«أبجد.. هوز..حطى.. كلمن..» كلمات أغنية جميلة شدت بها الفنانة الرائعة ليلى مراد فى فيلم «غزل البنات» بطولة العملاق نجيب الريحانى، لم يكن يدر بخلد أى منا أن الأغنية التى حفظناها ونرددها منذ أكثر من نصف قرن لها أساس لغوى وتاريخى إستطاع من خلاله الشاعر الغنائى الشهير الراحل حسين السيد أن يوظفه فى الأغنية الشهيرة الخالدة «أبجد هوز حطى كلمن.. شكل الأستاذ بقى منسجم.. أستاذ حمام نحن الزغاليل.. من غير جناح بنميل ونطير.. والمكر فينا طبع أصيل.. إن قلنا لألأ يعنى نعمٌ» التى عشقناها بصوت الفنانة الجميلة
................................
والموضوع كما يقول الشاعر والباحث المهندس المعمارى حسين محفوظ القاضى من الأقصر: هذا الفيلم من الأفلام السينمائية الشهيرة التى مضى عليها أكثر من نصف قرن، كما أن الأغنية الجميلة يرددها الكبير والصغير لعذوبة كلماتها ولحنها، والغالبية العظمى مما يسمعونها أو يرددونها لايعلمون أن الجزء الأول منها ماهو إلا جزء أساسى وأصيل من إبداع الشعر واللغة العربية بل من ذخائر وبراعة الأدب فى الوطن العربى ومصر على وجه الخصوص، وهذا اللون الشعرى يسمى «حساب الجُمل الشعرية» حيث ان هذا الفن الشعرى يرتبط بحسابات رقمية محددة لها ترتيباتها وتنسيقها، وروادها من الشعراء لهم قدرات خاصة فى إبداعها والتعامل مع تلك الأرقام وترويضها وفق رؤى كل منهم فى الوصول لهدفه والرؤية الرقمية التى يبتغيها.
وبالتفصيل يشرح الشاعر حسين محفوظ هذا الفن الشعري: معروف أن اللغة العربية لها ترتيبان الترتيب الهجائى بترتيب الحروف الأبجدية المتعارف عليه «أ ب ت ث ج ح خ د ذ......ك م ن ه وى» وهو ترتيب حروف اللغة العربية الثمانية وعشرين حرفاً ويحفظه بنفس الترتيب كبيرنا وصغيرنا من بداية مراحل تعليمنا الابتدائى، وهناك ترتيب آخر لايعرفه إلا قلة قليلة من دارسى وخبراء وعلماء اللغة والدين، وهذا الترتيب هو الترتيب الأبجدى وهو «أبجد هوز حطى كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ» وهو ترتيب فى ثمانية مجموعات تشمل مجتمعة الثمانية وعشرين حرفا للغة العربية أيضاً.
ويتناول الشاعر والباحث الأقصرى طريقة توظيف الحروف الأبجدية فى الشعر فيقول:- وعند استخدام الشاعر الحروف الأبجدية بترتيبها المذكور يقوم بكتابتها بترتيبها المذكور ثم يقوم بتوزيع الأرقام على ثلاث مجموعات، المجموعة الأولى كل حرف فيها يأخذ رقم آحاد بالترتيب بمعنى «أ= 1،ب= 2، ج = 3، د= 4، ه = 5،و= 6، ز= 7،ح= 8،ط = 9»، والمجموعة الثانية كل حرف فيها يأخذ رقم عشرات بمعنى «ى = 10، ك = 20، ل = 30، م = 40، ن = 50، س = 60، ع = 70، ف = 80، ص = 90»، والمجموعة الثالثة والأخيرة يأخذ كل حرف فيها أرقام المئات أى كالآتى «ق = 100، ر= 200، ش = 300، ت = 400، ث = 500، خ = 600، ذ = 700، ض = 800، ظ = 900، ع = 1000» وللشعراء البارعون فى هذا الفن الشعرى قدرة فائقة على توظيف وترويض الحروف والأرقام للوصول لهدفهم وهو رقم معين قد يكون تاريخاً أو رقما مشهوراً أو غير ذلك فى سياق قصيدة منظومة ومقفاة وعميقة طبقاً للموضوع الذى يختارونه، وربما لا يكتشف القارئ أن نظم القصيدة كما أن له تجربة شعرية وشعورية هناك مغزى رقمى آخر يكتشفه باحث أو فقيه لغوى أو شاعر بارع فى نفس هذا الفن الشعرى، فبعد أن ينظم الشاعر قصيدته طبقاً لموضوعها وفى نهاية القصيدة «وهنا تتجلى المهارة والبراعة» حيث يكتب الشاعر شطرا من البيت الأخير مراعياً أنه عند استبدال حروف الشطر بالأرقام المناظرة لها يكون مجموع الأرقام مثلاً هو تاريخ سنة الحدث سواء بالتقويم الهجرى أو الميلادى وهو الغالب الذى كان يميل إليه شعراء هذا الفن الشعرى، أو أى رقم آخر شهير يرتبط بذكرى لدى الشاعر
وعن الفترات التى ازدهر بها هذا الفن الشعرى يقول محفوظ:- كان لهذا الفن الشعرى رواده فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن الماضى «العشرين» فى مصر وتحديداً فى صعيد مصر، بل كان له مشاهيره من فطاحل الشعراء خاصة فى مدينة قوص بمحافظة قنا، وكانوا يسجلون تواريخ بناء المساجد والزوايا بل القصور والمنازل بأبيات الشعر التى توضح تاريخ الإنشاء، وكان البعض يسجل تواريخ الميلاد وزيجات ووفيات المشاهير بأبيات الشعر، ولمعرفة التاريخ يتم توزيع الأرقام كما تم توضيحها سابقاً متبوعة بالرقم الحسابى المميز لكل منها، ومن تلك الأمثلة بيتا الشعر المدونان على واجهة منبر مسجد الشيخ ثابت عبدالرحيم كيلانى «زاوية ثابت بقيسارية قوص» وكان الشيخ ثابت من التقاة الورعين ومن كبار تجار قوص وأسس هذا المسجد عام 1319 هجرية «منذ 122سنة هجرية» وهذان البيتين هما:-
انظر إلى هذا تجد فيه لوعظ مسلكا
من أسسوه أرخوه «منبرٌ لوعظكا»
أبيات بسيطة ومعبرة وحروف كلمتى «منبر لوعظكا» بطريقة حساب الجمل للحروف الأبجدية تساوى 1319 وهو كما قلنا العام الهجرى لتأسيس المسجد
وعن مشاهير شعراء هذا الفن يختتم المهندس الشاعر:- برع كثير من شعراء الصعيد وقوص فى هذا الفن الشعرى ومنهم الشاعر والأديب الشيخ أحمد عبدالحق القوصى المولود فى عام 1862 والمتوفى فى عام 1915وهو من مشاهير العلماء وصاحب أكثر من 90 قصيدة من هذا الفن الشعرى فى مناسبات كثيرة متعددة ومتنوعة، ومنها قصيدة شهيرة فى تتويج الخديوى عباس حلمى الثانى لحكم مصر من أبياتها:-
«لعباسنا الثانى علا الفرمان» وللملك أفراح بنيل أمان
وبالنظر لحروف الشطر الأول وبحسابات الأرقام الأبجدية نجد أن مجموع أرقامها 1309 وهو التاريخ الهجرى لصدور الفرمان، ومن مشاهير شعراء هذا الفن الشيخ حسن عبدالرحيم القفطى وهو من مواليد 1835 وتوفى عام 1902 ميلادية والذى أرخ لتجديد بناء المسجد العمرى بقوص بقصيدة ذيلها بقوله قلت فيه مؤرخاً ضعف الله أجركم فالحسابات الرقمية للحروف الأبجدية للشطرة الثانية «ضعف الله أجركم» تشير إلى تاريخ تجديد المسجد فى تلك المرحلة وهو عام 1280 هجرية.
رابط دائم: