«مؤخرا،الأسبوع الماضي، الشهر الماضي.. أين الدقة؟ لابد أن تذكر التاريخ بالضبط».. هذا أول درس تعلمته من د.عمرو عبدالسميع، عندما أصبح مديرا لمكتب الأهرام بلندن أول سبتمبر 1995، وكنت أعمل مراسلا منذ أول يناير من العام نفسه.
جاء إلى محبوبته لندن، التى عمل فيها من قبل، تسبقه شهرته وتاريخه بالعمل القيادى بصحف مصرية وعربية. شمر عن ساعديه، فارتقى بالمكتب من مجرد إرسال أخبار وتقارير، وأحيانا استقبال الزوار المصريين ومجاملتهم، لمؤسسة تنافس كبريات الصحف العربية بلندن. كان قاسيا على نفسه وعلى مرءوسيه. لم يسمح بالخطأ ولا بالتهاون. أرسى قيما جديدة عمادها أن الصحافة المبدعة وليس صحافة التشهيلات، أساس الحكم على العاملين معه.
فى شهور قليلة، انتقل من مقر ضيق بشارع الصحافة «فليت ستريت» لمبنى كامل مارس فيه دورا تنويريا غير مسبوق.. صالون أدبى وندوات ولقاءات جماهيرية مع شخصيات مصرية وعربية مرموقة. أكمل ذلك بتأسيس مكتبة، كانت منارة ثقافية عربية، يعلوها شطر من بيت شعر للمتنبي: وخير جليس فى الزمان كتاب.
لكن د.عمرو، كما تعودت مناداته، لم ينس عشقه الأكبر.. الصحافة. أعطانى مسئولية التغطية الخبرية، متكفلا بالتقارير والمقابلات، فأجرى حوارات مع نخبة السياسيين البريطانيين إضافة للشخصيات العربية الشهيرة. ولا أنسى حواره العبقرى مع نزار قباني، الذى استفزه فيه بأسئلته لدرجة أن قبانى غضب قائلا: جمال عبدالناصر الشخص الوحيد الذى يحق له سؤالى عن إيمانى بالقومية العربية، وليس أنت. أعجبه الحوار جدا مع ذلك.
تعب على نفسه كثيرا. كان مثقفا ورساما للكاريكاتير ومحاورا وروائيا، كما لم يتوافر لمعظم أبناء جيله. وثق بنفسه وبقدراته وآمن باستحقاقه الأفضل، وللأمانة كان يستحق. تتفق أو تختلف مع آرائه، لكنى لا أعتقد أن كثيرين سيختلفون حول قدراته وجدارته بأن يكون أحد المعلمين والقادة الكبار بالصحافة والثقافة.. إلا أننا بمصر.
أفضل ما فيه أنه نسيج وحده.. مغامر، مبتكر، واثق الخطوة معتز بنفسه لأقصى الحدود.. له أسلوبه وطريقته ومدرسته المميزة تماما عن الآخرين. يكره العادية والتقليد. دائما، كان ينصحني: عايزك (تتقنصل).. حاول أن تكون أنت وأنت فقط. رحم الله د. عمرو.
[email protected]لمزيد من مقالات عبدالله عبد السلام رابط دائم: