-
التعديلات تستهدف مساندة الأفراد فى ظل الظروف الاقتصادية الحالية
-
لايخضع للضريبة الأعلى إلا أصحاب الدخول المرتفعة
-
زيادة حد الإعفاء العائلى إلى 15 ألف جنيه والشخصى إلى 9 آلالف جنيه
-
تعديل الشرائح الضريبية للأفراد متعارف عليها عالميا
-
إنجلترا تعدله سنويا والدنمارك كل عامين وثلاثة تعديلات للهند فى 4 سنوات
لا تزال هناك بعض التفسيرات المغلوطة لدى البعض حول فلسفة تعديلات قانون الضريبة على الدخل قبل وبعد إقرارها، رغم جهود وزارة المالية ومصلحة الضرائب فى إيضاح وبيان
ما تحققه هذه التعديلات من مزايا تعالج تشوهات منظومة الخصم الضريبي، وتحقق العدالة الضريبية.
وتستوجب هذه المغالطات توضيح حالات الالتباس على المستفيدين من هذه التعديلات والتى تضمن لهم حوافز ووفورات مالية جديدة.
ولكن قبل أن نطرح ما أُثير من مفاهيم خاطئة ونرد عليها تجدر الإشارة إلى أن تعديلات بعض أحكام قانون «الضريبة على الدخل» الصادرة بالقانون رقم 26 لسنة 2020، تُسهم فى إرساء دعائم العدالة الضريبية بشكل تصاعدي، وتحسين الشرائح الضريبية، وتحقيق وفر ضريبى للشرائح الأقل دخلًا، والمتوسطة وفوق المتوسطة، ومعالجة تشوهات المنظومة الحالية التى ترتكز على «الخصم الضريبي».
وتتضمن هذه التعديلات زيادة حد الإعفاء الضريبى بنسبة 60%، إذ تم رفع حد الإعفاء الأساسى لكل ممول من 8 آلاف جنيه إلى 15 ألف جنيه، إضافة إلى زيادة حد الإعفاء الشخصى لأصحاب الرواتب من 7 آلاف جنيه إلى 9 آلاف، وبالتالى سيكون الدخل السنوى لذوى الرواتب حتى 24 ألف جنيه معفيا من الضرائب.
وسيتم تطبيق النظام الضريبى الجديد للدخل من الرواتب وما فى حكمها اعتبارًا من أول يوليو المقبل، ويسرى على الدخل المتحقق من النشاط التجارى والصناعى أو إيرادات المهن غير التجارية، أو إيرادات الثروة العقارية بدءًا من الفترة الضريبية التى تنتهى بعد تاريخ العمل بالقانون.
وبمقتضى هذه التعديلات، تم استحداث شريحة اجتماعية جديدة لأصحاب الدخول المنخفضة التى يتراوح صافى دخلها السنوى بين 15 و 30 ألف جنيه بخلاف حد الإعفاء الشخصي.
بحيث تكون الضريبة عليها 2.5%، ومن أكثر من 30 ألف جنيه حتى 45 ألف جنيه تكون 10% بدلًا من 15%، وأكثر من 45 ألف جنيه حتى 60 ألف جنيه تكون 15% بدلًا من 20%، وأكثر من 60 ألف جنيه حتى 200 ألف جنيه تكون 20% بدلًا من 22.5%، وأكثر من 200 ألف جنيه وحتى 400 ألف جنيه 22.5%، واستحداث شريحة جديدة بسعر 25% لذوى الدخل الأعلى من ذلك.
ويرى البعض إن هذه التعديلات علي«ضريبة الدخل» تخل بمبدأ استقرار التشريع الضريبى حيث إن آخر تعديل على المادة الثامنة بقانون 91 لسنة 2005 كان بالقانون 97 لسنة 2018.
إلا أنه عند بدء سريان التعديلات الجديدة فى أول يوليو 2020 بالنسبة للرواتب والأجور سوف يكون مر على آخر تعديل عامان، وهى فترة منطقية ولا تُخل بالاستقرار التشريعى الذى لا يعنى الجمود، أو أن يقف المشرع صامتًا إذا تبين أن هناك أوجه قصور فى هذا التشريع يجب إعادة النظر فيها، وتعديل أو إلغاء الأحكام التى تؤدى إلى هذا القصور.
وتتضمن المادة الثامنة من قانون الضريبة على الدخل أحكامًا خاصة بالأسعار التصاعدية للضريبة على دخل الأفراد، ومن ثم فهى من أكثر المواد حساسية وتأثرًا بمعدلات التضخم ومستوى الأسعار، مما يستلزم من المشرع أن يبادر بتصحيح أى اختلال ينشأ عن أى تغير اقتصادى يمكن أن يصيب محدودى الدخل بأعباء ضريبية مرهقة، أو يفيد أصحاب الدخول العالية بمكاسب ضريبية تخل بمبدأ العدالة الضريبية، الذى يقوم فى الأساس على مبدأ القدرة على الدفع، أى تحمل كل ممول قدر من الضريبة يتناسب مع مستوى دخله أو أرباحه.
ومن المتعارف عليه دوليًا أن يتم تعديل الشرائح الضريبية وسعر الضريبة للأفراد بشكل دورى ومستمر يتناسب مع الظروف الاقتصادية، وعلى سبيل المثال إنجلترا تُجرى تعديلاً سنويًا، والهند أجرت 3 تعديلات خلال السنوات الأربع السابقة، والدنمارك أجرت 6 تعديلات خلال الـ 12 عامًا السابقة بواقع تعديل كل سنتين فى المتوسط.
ولا يخفى على الكثيرين أنه كان هناك تشوه فى الشرائح الضريبية أسفر عن عدم عدالة نظام الخصم الضريبى الذى يُوقع الممولين فيما يعرف بالمنطقة الحدية مما يترتب عليه خضوع ذوى الدخل الأقل لضريبة أعلى لما يخضع لها أصحاب الدخل الأعلى حيث يتحدد الخصم الضريبى على أساس الدخول فى الشريحة، وليس على أساس ما يزيد الدخل، وهو ما يعرف لدى علماء المالية العامة والضرائب بنظام الشرائح بالطبقات وليس الشرائح التصاعدية، مما يخل بالعدالة الضريبية.
وما طرحه خبراء الضرائب والمؤسسات المالية بعدم ملاءمة نظام الشرائح التصاعدية المحدود، الذى يتوقف عند سعر 22.5% لواقع مستوى الدخل عند الفئات العليا من الممولين والذى يستوجب معه التدخل السريع فى تعديل المادة الثامنة حتى لو لم يمر وقت طويل على صدور التشريع؛ وذلك لتطبيق العدالة الضريبية على الممولين.
ويزعم البعض عدم نجاح الشريحة الاجتماعية المحددة بـ 2.5% فى التغلب على ظاهرة التأثير الحدى على الشرائح باعتبار أن الشريحة التالية لها مباشرة 10% .
لكن هذا الفهم يخلط بين نظام التصاعد بالشرائح الذى يأخذ به القانون فى المادة الثامنة وبين نظام الخصم الذى منح بالقانون رقم 82 لسنة 2017، فنظام الشرائح بالتصاعد يعنى أن الدخل يتدرج فى الخضوع للضريبة تصاعديًا بزيادة سعر الضريبة مع زيادة الدخل بحيث لا يخضع للسعر الأعلى إلا ما يزيد على الدخل الواقع فى الشريحة السابقة عليه، أما نظام الخصم الضريبى فيأخذ بنظام الشرائح بالطبقات الذى يُخضع الممول لنسبة خصم أقل لمجرد أن دخله زاد على دخله السابق ولو جنيه واحد.
ونظام الخصم الضريبى الذى منح بالقانون رقم 82 لسنة 2017 يمنح الإعفاء الشخصى بنحو 7 آلاف جنيه، والشريحة المعفاة 8 آلاف جنيه، والشريحة الأولى 30 ألف جنيه، ومن ثم تكون المنطقة الحدية عند 37 ألف جنيه.
لنفرض أن الممول يحصل على دخل من الرواتب والأجور 37 ألف جنيه، يحصل على خصم ضريبى 85% وتكون الضريبة 330 جنيهًا سنويًا، وإذا افترضنا أن هذا الممول دخله من المرتبات والأجور زاد ليصبح 37 ألفًا وجنيه واحد، يحصل على خصم 45% وتكون الضريبة 1210 جنيهات سنويًا.
ومن خلال العرض السابق يتضح لنا أن الممول بمجرد زيادة دخله بجنيه واحد أدى إلى زيادة الضريبة بقيمة أكبر من الزيادات التى طرأت على دخله.
وبالتطبيق على نفس المنطقة الحدية فى ظل الشرائح الجديدة يكون الوضع كالتالي، الإعفاء الشخصى 9آلاف جنيه، والشريحة المعفاة 15 ألف جنيه، والشريحة الأولى 30 ألف جنيه، ومن ثم تكون المنطقة الحدية عند 39 ألف جنيه.
لنفرض أن الممول يحصل على دخله من الرواتب والأجور 39 ألف جنيه، تكون الضريبة 375 جنيهًا سنويًا، وإذا افترضنا أن هذا الممول دخله من الرواتب والأجور زاد ليصبح 39 ألفًا وجنيها واحدا تكون الضريبة 375.1 جنيه سنويًا مما يؤكد مفهوم العدالة الضريبية فى ظل النظام الجديد.
أضف إلى ذلك أن فرضية إضافة شريحة الـ 2.5% فقط للقضاء على التأثير الحدي، ليس صحيحا حيث إن هذا السبب هو أحد أغراض استحداث هذه الشريحة، وكذلك وجود غرض اجتماعى يهدف إلى دعم الفئات الأقل دخلًا، وخفض عبء الضريبة وصولًا بهذه الشريحة الاجتماعية لتغطى حدود متوسط الاستهلاك من السلع والخدمات الأساسية للأسرة الذى يصل لنحو 35 ألف جنيه سنويًا، بحسب الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.
ويزعم البعض عدم التفرقة بين الممول الذى يبلغ دخله السنوى 66 ألف جنيه، والآخر الذى يبلغ دخله السنوى 192 ألف جنيه، وخضوعهما لسعر الضريبة 20% مع إلغاء الخصم الضريبى لكليهما دون مراعاة للظروف المعيشية للممول الأول.
إلا أن هذه الملحوظة ليست فى محلها، لأن ماتم الاسترشاد به هو نفس الحال الموجود فى القانون الحالي، فإن أصحاب هذه الدخول يصل دخلهم إلى الشريحة 20%، ومن ناحية أخرى فإن تطبيق ما يتم الإشارة إليه من مراعاة تفاوت الدخول مع مراعاة الأعباء المعيشية عند وضع أسعار الضريبة، يعنى أن نضع سعرا للضريبة عند زيادة الدخل بكل وحدة نقد «جنيه»، وهذا لا يتفق مع النظم العلمية، حيث يتم وضع سعر الضريبة التصاعدية لمدى من الدخل.
ويزعم البعض أيضًا عدم تحقيق مبدأ الشفافية، لأن الشريحة العليا المحددة بسعر 25% حددت على أساس دخل سنوى 400 ألف جنيه، وذلك ليتوافق مع الحد الأقصى للأجور.
إلا أن الواقع يؤكد أنه لا توجد علاقة بين الشفافية الضريبية والعدالة الضريبية من ناحية، وبين الحد الأقصى للأجور؛ فالشفافية الضريبية تعنى وضوح المعاملة الضريبية لأنواع الدخل، تبعًا لمستواه، ونوع النشاط الذى يمارسه الممول، مع مراعاة مبدأ القدرة على الدفع لتحقيق العدالة الضريبة، وتتناول هذه الملحوظة الأمر كما لو أننا نتحدث عن الحد الأقصى كحد للكفاف، فتنخفض الضريبة إلى ما هو دونه وترتفع إلى ما هو أعلاه، صلةً بين تحديد أسعار الضريبة التصاعدية، والحد الأقصى للأجور.
حيث إن هذا الحد الأقصى يخص فئة العاملين بالجهاز الإدارى للدولة وغيره من المؤسسات التابعة للدولة، وتم وضعه كسقف للرواتب وما فى حكمها التى يتقاضاه هؤلاء العاملون بالدولة، وغالبًا يكونون فى المستويات الإدارية العليا أو من ذوى الخبرات والمهارات التى تحتاج لها أجهزة الدولة، والهدف من الحد الأقصى هو ألا يستغل أصحاب هذه الدخول مكانتهم للتربح من خزانة الدولة أى أن هذا الحد هو لأغراض رقابية، ولا يُعد أساسًا لتحديد أسعار الضريبة التصاعدية، إضافة إلى أن الضريبة لا تخص أصحاب الدخول من الرواتب وما فى حكمها فقط، ولكنها هى ضريبة على دخل الأفراد من المصادر المختلفة التى حددها القانون 91 لسنة 2005 فى المادة السادسة كما أن تقسيم الشرائح تم من أجل مراعاة التدرج والتصاعدية والعدالة التى يفتقدها النظام الحالي.
ومن المزاعم أيضا عدم تصنيف الدخول العليا بين 400 ألف حتى مليون جنيه سنويًا وفقًا لشرائح بأسعار تصاعدية على غرار شرائح منخفضى ومحدوى الدخل.
لكن الـ 25% هى السعر الأعلى فى الشرائح الضريبية ويطبق على أصحاب الدخول العليا، وتوجد قواعد إضافية تفرق بين أصحاب الدخول بشكل تصاعدى من 400 ألف حتى مليون جنيه، أى أنه تم تطبيق العدالة فى دفع الضريبة باستخدام القواعد الإضافية لأصحاب الدخول العليا بدلاً من الاستمرار فى تصاعدية الضريبة، حيث إن تطبيق هذا المبدأ على إطلاقه سينتج عنه الوصول لسعر شريحة 100% عند مستوى معين من الدخول. وتساعد هذه القواعد الإضافية على تحقيق التوازن بين ارتفاع الدخل الخاضع للضريبة واستفادة الممول من الإعفاءات؛ بما يحقق مبدأ توجيه الدعم لمستحقيه، ومبدأ المقدرة التكليفية الذى يُعد بمنزلة المبدأ الأساسى عند فرض الضريبة، إضافة إلى معالجة التشوهات الناتجة عن التطبيق العملى للخصم الضريبي.
وتتواصل المزاعم حول عدم مناسبة الضوابط التى تحكم استفادة الدخول العليا من الأسعار المنخفضة للضريبة فعلى سبيل المثال: من غير الملائم أن يستفيد ممول دخله 600 ألف جنيه سنويًا بالشريحة الاجتماعية 2.5% بدعوى أن إجمالى دخله لم يتجاوز 700 ألف جنيه.
إلا أن هناك ضوابط مقررة حول «القواعد الإضافية» لتطبيق الشرائح العليا، وحرمان بعض فئات ذوى الدخل المرتفع من الشريحة المعفاة أو بعض الشرائح الأولي، يرجع إلى أن هذه الشرائح موجهة فى الأساس لمراعاة الدخول المنخفضة والمتوسطة أما من يبلغ دخله حدًا أكبر فإن ما يتوافر له من دخل بتطبيق الشرائح الأولى عليه لا يشكل بالنسبة إليه فائدة حقيقية، اعتمادًا على نظرية المنفعة الحدية، التى تعنى تناقص منفعة الدخل بزيادة مستواه، وهو ما يحقق العدالة الضريبية بشكل أفضل، وبذلك تكون القواعد الإضافية بمنزلة الضوابط التى تحكم استفادة الدخول العليا من الأسعار المنخفضة للضرائب.
رابط دائم: