رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

حسن حسنى ابن الواقعية الجديدة «سارق الفرح»

زين العابدين خيرى

عشرون عاما احتاجها الفنان الكبير الراحل حسن حسنى بعد ظهوره الأول فى السينما عام 1963 من خلال ثوان قليلة على الشاشة كأحد الفدائيين المعتقلين فى فيلم «الباب المفتوح» للمخرج الكبير هنرى بركات، ليحصل بعده على أدوار أكثر تميزا مع مخرجى موجة الواقعية الجديدة فى السينما منذ ثمانينات القرن العشرين، بدأت بفيلم «سواق الأتوبيس» «1982» مع المخرج عاطف الطيب، وجسد فيه حسن حسنى دور «عونى» زوج إحدى بنات «الحاج سلطان» وكان هو محرك الأحداث حيث تسبب بجشعه وإهماله فى إدارة ورشة الحاج سلطان فى أن تحجز الضرائب عليها، لتُعرض بعدها للبيع فى مزاد علنى.



جاء دور «عونى» استمرارا لأدوار الشر التى تميز بها حسن حسنى فى تلك الفترة سينمائيا وتليفزيونيا خصوصا بعد مسلسل «أبنائى الأعزاء شكرا»، ولكنها ربما كانت المرة الأولى لحسن حسنى التى يوضع اسمه فيها على أفيش أحد الأفلام، وهو ليس كأى فيلم، بل واحد من أهم أفلام السينما المصرية، ولذا كان من الطبيعى بعد تألقه اللافت فى هذا الفيلم أن يوضع فى منطقة مغايرة تماما لتلك التى كان واقعا فيها، وأن يتم الاعتراف به كممثل مهم يستحق أدوارا أكثر أهمية، ولكن ذلك لم يحدث إلا بمقدار ضئيل جدا، ومن خلال أربعة أفلام أخرى مع عاطف الطيب هى «البريء» «1986»، «البدرون» «1987»، «الهروب» «1991» و»دماء على الأسفلت» «1992»، ومع محمد خان فى فيلم «زوجة رجل مهم» «1987»، الذى سيقدم معه بعدها بسنوات واحدا من أبرز أدواره فى تلك المرحلة وهو دور «عبدالعظيم القرنفلى» مدرس التاريخ السابق والنصاب خفيف الظل والفيلسوف فى الوقت ذاته الذى سيغير مفاهيم البطل عن الحياة فى فيلم «فارس المدينة» «1993»، وهو الدور الذى فاز عنه حسنى بجائزة أحسن ممثل فى مهرجان الإسكندرية السينمائى، وأحسن ممثل فى المهرجان القومى للسينما فى العام نفسه، ليتم التعامل أخيرا مع موهبة حسن حسنى بما يليق بها وإن كان ذلك بعد أن تخطى الستين من عمره.

سارق «سارق الفرح»

بعد عامين تقريبا من تألق حسن حسنى فى «فارس المدينة»، كان على موعد مع الدور الذى أعتبره الأهم على الإطلاق فى مسيرته، على الرغم من أن الفيلم نفسه ربما لا يكون الأهم فى مسيرته أو فى مسيرة مخرجه، أما الفيلم فهو فيلم «سارق الفرح» للمخرج داود عبدالسيد، وهو مخرج آخر من فرسان الواقعية الجديدة الذين تلقفوا موهبة حسن حسنى فأزاحوا الكثير من الغبار عنها جوهرها الأصيل، أما الدور فهو دور «ركبة القرداتى»، ذلك العجوز الذى رغم سنه وظروف حياته الصعبة لم يفقد شغفه بالحياة، ليست الحياة كلها وإنما الرابط الذى مازال يربطه بها وهو «رمانة» «حنان ترك»، تلك الفتاة الصغيرة أخت بطلة الفيلم «أحلام» «لوسى».

أدرك حسن حسنى بموهبته الكبيرة وخبرته التى امتدت لأكثر من ثلاثين عاما من السينما قبل هذا الفيلم أن دور «ركبة» ليس كمثل أى دور آخر قام بأدائه من قبل؛ فهو مُفتتِح الفيلم، وراويه فى مشاهده الأولى، ومن خلال منظاره المعظم الذى اشتراه من تاجر روبابيكيا سنشاهد أبطال الفيلم وشخصياته الثانوية عن قرب ونتعرف عليهم جميعا، فكان النافذة التى فتحت أعيننا على بقية شخصيات الفيلم.

أدرك حسن حسنى من مشهده الأول أن شخصيته وإن لم تكن الشخصية الرئيسية فى الفيلم فإنها الشخصية المفتاح لفهم بقية الشخصيات، ولعب على هذا ببراعة شديدة، فهو صديق البطل «عوض» والشاهد على علاقة حبه مع البطلة «أحلام»، وهو نفسه عاشق أختها «رمانة» الولهان الذى يعلم أن لا شيء يجمع بينهما على الإطلاق، وعلى الرغم من ذلك يشتهيها بكل معانى الكلمة، ولذا جاءت أغلب مشاهده وكأنها مشاهد رئيسية له فى الفيلم، بداية من المشهد الافتتاحى الذى يتم فيه استعراض المنطقة العشوائية التى تدور فيها الأحداث على قمة المقطم ويفضفض فيه إلى قردته «سكر» شاكيا همومه ومبديا رغبته فى أن «نفسى أتحرر يا سكر»، خالقا علاقة مقنعة جدا بينه وبين القرد وكأنهما صديقان قديمان، وهى العلاقة نفسها التى نجح فى إقناعنا بها الممثل القدير بينه وبين كل مفردات شخصيته كقرداتى من ملابس وإكسسورات، بجانب العرج فى قدمه الذى يبين لنا أحد أسباب تسميته بهذا الاسم الغريب «ركبة».

ثم يأتى مشهد استعراض المكان من خلال منظاره الذى تحدثنا عنه سابقا، مرورا بواحد من أجمل مشاهده فى الفيلم وهو المشهد الذى يناجى فيه الشمس وهو يدق على الرِقّ لتصعد إلى السماء متفائلا بأن صعودها معناه أن كل أحلامه ستتحقق «رمانة هتحبنى زى ما باحبها، والقرد هايتعلم إزاى يتكلم.. إطلعى يا حلوة إطلعى». بملامح وجه متهللة بطفولية شديدة، وكأن الرق الذى يهزّه كان المحرك الحقيقى للشمس لتأخذ مكانها فى صدر السماء.

يأتى بعد ذلك مشهد اعتراف «ركبة» بحبه لـ»رمانة» لصديقه «عوض»، وهو المشهد الذى يبدأ ببكاء «عوض» على كتف «ركبة» بسبب عدم قدرته على الزواج من حبيبته «أحلام»، فكأنه كان يستفز الرغبة نفسها فى البكاء عند «ركبة» الذى يمر بحالة عشق عاجز عن الاكتمال مشابهة لحالة «عوض»، وحين يتعجب «عوض» من بكائه ويسأله عن سببه يخبره «ركبة» بطفولية شديدة وبكاء مستمر «باحب يا عوض»، وحين يسأله عمن يحبها يعترف بأنه يحب «رمانة بنت بيومى» أخت «أحلام»، فينسى «عوض» مأساته الشخصية ويتحول بكاؤه إلى نوبة ضحك متواصل تستفز «ركبة» الذى يتلجلج فى الكلام ويقوم ليغادر باكيا وغاضبا ضاربا الأرض بعصاه فى مشهد يظهر قدرات تمثيلية غير عادية لحسن حسنى القدير والذى يجعلك من فرط صدق أدائه تتعاطف مع قصة حبه العجيبة غير المتكافئة على الإطلاق.

يأتى بعد ذلك المشهد الأهم لحسن حسنى فى «سارق الفرح»، وربما يكون درة تاج الفيلم، وهو المشهد الذى ترقص فيه «رمانة» على دقات رِقّ «ركبة» فى فرح إحدى بنات المنطقة. يبدأ المشهد بنظرات «ركبة» المتلصصة على «رمانة» الجالسة بجوار أختها «أحلام» مع صديقات العروس، نظرات متعلقة عاشقة ولهانة ومشتهية فى الوقت ذاته، سرعان ما تتحول إلى نظرات محفزة مستثارة راغبة فى أن تشاركها الحالة نفسها نظرات الحبيبة حين تدعو البنت التى كانت ترقص «رمانة» لتكمل مكانها، وحينها يتهلل وجه «ركبة» بطفولية وتبدأ يداه فى الارتعاش بالرق وكأنه يعلن للجميع ارتقاءه الحلبة جاذبا انتباه «رمانة» التى كانت قد ربطت الحزام للتو حول وسطها، ثم يبدأ بعدها فى الدقّ على رقّه بمعلمة مستفزا الأنثى المشتعلة داخل حبيبته، ليتحول المشهد بعدها فى تسارع لإيقاع الدقّ إلى صراع ثلاثى بين «ركبة» و»رمانة» و»الرق» الذى استحال مع تصاعد الدق عليه وكأنه حبل سُرّى أوصل بين روحيهما وجسديهما وكأنهما يحققان الانتشاء الكامل دون لمسة واحدة، وحين تتحقق الغاية تسقط «رمانة» منتشية متعبة فى حضن أختها، بينما يبتلع «ركبة» ريقه ويسترد أنفاسه ثم يبتعد عن الجميع ويرمى الرق خلفه وكأنه لا يريد من الدنيا أى شيء آخر بعد هذا اللقاء المجازى مع حبيبته. ولكن الحبيبة تفاجئه بالذهاب خلفه إلى حيث يجلس بعيدا على قمة الجبل، وحينها لا يصدق عينيه فيمد يده إلى وجهها وينزل بها على جسدها، وكأنه يريد التحقق من أن ما يراه ليس حلما، وقد تهلل وجهه وتركزت الإضاءة عليه حتى تشعر كأن هذا الوجه المضيء هو مصدر الإضاءة لا هدفها، وبعد أن تنتهى يده من مهتمها المتحققة والعاشقة تكون النشوة الثانية لـ»ركبة» قد تحققت ليجرى فرحا وهو يدور حول نفسه محققا رغبته فى الطيران أو رغبته فى «التحرر» التى أعلن عنها للقرد فى مشهده الأول.

مشهد جميل بحق كان البطل الحقيقى فيه تعبيرات وجه حسن حسنى التى عبرت بقدرة فائقة عن كل المشاعر التى تم وصفها فى الفقرة السابقة. إنها الموهبة الفطرية الكبيرة وخبرة السنين، بجانب صدق المشهد الذى صاغه كتابة وإخراجا داود عبدالسيد، كلها عوامل تضافرت لتجعل من هذا المشهد واحدا من أجمل مشاهد حسن حسنى فى تاريخه التمثيلى الطويل والثرى جدا بكثير من الأدوار المتنوعة، رغم أنها لم تأت بعد ذلك بمثل هذا المشهد البديع. والذى ربما كان أحد أسباب فوزه بخمس جوائز تمثيل عن هذا الدور، سارقا الفرح والنجاح من الفيلم كله حيث كان أكثر المستفيدين منه.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق