كان الرق في الولايات المتحدة الأمريكية يتّخذ صفة المؤسسة، انتشر في أمريكا الشمالية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، واستمر في الولايات الجنوبية حتي إقرار التعديل الدستوري رقم 13 عام 1865 نتيجة للحرب الأهلية.
كان هذا الشكل من العبودية يتمثل في إخضاع هؤلاء العبيد الذين يتم شراؤهم من تجار الرقيق في إفريقيا للعمل كخدم وفي مزارع المستعمرات. كانت فرجينيا أول مستعمرة إنجليزية استقدمت العبيد إلي أمريكا الشمالية عام 1619 بعد وصول سفينة تحمل 20 إفريقيًا، حيث أصبحت نقطة الانطلاق لانتشار الرق وصولا إلي المستعمرات الإسبانية في أمريكا الجنوبية. تركز معظم العبيد في العقود الأولي من القرن التاسع عشر في الولايات الجنوبية ذات الأراضي الخصبة التي تصلح لزراعة المنتجات عالية الطلب مثل التبغ والقطن والسكر والبُن، فعملوا في حراثة الأراضي وجمع المحاصيل يدويا،حيث أخذوا يحلون محل عمال الأجرة سواء من السود أو البيض.
اختلفت معاملة العبيد في الولايات المتحدة باختلاف المكان والفترة التي عاشوا فيها. لكن في العموم كانت الظروف المعيشية سيئة للغاية، تتميز بوحشية المالك والتدهور واللإنسانية التي تمثلت في معاقبتهم جسديًا سواء بالجلد أو الحرق أو التشويه والوشم بالنار. كانت عقوبات العبيد تتم أحيانًا دون سبب محدد، ولكن فقط لتأكيد هيمنة السادة، ويستثني من ذلك بعض العبيد الذين كانوا متخصصين في أعمال ذات أهمية كبيرة كممارسة الطب. وبعض الاستثناءات بين العائلات التي كانت تحسن معاملتهم. كان التعليم ممنوعًا تمامًا عن العبيد، لمنع التحرر الفكري الذي قد يغرس في العبيد أفكار الهروب أو التمرد. أما عن الرعاية الطبية فقد كانت تتم عن طريق العبيد أنفسهم ممن لهم معرفة طبية أو يمتلكون مفاهيم الطب التقليدي الإفريقي نتيجة لذلك سعي العبيد إلي التمرد ضد العبودية، وتمكن البعض منهم من الفرار إلي الدول التي ألغت الرق مثل كندا. أصبحت الحرب بين الشمال والجنوب أمرا لا مفر منه، فأهل الشمال رأوا أن الهدف الرئيسي من الحرب هو تحرير العبيد. بينما الجنوبيون البيض نظروا إلي أن تحرير العبيد من شأنه أن يدمر اقتصاد الجنوب، بسبب رأس المال الكبير المستثمر في العبيد.
يتفق معظم المؤرخين علي وجود أسباب كثيرة للحرب الأهلية الأمريكية 1861-1865، ويركزون علي الفارق الإقليمي بين الشمال والجنوب من حيث الاختلاف في الوضع الاقتصادي، والمفاهيم الفكرية، وأساليب المعيشة، فقد كانت حياة أهل الجنوب تعتمد أساسًا علي زراعة التبغ والقطن في أراضيهم الخصبة, لذلك استرقوا الأفارقة للقيام بهذه المهمة، بينما انشغل أهل الشمال بالأعمال التجارية، إذ كان الجو البارد والأرض الصخرية في الشمال تحول دون إمكانية التوسع في الزراعة. وقد دأب الشماليون علي العمل الجدي والتركيز علي التعليم والاقتصاد الحر، والتطلع إلي التحديث، بينما كان الجنوبيون متمسكين بوضعهم دون تغيير، من حيث الاعتماد أساسا علي عمل الرقيق، وكلما توسعت دول الجنوب في التطور الاقتصادي الزراعي زادت الحاجة لمزيد من الرق، وهو ما لم يكن يتفق مع مسألة تحرير العبيد التي تبناها أهل الشمال، والتي بسببها قامت الحرب الأهلية. تفاقم الخلاف بين الحكومة الفيدرالية التي عرفت »بالاتحاديين« مقابل إحدي عشرة ولاية جنوبية متمسكة بالعبودية. أسست هذه الولايات ما سمي بالولايات الكونفيدرالية الأمريكية ، ثم أعلنت انفصالها عن باقي الولايات الشمالية. تسلم قيادة الولايات الجنوبية الرئيس جيفرسون ديڤيس، أما قوات الشمال فكانت تحت إمرة الرئيس إبراهام لنكولن الذي كان يعارض توسيع العبودية ويرفض أي إعلان بالانفصال للولايات الجنوبية.
بدأت هذه الحرب بإعلان سبع ولايات جنوبية للرقيق (كارولينا الجنوبية، مسيسيبي، فلوريدا، ألاباما، جورجيا، لويزيانا، تكساس) انفصالها عن الولايات المتحدة وتشكيل الولايات الكونفيدرالية. ووضعت لنفسها دستورا، واتخذت من ألاباما في مونتجمري عاصمة، ثم ريتشموند بعد ذلك. اعتبر لنكولن، أن أي محاولة انفصال باطلة قانونا. أرسلت ولايات الجنوب وفودا إلي واشنطن، وعرضت الدخول في معاهدة سلام. لكن لنكولن رفض أي مفاوضات مع وكلاء الكونفيدرالية علي أساس أنها ليست حكومة شرعية، وأي معاهدة معها ستكون بمثابة اعتراف بأنها حكومة ذات سيادة.
قام الجنوبيون بالهجوم علي حصون الشمال، ومنها حصن سمتر في تشارلستون.هنا دعا لنكولن لجمع 75000 من المتطوعين، وشرع في حصار مستودع الأسلحة في ليبرتي وميزوري. وتم محاصرة جميع المنافذ الجنوبية، ومنع السفن التجارية من الوصول للولايات الجنوبية ،وتوقفت معظم الانتقالات الداخلية. كما توقفت تجارة القطن، مما دمر الاقتصاد الجنوبي. استمرت المعارك بين الجانبين. ففي الشرق استطاع روبرت لي أن يحقق انتصارات جيدة للكونفيدراليين في معركة كانسلورفيل في مايو 1863ضد الاتحاديين، لكن اختراق لي للشمال تم إيقافه في معركة گتيسبرگ Battle of Gettysburg في يوليو 1863 وبالكاد استطاع الانسحاب إلي فرجينيا. في الغرب تمكنت البحرية الأمريكية من السيطرة علي نيو أورلينز ، كما تمكنت القوات بقيادة يوليسيس گرانت من السيطرة علي مجري المسيسيبي بسيطرتها علي ڤيكسبورگ في يوليو 1863 وبهذا قاموا بفصل جزئي للولايات الكونفيدرالية.
في عام 1864 خاض كرانت معارك دموية مع لي في فرجينيا،خسر فيها لي واضطر للانسحاب إلي مسافة قريبة من عاصمته ريتشموند. في نفس الأثناء سيطر ويليام شرمان الشمالي علي أتلانتا وانطلق نحو البحر مهدماً مساحات واسعة من جورجيا، وفي عام 1865 انحسرت الكونفيدرالية بانسحاب قوات لي، وانتصر الشمال، وتم تحرير جميع العبيد. أدت الحرب الأهلية الأمريكية إلي إبطال نظام الرق في كل أنحاء الولايات المتحدة. وتم تحرير آلاف من العبيد، طبقًا لإعلان لنكولن. وأخيراً أصبحت الحرية حقيقة واقعة لجميع العبيد بعد انتصار دول الاتحاد والتصديق علي التعديل الثالث عشر للدستور، حيث أصبح الرق غير قانوني في كل الولايات المتحدة. انتهي الرق من الناحية القانونية والدستورية، لكن هل أصبح العبيد وأبناؤهم مواطنين كاملي الأهلية أم بقيت هناك رواسب تفرق بين المواطنين بسبب اللون؟، وللحديث بقية.
لمزيد من مقالات د. ليلى تكلا رابط دائم: