه المشروعة وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وذلك فى إطار حل دائم وشامل وعادل للصراع الإسرائيلى الفلسطينى يرتكز على الشرعية الدولية والمرجعيات القانونية ومنها قرارات مجلس الأمن الدولى وأبرزها القرار 242 و181.

وفى هذا السياق يمكن فهم معاهدة السلام بين الإمارات العربية وإسرائيل, والتى ترتكز على إقامة علاقات دبلوماسية طبيعية بين البلدين من عدة زوايا:

أولا: لا مجال للمزايدة من جانب احد على دور الإمارات ودعمها للشعب الفلسطينى فى استعادة حقوقه المشروعة, على عكس دول أخرى, كإيران وتركيا وقطر, سعت لتوظيف القضية الفلسطينية لخدمة أجنداتها, كما ان التعاون بين الإمارات وإسرائيل جاء فى إطار العلانية والشفافية, على عكس ما تقوم به قطر من تطبيع فى السر والزعم بالمعاداة فى العلن, كذلك تركيا التى لديها أقوى علاقات اقتصادية وتعاون استراتيجى مع إسرائيل، ثم يقوم أردوغان بانتقاد الخطوة الإماراتية, وإيران التى تتعاون مع إسرائيل فى السر وتعاديها جهرا لأهداف سياسية, بينما كانت الإمارات متسقة مع ذاتها فى إطار الانفتاح على الجميع بما يعزز السلام فى المنطقة.

ثانيا: أن المعاهدة بين الإمارات وإسرائيل تستهدف دعم القضية الفلسطينية والشعب الفلسطينى وحل هذا الصراع التاريخى المعقد, فقد تضمنت المعاهدة إيقاف إسرائيل لضم المستوطنات فى الضفة الغربية وغور الأردن والتى تشكل 30% من مساحة الضفة, التى كان من شأن الضم أن يقضى على عملية السلام وحل الدولتين نهائيا, ورغم أن خطاب نيتانياهو أشار إلى تعليق الضم وليس إلغاءه, فهذا لاعتبارات داخلية انتخابية خاصة من جانب المعارضة, وهو يدرك جيدا أن نجاح واستمرار طريق التعاون مع الإمارات والعرب مرهون بالتقدم والنجاح فى عملية السلام وعدم التراجع عن الالتزامات الواردة فى الاتفاق, كما أن هناك دورا أمريكيا ومصلحة كبيرة فى الحفاظ على هذه المعاهدة، وبالتالى منع كل ما من شأنه أن يعرقلها.

ثالثا: ان المعاهدة تمثل اختراقا لمسار السلام الذى يعانى الموت الإكلينيكى منذ عقود, من خلال إحياء المفاوضات وفقا للشرعية الدولية وحقوق الفلسطينيين, كما أنه طريق ونهج مغاير للنهج والطريق الذى سار فيه العرب لعقود وهو الرفض والمقاطعة والاكتفاء بالشعارات والمقاومة السلبية والتى لم تستطع استعادة الحقوق الفلسطينية, بل ساهمت فى تآكل تلك الحقوق تدريجيا والقضاء على ما تبقى من القضية الفلسطينية. ولذلك فإن تشابك المصالح الاقتصادى والانفتاح والتعاون من شأنه أن يعزز بيئة صنع السلام بين الإسرائيليين والعرب, ويدفع المواطن الإسرائيلى إلى الاقتناع بأن تحقيق السلام العادل والشامل هو السياج الحامى لأمنه ويجعله يعيش بشكل طبيعى وسط إقليمه العربى, وهذا بدوره يساهم فى حصار وعزل التيارات واليمين المتشدد فى إسرائيل والدول العربية. من هنا سيدرك العرب والفلسطينيون على المدى البعيد مغزى وأهمية ونتائج خطوة الإمارات فى إبرام معاهدة سلام مع إسرائيل, وصواب نموذجها الفريد فى التنمية والسلام.


لمزيد من مقالات ◀ د. أحمد سيد أحمد

رابط دائم: