أنسنة العالم
ـ د. محمد محمود يوسف ـ أستاذ بزراعة الإسكندرية: اتفق معظم المفكرين والسياسيين والمثقفين على أن العالم لن يكون بعد كارثة جائحة فيروس كورونا مثلما كان قبلها، ومن ثم فإن زخما من التغييرات الدراماتيكية سوف يفرض نفسه على العالم سياسيا واقتصاديا وعلميا واجتماعيا وثقافيا وأخلاقيا ونفسيا، فضلا عن تغيير أوزان ومراكز ثقل الدول على خلفية نجاحها فى احتواء الأزمة وبغض النظر عن نظمها السياسية سواء كانت النيوليبرالية التى تنتهجها دول الغرب أو النظم السلطوية التى تمثلها الصين.. ولا مراء أن جائحة كورونا قد كشفت بجلاء هشاشة النظم الصحية على مستوى العالم بما فيها الدول الأكثر تقدما وثراء بشكل أذهل الجميع، فمن كان يتخيل أن هذه الدول التى تمتلك أسلحة فى مقدورها تدمير العالم أكثر من مرة ستعانى نقص الكمامات وأجهزة التنفس الصناعى والأدوية وأدوات الوقاية والحماية لمجابهة سرعة تفشى الفيروس، لدرجة أن بعض هذه الدول قد مارست القرصنة، واستولت على شحنات من المستلزمات الطبية كانت فى طريقها إلى دول أخرى اشترتها، وهو ما عكس بجلاء الأنانية المفرطة أمام خطر وحش لا يرحم اسمه «فيروس كورونا» على الرغم من ضآلته المتناهية، حتى إنه لا يرى إلا بعد تكبيره لأكثر من عشرة آلاف مرة وبواسطة المجهر الإلكترونى فقط ليشاهد كرأس دبوس إبرة صغير، فضلا عن كونه كائنا غير حى.
لقد كشفت جائحة كورونا عوارا فى كثير من النواحى، حيث تعامل العالم أو بالأحرى تعايش مع هذا العوار وغض الطرف عنه طويلا.. انظر كيف يتعامل العالم مع أصحاب الموهبة التى يبالغ فى الاحتفاء بها على حساب أصحاب العلم والكفاح الإنساني.. إن أصحاب الموهبة من فنانين ولاعبى الكرة وفتيات الإعلانات وعارضات الأزياء يحصدون الملايين فى حين لا يحصل العلماء والباحثون إلا على الفتات، ولذلك لم يكن مستغربا أن تكتب باحثة إسبانية فى علم البيولوجى تغريدة على موقع تويتر جاء فيها (تمنحون لاعب الكرة مليون يورو فى الشهر، بينما تمنحون باحث البيولوجى 1300 يورو فقط وتبحثون عنده عن علاج لكورونا لكى تحموا سكان الأرض. لماذا لا تذهبوا إلى كريستيانو رونالدو أو ليونيل ميسى ليجدا لكم هذا العلاج)؟.. لا مراء أن هذه النظرة القاصرة ليست وليدة اليوم ولكنها آفة قديمة تحدث عنها المفكر الجزائرى الراحل مالك بن نبى قبل ستة عقود عندما وصف المجتمع المريض بأنه يشبه سلما مقلوبا تتناقص فيه قيمة البشر الحقيقية مع حظوظهم الآنية، بمعنى أن أصحاب القيمة المعرفية والمهنية والأخلاقية يكونون فى أدنى السلم لا سعر لهم وذلك على عكس من يمارسون السمسرة والترفيه، حيث يصبحون فى أعلى السلم ويستحوذون على المال وربما النفوذ أيضا.
ولا شك أن هذا الأمر يزيد الألم والإحباط ويمثل خللا جسيما.. انظر إلى جائحة تفشى فيروس كورونا نموذجا، وكيف وقف (الجيش الأبيض) من أطباء وأطقم تمريض وإداريين للمستشفيات فى الخطوط الأمامية وهم يعرضون حياتهم للخطر، وقد استشهد منهم البعض لكى يحموا الإنسانية من وحش كاسر يحصد الأرواح لا يعبأ بالحدود ولا تمنعه القيود ولا الثراء ولا ترسانات الأسلحة ولا العلم ولا الجاه ولا المنصب.. لقد كان الجميع أمام ضرباته سواء.. انظر على الناحية الأخرى إلى الفنانين ولاعبى الكرة الذين قبعوا فى مساكنهم الفاخرة خلف أسوار المنتجعات والكومباوندات لا يملكون شيئا أمام شراسة كورونا، اللهم إلا بعض التبرعات التى يجودون بها ذرا للرماد فى العيون، إذ إنها لا تمثل شيئا يذكر مقارنة بحجم ثرواتهم الضخمة.
فى هذا السياق يطرح السؤال نفسه: ترى هل يعيد العالم نظرته إلى أصحاب المواهب الذين يغالى فى تقديرهم على عكس أصحاب الكفاءة والعلم والخبرة الذين يبخس العالم حقهم؟.. ذات يوم أطلق الأديب الكبير توفيق الحكيم مقولة ساخرة جاء فيها: «انتهى عصر القلم وبدأ عصر القدم، يأخذ اللاعب فى سنة واحدة ما لا يأخذه كل أدباء مصر من أيام اخناتون حتى الآن».
ثمة حقيقة مفادها أن العالم ليس فى حاجة فقط لكى يصحح نظرته إلى الأكفاء والنابغين من العلماء والباحثين، ولكنه مطالب أيضا بأن يعيد النظر فى إنفاقه على البحث العلمى ( 1.7 تريليون دولار سنويا) والذى يقل عن إنفاق العالم على التسليح (1.73 تريليون دولار سنويا)، فلقد أثبتت جائحة تفشى فيروس كورونا الذى ضرب أصقاع المعمورة فى كل حدب وصوب أن العالم فى حاجة إلى العلم ثم العلم ثم العلم . ليس أدل على ذلك من الرسالة التى بعث بها فيروس كورونا للناس فى كل مكان عندما ضرب بعنف أطقم أضخم حاملتين للطائرات فى العالم (روزفلت الأمريكية، وشارل ديجول الفرنسية).
إن العالم فى أمس الحاجة لأنسنته بحيث يضع نصب عينيه كل ما يصب فى بناء الإنسان من تعليم وغذاء وصحة وتنمية بشرية، لا فيما يؤدى إلى تدميره بشتى أنواع الأسلحة، ولم لا وقد أكد فيروس كورونا للجميع وبما لا يدع مجالا للشك تفوقه على كل أسلحة الدمار الشامل التى صنعها الإنسان.. إن عالم ما بعد كورونا يدعو الإنسان لكى يكون أكثر إنسانية وأكثر رحمة وأكثر عدلا.. ترى ماذا نحن فاعلون؟.
فى جوف الليل
ـ د.على أحمد عبد النبى ـ جامعة الإسكندرية: يهل علينا شهر رمضان الكريم فى ظل الظروف الراهنة التى تمر بها مصرنا الحبيبة وبقية العالم الإسلامى من جراء جائحة كورونا، وهذا الشهر هو شهر التقرب إلى الله وشهر العبادة التى ستقام هذا العام من المنازل بعد غلق المساجد واتباع الإجراءات الاحترازية التى تحاول الدولة جاهدة تطبيقها بكل حزم حتى لا تتفاقم الأزمة، ويجب الاجتهاد فى العبادة فى هذا الشهر الكريم عسى الله سبحانه وتعالى أن يرفع عنا الوباء والبلاء والغلاء وسيئ الأسقام، ويجب على الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف تكثيف برامجهما الدعوية من خلال مصادرها المتنوعة وعبر وسائل التواصل الاجتماعى عوضا عن غلق المساجد وصلاة التراويح، كما يجب استغلال فترة الحظر والتباعد الاجتماعى فى تكثيف العبادة من قراءة القرآن والصلاة فى جوف الليل.
الملصقات الهادفة
ـ د. حامد عبد الرحيم عيد ـ أستاذ بعلوم القاهرة: الشائعة تُعد جريمة من الجرائم التى تهدد أمن العالم، حيث تتخذ العديد من الدول إجراءات حاسمة للتصدى لها وتجفيف منابعها، وتُعرف الشائعة بـ «النبأ الهادف» الذى يكون مصدره مجهولا أو ذا مصدر غير موثوق فيه، أو يكون موثوقا فيه، لكن قائله بدّل وغيّر فيه، بقصد أو بغير قصد، فجاءت الشائعة على خلاف الواقع.. إن الشائعات تشكل خطرا على المجتمع مما يجعل فاعلها ينتقل من دائرة الإباحة التى هى الأصل فى الأشياء، إلى دائرة التجريم الذى هو استثناء من الإباحة الأصلية.
ولم تكن مصر وحدها هى التى عانت من وباء الشائعات والأكاذيب التى انتشرت على مدى الأيام الماضية والتى زادت من الطين بلة فى مكافحة وباء كورونا، وعرضت المزيد من المصريين لحرب مضللة لأبسط قواعد العلم والطب وانتشرت بين البسطاء وكذلك فى أوساط المتعلمين، وتم تبادل العديد من الرسائل الصوتية بين جميع فئات المجتمع وتداول صور أو كليبات تحمل العديد من الأخبار الزائفة، فكان أن نشرت الفزع فى المجتمع، ولأن الفيروس جديد تماما، فقد أدى ذلك إلى وجود تخبط فى أخباره والمعلومات المنقولة عنه، كما أدى الى إرباك فى خطط الدول المختلفة للتغلب على الأزمة، وقد حذر الخبراء من نتائجها وانعكاساتها السلبية نفسيا ومعنويا وماديا.
وقد أعلن أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة إطلاق مبادرة جديدة لنشر العلم والحقائق ومواجهة المعلومات المضللة حول جائحة كورونا، ومواجهة آفة المعلومات المضللة التى تعرض المزيد من الأرواح للخطر، وأطلقت منظمة الصحة العالمية ومركز الأمم المتحدة للإعلام فى القاهرة ومكتب منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة (يونسكو)، حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعى تهدف إلى محاربة الشائعات والحد من انتشارها، ودعم جهود الحكومة المصرية للسيطرة على انتشار كورونا، وإرشاد الجمهور إلى مصادر المعلومات الدقيقة الموثوقة والتصدى للشائعات، وصدرت عنها عدة رسائل على هيئة ملصقات:
الرسالة الأولى: «نحن الآن نواجه وباء عالميا لمرض كوفيد-19 ونواجه تفشى المعلومات الخاطئة.. احم نفسك من الوباء باتباع طرق الوقاية الموصى بها، وحارب فاشية المعلومات المغلوطة ولا تنشر المعلومات الخاطئة فى المجتمع».
الرسالة الثانية:«لا تنشر الفزع فى المجتمع، ولا تنشر الرسائل الصوتية المجهولة المصدر، فالخوف والقلق شعور طبيعي، ولكن لا تنشر الفزع فى المجتمع، وفكر قبل مشاركة أى معلومة عن حالات الإصابة وأماكنها».
الرسالة الثالثة: «أن الشائعات تشكل خطورة وعبئا على إمكاناتنا فى إدارة الأزمات، كن ذكيا، كن ناقدا، تحقق دائما من مصادر المعلومات وانشر المعلومة بحكمة».
وأخيرا، تسعى منظمة الصحة العالمية للتعاون مع وسائل التواصل الاجتماعى لمحاربة الشائعات وتوفير المعلومات الصحيحة بشأن فيروس كورونا والحث على اجتثاث الشائعات من مصدرها وإيقاف تداولها، وظهور معلومات منظمة الصحة العالمية حول فيروس كورونا فى طليعة نتائج عمليات البحث على الإنترنت!
ومن جانبها فقد أحسنت الحكومة المصرية بإصدار قرار باتخاذ الإجراءات القانونية ضد كل من يذيع أخبارا أو بيانات كاذبة، أو شائعات تتعلق بفيروس كورونا، بهدف تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين المواطنين، أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة، حفظ الله مصر وعافاها من كل شر.
رابط دائم: