دخل إبراهيم بن أدهم على أبى حنيفة النعمان ذات يوم، فنظر إليه أصحاب ابى حنيفة بعين الاحتقار،فقال أبو حنيفة:جاء سيدنا إبراهيم.
فقال له اصحابه: وبما وجد هذه السيادة؟
قال: بالمداومة على الخدمة، فقد انشغل بخدمة الله وانشغلنا بخدمة أنفسنا.
ويروى عن إبراهيم بن أدهم انه كان نائما على السرير ذات ليلة، فتحرك سقف القصر الذى كان ينام فيه كما لو أن شخصا يسير عليه، فصاح: من؟ قال: عارف، فقدت ناقة ابحث عنها على هذا السطح، فقال: يا جاهل! اتبحث عن ناقة على السطح؟ فقال له:يا غافل!اتطلب الله وانت نائم فى ثوب حرير على سرير من ذهب.؟ واستيقظ ابن أدهم قلقا ولم يستطع النوم حتى طلع النهار.
وإبراهيم بن أدهم كان من أبناء الملوك وولد فى مدينة بلخ التابعة لخرسان. وقد سئل عن بداية امره مع التصوف فقال كما يروى صاحب طبقات الصوفية: كان أبى من ملوك خرسان،وكنت شابا،فركبت إلى الصيد على دابة ومعى كلب، ورأيت أرنبا، وبينما انا اطلبه إذ هتف بى هاتف لا أراه: يا إبراهيم الهذا خلقت؟ أم بهذا أمرت؟ ففزعت ووقفت، ثم عدت وركضت ثانية، ففعل لى مثل ذلك ثلاث مرات.
فنزلت وصادفت راعيا يرعى الغنم لابى، فأخذت جبته الصوف فلبستها، ودفعت إليه الفرس وما كان معى، وتوجهت إلى مكة. وكانت هذه بدايته مع التصوف والزهد الذى جعلته من الطبقة الأولى للصوفية.
وقالوا عنه سلطان الدنيا والدين، وكنز عالم العزلة وخزينة قصر الثروة، وملك الإقليم الأعظم، وربيب اللطف والكرم، وشيخ الزمان.
كان يقول: فى مناجاته: إلهى اه من عرفك لم يعرفك، فكيف حال من لم يعرفك.. إننا بحثنا عن الفقر فتحقق لنا الغنى،واناس آخرون بحثوا عن الفنى فتحقق لهم الفقر.
وحمل إليه رجل عشرة آلاف درهم فلم يقبلها وقال له: أتريد أن تمحو اسمى من بين الفقراء بهذا القدر من الفضة.
وفى حالة الوجد كان يقول: أين ملوك الدنيا حتى يروا اى أمر هذا، واى حمل حتى يخجلوا من ملكهم.
وذات مرة قال: رأيت حجرا ملقى فى الطريق، وقد كتب عليه؛ «اقلب واقرأ» فقلبته وقرأت: طالما انك لا تعمل بما تعلم فكيف تطلب ما لا تعلم.
ويروى انه قال لرجل أتريد أن تكون وليا من أولياء الله؟ قال: نعم،فقال له:لا ترغب فى شىء من الدنيا والآخرة، وفرغ نفسك مما سوى الله، وكل من حلال، ولا حرج عليك ألا تقوم الليل أو تصوم النهار.
وقال: لم يدرك أحد قط درجة الرجال بالصلاة والصوم والغزو والحج إلا حين يعلم ما يدخل فى حلقه.
ويروى أن الخليفة المعتصم سأله: اى حرفة تحترفها؟ فقال له: تركت الدنيا لطالبيها والعقبى لراغبيها، واخترت ذكر الله ولقاءه فى العقبى.
سئل ماذا يفعل الرجل حين يجوع وهو لا يملك شيئا؟ قال: يصبر يوما ويومين وثلاثة وعشرة وشهرا.. قالوا: إلى متى؟ قال حتى يموت لأن الدية على القاتل!
وكتب إلى سفيان الثورى: من عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل، ومن أطلق بصره طال اسفه، ومن أطلق أمله ساء عمله، ومن أطلق لسانه قتل نفسه.
وقد توفى إبراهيم عام 161 هجرية ولحظة موته هتف هاتف الا أن أمان الأرض قد مات. وهكذا الصوفيون يملكون الدنيا احياء وأمواتا لانهم لا يريدون منها شيئا ولا يرونها تساوى شيئا، وهم يؤمنون بذلك قولا فعلا، هاجروا بأنفسهم وهاجروا بأرواحهم إلى الله.. فنعم الهجرة.. ومن يستطيع؟
لمزيد من مقالات محسن عبدالعزيز رابط دائم: