احتفال إطلاق الإذاعة اللاسلكية كان فى حد ذاته حدثا ثقافيا مميزا. فبعد تلاوة الشيخ محمد رفعت لآيات الذكر الحكيم، ألقى الشاعر المصرى الكبير على الجارم قصيدته بعنوان «تحية جلالة الملك»، وأعقبه الأديب حسين شوقي، نجل الشاعر الكبير أحمد شوقى بك الذى ألقى قصيدة والده (النيل). وكان أحمد شوقى قد توفى قبل افتتاح الإذاعة بعامين ولكنه كان حاضرا فى هذه المناسبة الفارقة عبر قصيدته التى نشرت «الأهرام» نصها كاملا، مع نص قصيدة الجارم.
ومما ما جاء فى قصيدة (النيل)، الابيات التالية:
«مِـنْ أَيِّ عَهـدٍ فـى القُـرَى تتَـدَفَّقُ
وبـأَيِّ كَـفٍّ فـى المـدائن تُغْـدِقُ
ومـن السـماءِ نـزلتَ أَم فُجِّـرتَ من
علْيـا الجِنــان جَـداوِلاً تـتَرقرقُ
وبــأَيِّ عَيْــنٍ، أَم بأَيَّــة مُزْنَــةٍ
أَم أَيِّ طُوفـانٍ تفيــض وتَفْهَــقُ
وبــأَىِّ نَــوْلٍ أَنـتَ ناسـجُ بُـرْدَةٍ
للضفَّتيْـن، جَديدُهــا لا يَخــلَقُ
تَسْــوَدُّ دِيباجًـــا إِذا فارقتهـــا
فإِذا حـضرتَ اخْـضَوْضَرَ الإِسْتَبْرَقُ
فــى كــلِّ آونــةٍ تُبـدِّل صِبغـةً
عجباً، وأَنــت الصـابغُ المُتَـأَنِّقُ
أَتَت الدهـورُ عليـكَ، مَهْـدُكَ مُـتْرَعٌ
وحِيـاضُكَ الشُّــرق الشـهيَّةُ دُفَّـقُ
تَسْـقِى وتُطْعِـمُ، لا إِنـاؤكَ ضـائِقٌ
بـالواردين، ولا خــوانُك يَنفُــقُ
والمـاءُ تَسْــكُبُه فيُسْكب عَسْـجَدًا
والأَرضُ تُغْرِقهــا فيحيــا المُغْـرَقُ
تُعيـى مَنـابِعُك العقـولَ، ويسـتوي
مُتخـبِّطٌ فــى علمِهــا ومُحــقِّقُ
أَخلَقْتَ راووقَ الدهـورِ، ولـم تـزل
بكَ حَمْــأَةٌ كالمسـك، لا تَـتروَّقُ
حـمراءُ فـى الأَحـواض، إِلاّ أَنهـا
بيضـاءُ فـى عُنُـق الـثرى تَتـأَلَّقُ
دِيـنُ الأَوائِـل فيـك دِيـنُ مُـروءَةٍ
لِـمَ لا يُؤَلَّـه مَـنْ يَقُـوتُ ويَـرزُقُ؟
لـو أَن مخلوقًــا يُؤَلَّـه لـم تكـن
لِسواكَ مَرْتبــةُ الأُلوهَــةِ تَخْـلُقُ
جعلوا الهـوى لـك والوَقـارَ عبـادةً
إِنَّ العبـادةَ خَشـــيةٌ وتَعلُّـــقُ
دانـوا ببحــرٍ بالمكــارِم زاخـرٍ
عَـذْبِ المشــارعِ، مَـدُّهُ لا يُلْحَـقُ
مُتقيِّـد بعهـــودِه ووُعـــودِه
يَجـرى عـلى سَـنَنِ الوفـاءِ ويَصدُقُ
يَتقبَّــلُ الــوادى الحيــاةَ كريمـةً
مــن راحَــتَيْكَ عَمِيمــةً تتــدفَّقُ
متقلِّــب الجــنبيْن فــى نَعْمائِــهِ
يَعْـرَى ويُصْبَـغُ فـى نَـداك فيُـورِقُ
فيبيــتُ خِصْبًـا فـى ثَـراه ونِعْمـة
ويعُمُّــه مــاءُ الحيــاةِ الموسِـقُ
وإِليك – بَعْـدَ اللـهِ – يَرجِـع تحتـه
مـا جَـفَّ، أَو مـا مـات، أَو ما يَنْفُقُ»
رابط دائم: