رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الرأى العام.. والسياسة
الخارجية

شُغِل علماء السياسة كثيرا بتحليل العلاقة بين الرأي العام والسياسة الخارجية، وميزوا عادة بين النظم الليبرالية وتلك الشمولية، أما الأولي فيلعب الرأي العام فيها دورا مهما في قرارات السياسة الخارجية كما في حالة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو في توجهات السياسة الخارجية ذاتها عندما يسقط الرأي العام حكومة لا يرضي عن توجهاتها الخارجية أو عن أدائها الفعلي، كما كانت حكومة المستشارة الألمانية مهددة بالسقوط بسبب سياستها تجاه قضية اللاجئين، وأما النظم الشمولية فينبع القرار فيها أساساً من صانع القرار الرئيسي وقد يستعين بنخبته الحاكمة الضيقة علي أقصي تقدير، وبدلاً من الاسترشاد بتوجهات الرأي العام يتم تجييشه لخدمة توجهات هذه النظم وقراراتها بغض النظر عن رضا الرأي العام عنها، غير أن هذا التمييز لا يعني أن كل قرارات السياسة الخارجية في النظم الليبرالية تكون تعبيرا عن الرأي العام، فالانحياز الأمريكي الصارخ لإسرائيل وفقاً لدراسة رائدة قام بها الدكتور أيمن منصور ندا لا يتناسب وتوجهات الرأي العام، وعليه يمكن تفسير هذا الانحياز أساساً بعوامل أخري كجماعات الضغط الصهيونية وهكذا، كما أن الرأي العام الأمريكي معروف بلامبالاته أصلاً بكثير من قضايا السياسة الخارجية، ناهيك بإمكانية التلاعب بالرأي العام في هذه النظم وتضليله كما اتُهِم بوريس جونسون في معركة استفتاء البريكسيت، كذلك يجب ألا يُفهم أن كل قرارات النظم الشمولية تكون فاقدة للتأييد الجماهيري، فقد وصل هتلر إلي السلطة في ألمانيا أصلاً واتبع سياساته التي أفضت إلي الحرب العالمية الثانية بتفويض شعبي كاسح، كما أن غزو صدام حسين للكويت كان يحظي بشعبية وسط قطاعات واسعة من الشعب العراقي، وبالتالي فإن العلاقة بين الرأي العام والسياسة الخارجية لا تجري وفق النموذج المبسط السابق.

غير أنني أزعم بأن الثورة التكنولوجية المعاصرة وبالذات في مجال الاتصالات قد أدخلت عنصراً جديداً في معادلة العلاقة بين الرأي العام والسياسة الخارجية، فبموجب هذه الثورة لم يعد نموذج العلاقة مقصورا علي أن يؤثر الرأي العام وفقاً لطبيعة النظام السياسي في قرارات السياسة الخارجية وتوجهاتها عبر أجهزة صنع القرار الرسمية، وإنما أتاحت ثورة الاتصالات للرأي العام أن يؤثر مباشرة علي مثيله في بلد أو بلدان أخري في قضايا الاهتمام المشترك عبر قنوات غير رسمية كالفضائيات الخاصة وأحياناً الرسمية والأهم منها وسائل التواصل الاجتماعي، والأمثلة في هذا الصدد عديدة من أزمات أحدثتها أعمال فنية في السينما والدراما التليفزيونية في علاقات التطبيع الرسمية بين إسرائيل ودول عربية، إلي أزمات حادة بين شعبين عربيين أو أكثر بسبب منافسات كرة القدم وما صاحبها من تلاسن إعلامي كما حدث غير مرة بين قطاعات من الشعبين المصري والجزائري أدي إلي احتقان حاد في العلاقات بينهما مع أن هذين الشعبين بالذات يمتلكان رصيداً هائلاً من الخبرة التعاونية الناجمة عن الدعم المصري الأصيل لثورة التحرير الجزائرية والدعم الجزائري الصادق لمصر عقب عدوان1967، سواء بشراء الطائرات الحربية لها بعد فقدان جل سلاحها الجوي في ذلك العدوان أو بالقتال علي الجبهة المصرية في حرب أكتوبر1973، وابتلينا في الآونة الأخيرة بحملات الكراهية المحمومة ضد العمالة الوافدة في الخليج والردود غير المنضبطة عليها من المتضررين من هذه الحملات، وغير ذلك الكثير الأمر الذي يهدد دون شك العلاقات الودية التعاونية بين بلدين أو أكثر دون مبرر موضوعي بالضرورة.

والمشكلة أن المتورطين في هذه الحملات لا يتسمون عادة بالرشادة بحيث يمكن وصف الأصوات الزاعقة التي تصدر عنهم بكل سهولة بالموتورة، وهم وإن انطلقوا أحياناً من حقائق واقعية إلا أن كم التشويه في مضمون حملاتهم يكون عادة هائلاً وتأثير هذا التشويه يكون خطيراً خاصة في ظل ما تتمتع به الشعبوية من جاذبية لدي فئات بعينها، ومع أن بعض الأصوات العاقلة وبالذات من النخبة المثقفة تتدخل أحياناً لترشيد هذه الظواهر وكبحها حتي لا تقوض أسس علاقات تعاونية قائمة علي أسس موضوعية إلا أن الصوت الغالب يكون عادة لمن يبدو أنهم فقدوا صوابهم وأن قضية عمرهم هي الإساءة للآخرين، وفي هكذا ظروف تتدخل عادة تنظيمات مشبوهة لدفع الأحداث في اتجاه يتناسب ومصالحها، بل يمكن أن تتدخل دوائر استخباراتية أجنبية لدق أسافين في العلاقة بين بلدين أو أكثر يُخشي من أن يضر التعاون بينها بمصالح هذه الدوائر، ومن هنا فإن هذه الظاهرة يجب ألا تُتْرَك دون ضبط علي الصعيدين الرسمي وغير الرسمي وإلا ألحقت أضراراً بالغة يهمنا منها تلك التي يمكن أن تلحق بعلاقات مصر العربية والإفريقية التي تمثل الإطار الأهم لعلاقات مصر الخارجية، وأرجو ألا يسارع البعض إلي وصم هذه الدعوة بأنها ترمي إلي كبت الحريات لسبب بسيط أنني لا أقصد بعملية الضبط هذه أي حجر علي حرية الرأي وإن وجب أحياناً التصدي لممارسات خطيرة تمس الأمن الوطني علي نحو لا مجال للمزاح فيه، لكن المقصود أن هذه الحملات وإن احتوت أحياناً قدراً من الحقائق إلا أن جلها عادة يكون مبنيا علي أكاذيب، ومن هنا وجبت متابعتها لتفنيد هذه الأكاذيب وفضحها أمام الرأي العام، وكما أن هناك لجاناً إلكترونية تبذل قصاري جهدها لتخريب العلاقات بين شعبين أو أكثر من الواجب أن يكون هناك اهتمام مؤسسي بهذه الظاهرة التي كثيراً ما تعكس نقصاً خطيرا في المعلومات الصحيحة، والأسوأ عندما تنضح بمشاعر كراهية غير سوية، ويبقي أن قلة من المتورطين في هذه الحملات تكون لهم أدوار رسمية، ومن ثم فإن المؤسسات التي ينتمون إليها ينبغي أن تُدعي إلي اتخاذ موقف واضح مما يفعلون لأن السكوت عليهم يمكن أن يُفسر ببساطة بأنه علامة رضا.


لمزيد من مقالات ◀ د. أحمد يوسف أحمد

رابط دائم: