رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ما العلاقة بين الدين والصحة العامـة

انفوجراف يوضح نتائج إحدى الدراسات المستشهد بها بالكتاب واستغرقت الفترة مابين عامى 2004 ـ 2014

هل هناك علاقة بين الدين والصحة الجيدة؟ وما هو الأثر الصحى للممارسات الدينية على دورة الحياة؟ وكيف يمكن أن تتعاون المؤسسات الدينية والصحية معا لتعزيز الصحة العامة»؟ وماهو دور الدين فى مواجهة الأوبئة ؟ ..تساؤلات تمت الإجابة عليها فى دراسة متشابكة تضمنها كتاب» الدين كمحدد اجتماعى للصحة العامة« الذى حررته عالمة الاجتماع الأمريكية إيلين إدلر، وتضمن بحوثا ودراسات لعلماء بارزين فى العلوم الاجتماعية والصحة العامة والدين من أجل تضمين صورة لتأثير الدين الذى كان حتى الآن محددا غير مرئى على الصحة العامة.

يسعى الكتاب لفحص الدين كمحدد اجتماعى للصحة من خلال أمثلة للممارسات من مختلف التقاليد الدينية التى لها تأثيرات مباشرة على الصحة العامة، وينظر تاريخياً إلى تقاطعات الدين والصحة العامة، ويوضح كيف يرتبط الدين والصحة على مدى الحياة، ويرسم خطوطا وروابط للطرق التى يتفاعل بها الدين والصحة العامة عبر العالم، ووصف دور الدين فى تحديات الصحة العامة المعاصرة. ولا يكشف الكتاب الكثير حول تأثير مختلف العقائد والممارسات الدينية على الصحة العامة، فى حد ذاتها. ولكنه يقدم مشهدا حقيقيا للتقاليد والممارسات الدينية من قبل الممارسين، وفى بعض الحالات، الزعماء الدينيين، وبعض التأثيرات الإيجابية المعينة على الصحة العقلية والعاطفية الفردية، ليربط بين الصحة الفردية والعامة بشكل أكثر شمولا.

كما يستكشف الازدواجية الأساسية لتأثير الدين على الصحة العامة، ففى حين أن الالتزام الدينى يمكن أن يؤدى إلى زيادة رأس المال الاجتماعى وسلوكيات صحية محددة، يمكن أن يمنع الإيمان المتطرف أيضا بعض الممارسات والتدخلات الصحية التى تشتد الحاجة إليها. فمثلا ، قضت  محكمة فى جنوب إفريقيا  على سيدة تنتمى لجماعة «شهود يهوه» بضرورة إجراء عملية نقل دم بعد أن عانت من نزيف أثناء المخاض ورفضت عملية نقل الدم على أساس دينى لأن كتابها المقدس يحظر ذلك حتى لو أن اختيارها لعدم تلقى الدم يمكن أن يهدد الحياة. لكن عائلتها عارضت قرارها وذهبت إلى المحكمة لإجبارها على نقل الدم. ويعتقد البعض أن قوة الصلاة قد تكفى للشفاء من كافة الأمراض، وتم تسليط الضوء على هذه الآراء الطبية فى القضية الجنائية لوالدين من ماساتشوستس، ديفيد وجينجر تويتشل، اللذين أدينا بالقتل غير العمد بعد وفاة ابنهما روبن البالغ من العمر عامين بسبب انسداد فى الأمعاء.  حيث اختارا استخدام الصلاة كوسيلة للشفاء ولم يحاولا الاستعانة بمساعدة طبية. فى الولايات المتحدة، يبرز هذا الانقسام مع صعود الأصولية المسيحية فى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين حيث يتضح كيف برز ما يمكن وصفه بـ «انجيل اجتماعى» أصبح أكثر تسامحا وقبولا للعب الدين دورا بارزا فى السياسة. وهو ما برز مع فرض الأصولية الدينية فى بعض الأحيان قيودا صارمة على نطاق خدمات الصحة العامة والتدخلات المتاحة للأمريكيين فى نقاط معينة من تاريخها، خاصة فيما يتعلق بالصحة الإنجابية، مما سلط الضوء على دور الدين كمتغير رئيسى يقود الصحة العامة.

يناقش الكتاب مدى تأثير السلوك الصحى على حياة الأفراد الذين ينتمون إلى مختلف الطوائف الدينية وما إذا كان هناك دليل (محدود) على التقوى وارتباط ذلك بالعادات الصحية وتأثيره على تحقيق نتائج صحية أفضل. ويبرز دور الإيمان فى تقديم الرعاية للمصابين بمرض الزهايمر وغيرها من الحالات المتعلقة بالخرف. تقول ادلر: «إن الدين ينتمى بقوة إلى المتغيرات التى تعتبرها مدرسة العلوم الاجتماعية كـ »المحددات الاجتماعية». بشكل عام، ومع ذلك، لا يزال هناك حاجة لمزيد من البحث لاستكشاف الآليات المحددة التى من خلالها يؤثر الإيمان على الصحة العامة بشكل شامل«.وتفترض أن الدين بمثابة مصدر للدعم الاجتماعى، والسيطرة الاجتماعية، ورأس المال الاجتماعى للمعتنقين. من خلال القيام بذلك، يعمل الدين بشكل مباشر على صحة السكان عبر إشراك الأفراد فى المجتمعات وتحديد الأدوار، وتنظيم سلوكهم، مؤكدة أن دور الدين كمحدد اجتماعى للصحة محدد وفقا للسياق فهو يمكن أن يكون إيجابياً أوسلبياً.

تمت أيضا مناقشة التقاء الدين وثلاثة تحديات معاصرة للصحة العامة، فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، ومرض الزهايمر، وإمكانية حدوث جائحة إنفلونزا، يلفت الكتاب انتباهنا إلى كيف لعب الدين أو يمكن أن يلعب دورًا فى مواجهة هذه الأمراض التى قد تهدد الحياة. من بين هذه التحديات، ربما لعب الدين الدور الأكثر إثارة للجدل فى مكافحة الإيدز حيث يواجه الوباء المبادئ الدينية المتعلقة بالسلوك الجنسى بشكل مباشر، مناقشا كيف عمل الدين كقوة إلى جانب مؤسسات الصحة العامة من خلال وصم أنواع معينة من السلوك الجنسى بالعار. يبرز أيضا إمكانية معالجة جائحة الإنفلونزا من خلال الكيفية التى يمكن أن تعمل بها المجتمعات والمؤسسات الدينية كشركاء فى الصحة العامة عبر تعليم وتوجيه الرعايا حول قضايا الصحة العامة، كما أنهم بمثابة مصادر حيوية للدعم الاجتماعى والمادى للمتضررين - وهو ما تقوم به مؤسسة الأزهر والكنيسة المصرية بالتعاون مع الدولة المصرية فى مواجهة تفشى فيروس كورونا المستجد حاليا.

إلا أن ذلك لا يمنع من وجود سلبيات ومشكلات مباشرة قد تطرح نفسها عندما يكون للدين والصحة العامة أولويات متنافسة، ومع ذلك فإنه يشير أيضا إلى كيفية التغلب على هذه الاختلافات عندما تتوافق أهداف الدين والصحة العامة للحفاظ على الحياة وإعطاء الأمل. وتقر إدلر بحقيقة أن رسم خرائط الطرق التى تتشكل بها علاقة الدين والصحة العامة قد يكون أمرا صعبا، وقد يكون من الصعب جعل المجتمعات والمؤسسات الدينية فى شراكة مع مؤسسات الصحة العامة. ومع ذلك تشدد على أن هذا المسعى ضرورى إذا كانت قضايا الصحة العامة ستتم معالجتها بطرق أكثر صلة بالثقافة وأكثر عدالة وفعالية.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق