رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

فى ذكرى وفاته..
ألبير قصيرى .. عاشق «الكسل»

> كتب ــ وسام أبو العطا

«لم أر أحداً من أفراد عائلتى يعمل، كان جدى وأبى وأخوتى فى مصر يعيشون على عائدات الأراضى والأملاك»، كانت هذه هى فلسفة الأديب ألبير قصيرى فى حياته، وهى فلسفة الكسل. عاش من عائدات كتبه وكتابة السيناريوهات، وكان يقول: «حين نملك فى الشرق ما يكفى لنعيش منه لا نعود نعمل، بخلاف أوروبا التى حين نملك ملايين نستمر فى العمل لنكسب أكثر».

طبقًا لوجهة نظره وقناعته الشخصية، الإنسان الكسول هو وحده الذى يمتلك الوقت للتأمل فى الحياة والكلام عنها دون أن يعبأ بالوقت، على عكس من وصفهم بـ «أسرى الحياة الحديثة» الذين يلهثون فى ساقية العمل ويدورون مدة حياتهم القصيرة وراء شراهة الشراء والتملك.

لم يعمل ألبير قصيرى فى حياته التى امتدت 94 عاما منذ 1913 و حتى 2008 سوى أربعة أعوام فقط، حيث عمل فى البحرية التجارية ما بين عامى 1939 و1943، مما أتاح له زيارة العديد من الأماكن منها أمريكا وأنجلترا و فرنسا، التى زارها لأول مرة عندما كان فى سن 17، قبل أن يقرر أن يستقر فيها فى عام 1945م، وكان حينها فى الثانية والثلاثين.
كان من الطبيعى أن تجذبه فرنسا ليس فقط لأجوائها الثقافية والفنية، ولكن لاتساقها مع تعليمه الفرنسى، حيث تلقى قصيرى تعليمه فى مصر بمدارس دينية مسيحية قبل أن ينتقل إلى مدرسة الجيزويت الفرنسية، فتعرف على أدب بلزاك وموليير وفيكتور هوجو وفولتير وغيرهم من كبار الكتّاب الفرنسيين الكلاسيكيين، مما جعله يكتب بالفرنسية ويصنف نفسه ككاتب مصرى فرانكفونى. ترجمت أعماله إلى 15 لغة منها العربية، وكانت مصر دائما مسرح رواياته وشخصيات رواياته من المصريين البسطاء . وعلى الرغم من إقامته الدائمة فى فرنسا، إلا أنه كان حريصاً على تجديد جواز سفره المصرى.

وتشير كتاباته - مثل «لسعات» 1931 وهو ديوان شعرى نشر فى القاهرة، ومجموعته القصصية الأولى «بيت الموت المحتوم» 1944 والذى صدر بالقاهرة، و«تنابل الوادى الخصب» 1948، و«العنف والسخرية«1962، و«شحاذون ومتغطرسون»، «طموح فى الصحراء»، «مؤامرة مهرجين»، «موت المنزل الأكيد»، و«ألوان النذالة» - كل هذة الكتابات تشير إلى ولع نادر بمدينة القاهرة، ومن اللافت أنه سجل عنها عدة ملاحظات فى أوراق لم تشملها رواياته.

ومن النصوص التى كتبها قصيرى وكانت تعكس رغبته فى مقاومة الحنين للبلاد التى هاجر منها، وظل يكتب عن عوالمها بقية حياته «أصبحت المدينة مرعبة خاصة على امتداد شارعى فؤاد الأول وعماد الدين، فالواقع أن هذين الشارعين الرئيسيين يتمتعان بكل ما تملكه مدينة متمدنة لإرهاق الناس ومضايقتهم، وكانت هناك أماكن للتسلية لا طعم لها الآن، فكل شيء يدفع إلى الضيق والملل».


الملفت للنظر فى إبداعات ألبير قصيرى أن ولعه وتبنيه لفلسفة الكسل قد انتقل إلى شخوص وأبطال رواياته فيقول شخصياتى هى أنا، تفكر مثلى، وكسالى من طراز فريد، يقاومون جرائم الطموح جميعها ويدبجون مقولات ساخرة منها، هم ساخرون لكن أحرار، يفتقدون إلى التأثير فى محيطهم السياسى والاجتماعى لكنهم يدافعون بشراسة عن كرامة الإنسانية التى يسحقها العمل المأجور وأوهام التحديث، بلا رأفة»، فمثلاً روايته الشهيرة «شحاذون ونبلاء» التى تحولت إلى فيلم سينمائى تتحدث عن ثلاثة مشردين فرضوا طابعا مختلفا لحياتهم على المجتمع والقانون، وهو طابع يتسم بالبلادة والكسل والصعلكة، حياة رافضة لأى قيود، أو مبادئ رسمية أو حتى اجتماعية، هؤلاء الثلاثة ينطلقون فى الحياة إلى أقصى ذروتها الوجودية، حيث اللا مبالاة والحرية المطلقة، والسخرية من أجل اللاشيء، والرغبة الكبيرة فى تدمير الذات، وهو ما ظهر فى قيام أحدهم بالاعتراف على نفسه فى جريمة قتل لم يقترفها، وأيضاً شخصية أستاذ التاريخ الذى قدم استقالته احتجاجا على تفاهة وزيف المناهج، وقرر أن يعيش كسولاً فى غرفة ليس بها من الأثاث سوى ورق الصحف، وهو رجل يعشق الليل لما به من سكون، ويبتعد عن النهار لما به من حركة وحياة صاخبة.

إلى جانب ولعه بفلسفة الكسل، كان قصيرى رافضا لتملك أى شيء حتى مسكنه، حيث كان يعيش فى غرفة بفندق «لا لويزيان» فى شارع السين فى الحى السادس الباريسى لمدة 63 عاماً بلا انقطاع، و كانت فلسفته فى ذلك أن التملك يجعل الإنسان أسيراً لما يملكه، مما يفقده الاستمتاع بحريته. وتعرف ألبير قصيرى فى فرنسا على ألبير كامى وجان بول سارتر ولورانس داريل وهنرى ميللر الذين أصبحوا فيما بعد رفقته وصحبته اليومية طوال 15 عاما فى مقهى «كافيه دو فلور»، وهذا أيضاً ما يفسر سر حياته وحيداً حيث تزوج من ممثلة مسرحية فرنسية، لكن لم يدم هذا الزواج طويلًا، وعاش بقية حياته أعزب، وحين كان يسئل عن السعادة، كان يقول «أن أكون بمفردى».


عاش قصيرى اخر عشر سنوات من حياته فى الصمت الذى أصابه إثر أصابته بسرطان الحنجرة عام 1998 وفارق الحياة كما أراد على فراشه فى غرفة الفندق الذى كان يعيش فيه فى يوم 22 يونيو 2008.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق