رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

باستحضار القلب واليقين بالله ..
الدعــــاء ..
«عبادة» تستوعب حاجات الخلائق

◀ حسنى كمال ــ رجب عبدالعزيز

المتأمل لأدعية القرآن الحكيم يجد أن هذه الأدعية متنوعة وشاملة، فإذا أصاب الإنسان هم وغم وحزن يلجأ إلى دعاء ذى النون عليه السلام “لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين”، وإذا طاله مرض يلوذ بدعاء أيوب عليه السلام “رب إنى مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين”، وإذا نال منه الخوف يعتصم بدعاء موسى عليه السلام “قال رب إنى لما أنزلت إلى من خير فقير”، وإذا أراد أن يؤسس لمجتمع جديد فعليه أن يتبع إبراهيم عليه السلام فى دعائه “رب إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم ربنا فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وأرزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون”. وهكذا تستوعب أدعية القرآن كل الحاجات التى تعن للإنسان فى حياته.

 

فالدعاء ـ كما يوضح علماء الدين ـ يتراوح ما بين الثناء والتعريض والتلميح والتصريح؛ ولذا كان الدعاءان السابقان لذى النون وأيوب من أعلى الأدعية شأنا؛ لأن كلا من النبيين المكرمين اجتمع عليه من البلاء ما يجعله فى حيرة إذا ما أراد التصريح بدعائه، فدعا الأول بالثناء والتسبيح والتهليل، ودعا الآخر بالتلميح دون التصريح؛ ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الدعاء هو العبادة"؛ لأن الأصل فى العباد افتقار العبد إلى معبوده، وأبلغ ما يكون العبد افتقارا إلى ربه أثناء الدعاء، ويقول رب العزة "ولذكر الله أكبر"، والدعاء ذكر.

وأكد العلماء أنه لا ينبغى للعبد أن يهرع إلى الدعاء دون أن يأخذ بالأسباب، وكذلك لا يتوجب عليه أن يأخذ بالأسباب ويهجر الدعاء، ولعل هجرة النبى صلى الله عليه وسلم من أبلغ الأمثلة على تضافر الدعاء مع الأخذ بالأسباب.

يقول الدكتور شريف أبو فرحة، مدرب التنمية البشرية: الدعاء يرسخ خضوع العبد وتسليمه لخالقه، والدعاء أيضا يمنح الإنسان الإحساس بالقوة، فهو يطلب من الخالق العظيم كل ما يريده، ويقينه أن المولى قريب يجيب دعوته. وحينما نجد الدعاء فى القرآن مصحوبًا بقصة، فهذا لإحداث المعايشة، فقارئ القرآن يعايش أحداث القصة، ويستشعر شعور المحكى عنهم فيها، وكيف كانوا يدعون فى تضرع وخشوع، فيحاكى فى فعله هذا التضرع وهذا الخشوع.

الدعاء والعبودية

يقول الدكتور يحيى أبو المعاطى العباسى، الأستاذ بكلية دار العلوم: إن أشرف وصف يوصف به العبد: عبوديته لله، فحينما أراد الله عز وجل أن يرفع من منزلة النبى صلى الله عليه وسلم أسبغ عليه وصف العبودية فى قوله تعالى (سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا)، وأشار إلى أهمية الصدق فى الدعاء، مشيرا إلى أن كثيرا من الناس يلهجون بالدعاء بألسنتهم لكن قلوبهم غير حاضرة لها؛ ولذلك يقول السهروردى رحمه الله: استغفارنا هذا يحتاج إلى استغفار كثير، فالإنسان يأخذ سبحته، فيقول: أستغفر الله، أستغفر الله.. وهو لا ينوى معنى الاستغفار، ولا يقصد ما يقول، فهو يشهد الله على أمر هو كاذب فيه، فهذا غلط كبير جداً، أن يكون الإنسان يسأل الله، وهو غافل القلب، فالله تعالى لا يستجيب لمن كان غافلاً لاهياً، لا يقبل عليه؛ بل هو حينئذٍ معرض عن الله؛ ولذلك قال النبى صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الله مقبلاً على العبد وهو فى صلاته ما لم يلتفت، فإذا التفت أعرض عنه، وقال: يا ابن آدم! إلى من تلتفت؟ أنا خير مما التفت إليه!).

وأوضح الدكتور هانى محمود، مدرس الشريعة الإسلامية بجامعة عين شمس أن الدعاء إذا ما صادف خشوعا فى القلب، وانكسارا بين يدى الرب، وذلا له، وتضرعا، ورقة، واستقبل الداعى القبلة، وكان على طهارة، ورفع يديه إلى الله، وبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم ثنى بالصلاة على محمد عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ثم قدم بين يدى حاجته التوبة والاستغفار، ثم دخل على الله، وألح عليه فى المسألة، ودعاه رغبة ورهبة، وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده، وقدم بين يدى دعائه صدقة، فإن هذا الدعاء لا يكاد يرد أبدا.

ومن أسباب استجابة الدعاء: قوة اليقين، وأكل الحلال، والبر، فقد قال أبو ذر: (يكفى من الدعاء مع البر ما يكفى من الملح مع الطعام)، ومنها: اجتماع القلب، وإظهار الذلة والافتقار، وتقديم الثناء على الله والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم.

ويحذر د. هانى من الدعاء من غير يقين فى الله تعالى، أو مع ضعف الإخلاص والمسلم لا يجرب مع الله، بل يدعو على يقين الاستجابة.، أما الذى يدعو من غير يقين فقد شبهه ابن القيم بصاحب القوس الرخو الذى لا يقوى على رمى السهم لمسافة طويلة.

ومن تلك الصور المرفوضة للدعاء أيضا: الدعاء مع الغفلة، وقد جاء فى الحديث: أن الله تعالى لا يقبل الدعاء من قلب لاهٍ. وقد سمع أحد الصالحين رجلا يمس الحصا ويدعو الله بأن يزوجه من الحور العين، فقال له الرجل الصالح: بئس الخاطب أنت، لو أحسنت ما مسست الحصا.

الدعاء يدفع البلاء

ويقول الدكتور عبدالوارث عثمان، أستاذ الشريعة الإسلامية، بجامعة الأزهر، حينما أمرنا الله بالدعاء، فى قوله تعالى: (ادعونى استجب لكم)، لم يكن من باب الترفيه على النفس، أو من باب التجمل، ولكن لأن للدعاء فوائد عظيمة وكثيرة، فقبل أن يكون الدعاء هو مخ العبادة، فهو أيضا لتخفيف البلاء الذى ينزل على الإنسان، أو لمنعه من النزول، حتى وإن نزل، فيكون كالثلج على صدر الإنسان، لا يشعر بألم.

وأوضح أن فى رفع الإنسان يديه أثناء الدعاء دليلا على خضوعه التام لله، يرجوه، ويطلب منه، وحينما يتنزل البلاء على الإنسان ينزل بأمر الله، ويخرج الدعاء أيضا بأمر الله، فيتعالجان بين الأرض والسماء، فيقضى الدعاء على البلاء، وينزل البلاء باردا.

ودعا عبد الوارث إلى الإكثار من الدعاء أن يرفع الله عنا البلاء والوباء، لاسيما أننا فى شهر رمضان، ذلك أن الدعاء سبب لدفع البلاء، والله سبحانه يحب أن يرى عبده يدعوه ويلح عليه بالدعاء، فكما خلق الله الداء والدواء، خلق البلاء، وخلق أيضا الدعاء للحماية من البلاء، وحينما يرفع الإنسان يديه إلى رب العباد، فهذا دليل على أن العبد تبرأ من الاستكبار على ربه، ويرفع غضب الله عليه، لأن الله يلعن المتكبرين.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق