رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

المصريون ومفهوم التغيير الاجتماعى

إن المصريين من أقل الشعوب استجابة للتغيير الاجتماعى المفاجئ لأنهم شعب تراكمت لديهم التقاليد وتعاقبت عليهم الحضارات وامتزجت بينهم الثقافات فى سبيكة نادرة تجعلهم شديدى التمسك بها والارتباط بالبيئة الفكرية والمناخ العام الذى تعيش فيه وتزدهر معه، ولذلك رأى كثير من الخبراء أن الشعب المصرى فى جوهره عصى على التغيير متمسك بثوابت هويته، فالتاريخ الاجتماعى للمصريين يشير بوضوح إلى عناصر الثبات فى الشخصية المصرية، ويكفى أن نتأمل تاريخنا الطويل من مصر الفرعونية إلى اليونانية والرومانية مرورًا بالعصر القبطى وصولًا للفتح الإسلامى الذى تمثل فيه الدولة الفاطمية مستودعًا كبيرًا للقيم والعادات الدينية والاجتماعية للمصريين، ولا ننسى تأثيرات الفترة المملوكية فى التكوين النفسى لشعب الكنانة وصولًا إلى عصر محمد على الذى اقترن ظهوره بصدمة الحملة الفرنسية التى أصابت الوجدان المصرى بحالة من الدهشة انتهت بالصحوة التى يستحيل إنكار وجودها، وكان ميلاد الدولة المصرية الحديثة إيذانًا بالاحتكاك المباشر مع الغرب الأوروبى تحديدًا فضلًا عن حالة التداخل بين عناصر الاشتباك من أثر المواجهة بين الثقافة العربية الإسلامية والثقافة الأوروبية المسيحية، وإذا كان الخديوى إسماعيل هو الذى واصل مسيرة التحديث الكبرى فى تاريخ مصر الحديثة فإن أسماء مثل رفاعة الطهطاوى ومحمد عبده وصولًا إلى العقاد وطه حسين وسلامة موسى وتوفيق الحكيم وغيرهم هم المسئولون عن تشكيل الوجدان المصرى والخروج به من شرنقة بقايا العصور الوسطى إلى طفرة القرن العشرين، وواكبت ذلك حركة ثقافية فى الفنون التشكيلية والنحت، فى الموسيقى والغناء، فى الأدب والشعر، فى المسرح والسينما وكل مظاهر الحياة التى وفدت على الوطن فى ذلك الوقت، ويهمنى هنا أن أسجل بعض الملاحظات التى تشير إلى المؤثرات التى نجم عنها ما شهدته الأجيال الأخيرة من الشعب المصرى وحالات الصعود والهبوط والانتصار والانكسار والنجاح والفشل والإنجاز والإخفاق حتى تكونت لدينا تراكمات طبعت نفسها على شكل الحياة وصورة المستقبل، ومنها:

أولًا: يتميز الشعب المصرى بحيويته الدافقة، وروحه الساخرة، ويقظته الشديدة وربما بذكائه الذى يصل إلى حد (الفهلوة) وهى كلمة لا ترجمة لها فى اللغات الأجنبية لأنها مزيج من الفهم السريع والتصرف الأسرع على غير أساس حقيقي، ورغم هذه الصفات فإن المصرى لديه قدر كبير من الجمود والتمسك بالقديم ورفض التغيير الذى غالبًا لا يدرك تفاصيله، وقديمًا قالوا المرء عدو ما يجهله، وينطبق ذلك تمامًا على المصريين، وقد ظهر واضحًا فى مقاومة الأسرة المصرية لتطوير نظام التعليم الذى أعترف أنه يحمل بعض المصاعب فى بدايته ولكنه يمثل الطريق الصحيح نحو المستقبل، والمصريون مغرمون فى الغالب بردود فعل الغير فى تصرفاتهم التى لا تخلو من الميول الاستعراضية ويبدو ذلك فى تقاليد الزواج والوفاة وما بينهما، فالمصرى شغوف بألا يخرج عن النص الاجتماعى حرصًا على مكانته.

ثانيًا: يجب أن ندرك أن دول الحضارات القديمة مثل الصين والهند ومصر وغيرها تحمل جينات حضارية مع إرث اجتماعى متأصل يصعب الخلاص منه أو الخروج عليه، ولقد عشت سنوات فى الهند فى مطلع شبابى ورأيت التمسك الشديد بالتقاليد حتى ولو كانت لا تستقيم مع روح العصر، وأدركت أن الأمة الهندية تعيش على ركام ضخم من الأفكار الموروثة والتقاليد التى تعود إلى قرون مضت شأنها فى ذلك شأن المصريين فى القرى البعيدة والمناطق الأكثر عددًا والأشد فقرًا، وقد لاحظت فى الهند أن الثقافة الهندوسية لا تمثل دينًا فقط ولكنها نمط فى الحياة وسلوك فى التفكير.

ثالثًا: إذا كنا بصدد الحديث عن الحالة المصرية فإننا ننبه إلى أن التدين ظاهرة متجذرة بين المسلمين والمسيحيين على السواء، فالمسلمون مولعون بأداء فريضة الحج وتكرار آداء العمرة بينما الكنيسة القبطية لا تزال محافظة على صورتها الأولى وأعمدتها الأساسية لذلك فإن التدين متغلغل فى أعماق المصريين عبر العصور، والمصرى مسلمًا أو مسيحيًا أو حتى يهوديًا- ينتفض عند المساس بدينه أو الانتقاص من مكانة عقيدته وليس يعنى ذلك أن المصرى يتبع جوهر دينه الحقيقي، فهناك فارق بين المضى وراء جوهر الدعوة واتباع الفضيلة والبعد عن الخطايا وبين التدين الظاهرى الذى ينصرف إلى الطقوس دون أعماق الرسالة السماوية؛ ولذلك يجرى استخدام الدين فى مصر كفزاعة لتعويق التقدم ومنع التغيير وتأكيد دور المرأة مع أن الأديان السماوية هى ثورات اجتماعية وأخلاقية انتقلت بالبشر إلى مرحلة أفضل.

رابعًا: إن من ينظر إلى خريطة الوادى والدلتا والصحراء على الجانبين والبحرين اللذين يحيطان بالخريطة المصرية حيث يمتدا نحو شبه جزيرة سيناء سوف يكتشف أن هناك عقدًا غير مكتوب بين المواطن والسلطة، بين الشعب والحاكم، ولذلك فإن ثورات المصريين تندلع فجأة ودون مقدمات طويلة لأن قدرة المصرى على التخزين وصبره الشديد تجعلانه قادرًا على الانتظار طويلًا, لهذا فإن مفهوم التغيير لا يرتبط لديه بالإصلاح التدريجى ولكنه قد يأتى بالانتفاضة الحادة أو الثورة المفاجئة.

خامسًا: سوف يظل التعليم هو بوابة التغيير وطريق المستقبل، وما لم نتمكن نحن المصريين من استكشاف خريطة الغد وصولًا إلى تعليم أفضل نستعيد به مكانتنا الدولية والإقليمية فلن يكون هناك بديل عن التراجع أو الجمود، فالتغيير مرتبط بالتعليم والإصلاح كنتيجة له ولن يتقدم المجتمع إلا بالاعتماد على ركيزة المعرفة واحترام الأسس التى يقوم عليها التعليم العصرى الحديث لفتح أبواب الديمقراطية ونوافذ التنمية على مصراعيهما.

هذه خواطر تتصل بقضية التحول الاجتماعى فى بلادنا وهى فى ظنى أخطر القضايا على الإطلاق لأنها هى التى تحدد سلوك الإنسان وعلاقاته مع غيره فى إطار يتسم بالمسئولية ولا يعرف التجاوز ولكنه يؤمن فقط بالمصالح العليا للبلاد.


لمزيد من مقالات ◀ د. مصطفى الفقى

رابط دائم: