رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أطباء مصر..
عبد الوهاب باشا مورو «فنان الجراحة» والرافض لوساطة محمد نجيب

كتبت ــ يسرا الشرقاوى

إن كان على باشا إبراهيم هو من أسس لـ «تمصير» واقع الطب والجراحة فى مصر، فيجادل العالم بتاريخ مؤسسة الطب المصري، بأن الدكتور عبد الوهاب مورو جاء ليكمل ما بدأه على باشا إبراهيم فى مجال الجراحة تحديدا، وأحسن الإنجاز، حتى أنه يطلق عليه « أبو الجراحة الحديثة» وأحد أعظم جراحى مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين.

ولد الطبيب الفذ، واسمه الكامل هو محمد عبد الوهاب مورو، فى العاشر من ديسمبر عام 1893، وترجع أصوله إلى ميت غمر. يبدو أن طريق مورو إلى التعليم كان ممهدا نسبيا. فقد تخرج فى مدرسة الطب، كما كان يطلق عليها حينذاك، عام 1915. ووفقا لما ورد عن الطبيب الكبير فى كتاب « أطباء مصر كما عرفتهم» لأحد كتاب «الأهرام» صلاح جلال، والصادر عن مركز الأهرام للترجمة والنشر والتابع لمؤسسة الأهرام، فإن مورو سافر لاحقا مبتعثا إلى بريطانيا. وهناك قضى عدة أعوام انتهت بنيله أولى شهاداته عام 1919 وهى ليسانس الكلية الملكية للأطباء الباطنيين، ثم زمالة كلية الجراحين الملكية، وليسانس أمراض النساء والولادة من دبلن.

ويحكى الصحفى صلاح جلال فى الفصل الذى خصصه من كتابه لسرد ما كان من تاريخ علاقته المباشرة مع مورو، والذى جاء بعنوان «عبد الوهاب مورو: جراح وفنان»، أن الطبيب الشاب العائد من بريطانيا استقبله عرض بأن يتخصص فى مجال أمراض النساء والولادة بمستشفى القصر العيني. ولكن شغفه بمجال الجراحة دفعه للرفض متأدبا. وظل دون عمل لمدة ستة أشهر كاملة، حتى استدعاه الدكتور على باشا إبراهيم للعمل معه، فكانت البداية العملية لأسطورة الجراحة المصرية.

ووفقا للجزء الثانى من «موسوعة القرن» والصادرة عن دار أخبار اليوم عام 2000، فقد عمل مورو مدرسا للجراحة خلال الفترة بين عامى 1922 و1929. وخلال العشرينات، أجرى مورو سلسلة من العمليات الجراحية التى جعلته عن حق «أبو الجراحة الحديثة»، فقد كان أول طبيب مصرى يجرى عمليات جراحية معقدة وحديثة مثل استئصال أورام المخ.

وكان مورو مثل أغلب علماء جيله يجمع ما بين الشغف العلمى القوى الذى يدفعه دفعا للاستزادة وعدم الاكتفاء، والاهتمام المتعمق بباقى أشكال المعارف وتحديدا الأداب والفنون. وهو ما صقل شخصيته الاستثنائية وتجربته الحياتية الثرية. وبدافع عنصر الشغف العلمي، حصل مورو على درجة الماجستير فى مجال الجراحة العامة من جامعة القاهرة عام 1930، ورقى أستاذا مساعدا، ليشغل هذا المنصب حتى عام 1936. وبعدها أصبح أستاذ جراحة ورئيس أقسام فى الفترة بين عامى 1936 و1949.

ويحكى الكاتب صلاح جلال، أن مورو كان «شديد الاعتزاز بمن عملوا ودرسوا على يديه طوال 13 عاما رأس فيها قسم الجراحة فى طب القصر العيني.. وكان معه الدكاترة نصر سليمان، وإسماعيل السباعي، وحسن على إبراهيم، ومصطفى الشربيني، ومحمد قناوي، وأمين علي، ونادر سويلم، وفايد يسري». ولكن التدرج فى المناصب الجامعية لم يتوقف بمورو عند هذا الحد، فقد بلغ منصب عميد كلية الطب عام 1949، لينال بعدها بعام درجة زميل فخرى للجمعية الطبية الملكية بلندن، وكذلك زميل فخرى لرابطة جراحى بريطانيا. وقد أحسن مورو استغلال فترة عمادته لكلية الطب فى توجيه جهوده لدعم قطاع الجراحة المصرى وإيجاد المؤسسات اللازمة له. فقد أنشأ تخصصات فرعية دقيقة، مثل جراحة الأعصاب والمسالك البولية، بالإضافة إلى إنشاء قسم الأمراض النفسية.

ونال مورو فرصة إضافية لتطوير القطاع الطبى والعلمى فى مصر، عندما تولى اعتبارا من عام 1951، منصب مدير جامعة القاهرة، والذى ظل يشغله حتى عام 1953. وخلال هذه الفترة الوجيزة، تعددت إنجازات مورو، وكان أيضا وراء إنشاء كلية الصيدلة ومعهد الدراسات السياسية بجامعة القاهرة. وكان مورو وراء إنشاء قسم الجراحة العامة بكلية طب عين شمس.

غادر مورو منصبه الرفيع كمدير لجامعة القاهرة، مستقيلا، وذلك إثر واقعة كانت حديث القاصى والدانى فى مصر وقتها. سبقت استقالة مورو بلوغه السن القانونية للإحالة إلى التقاعد بحوالى خمسة شهور كاملة،وكان ذلك احتجاجا على سياسات رأى أنها ستضر بمستقبل الطب المصرى . فقد اعترض مورو على المبالغة فى أعداد قبول طلاب كليات الطب، بما لا يتوافق مع الامكانيات المتاحة لهم. وكان مورو يري، وفقا لما جاء فى كتاب «أطباء مصر كما عرفتهم»، أن تلك السياسة ستؤثر سلبا على مستوى إعداد أطباء المستقبل وجودة الرعاية الطبية المقدمة، بما سيعود سلبا على المرضى أنفسهم.

وورد فى هذا الوقت أن أول رؤساء مصر، محمد نجيب، قد توجه إلى منزل مورو شخصيا فى محاولة لإقناعه بالتراجع عن الاستقالة، ولكنه لم يجده، فترك له صورته موقعة منه. ولاحقا، زار محمد نجيب مورو فى مكتبه بجامعة القاهرة، ولكن ذهبت محاولات نجيب بلا نتيجة، إذ أن مورو تمسك بالاستقالة وقد كان.

ولكن سمات القوة والثبات هذه لم تسعف مورو عندما استدعى الأمر إجراء عملية جراحية لأحد أبنائه. فيحكى صلاح جلال فى كتابه نقلا عن مورو أن نجله الكبير هاشم احتاج إلى عملية جراحية لحل أزمة التصاق بالأمعاء، ولكن أعصابه لم تسعفه ليقوم هو بإجرائها. فتدخل على باشا إبراهيم وأجراها لهاشم فيما يعرف حاليا بمستشفى غمرة العسكري. وينقل جلال عن مورو قوله « باب النجار مخلع»، وأنه أخفق يومها حتى فى خياطة الجرح لصغيره ، وظل له أثر يعكس إضطراب أعصاب الطبيب الذى حاول خياطة الجرح.

وكان مورو لا يريد لنجليه هاشم وهشام دراسة الطب، وكان يتمنى لهما دراسة العلوم السياسية والاقتصاد، ولكنهما أصرا على دراسة الطب وخلفا والدهما فى مجال الجراحة.

حصل الطبيب الكبير على لقب باشا عام 1946، وعلى جائزة الدولة التقديرية عام 1965، ومن قبلهما على وسام المعارف من الدرجة الأولي.

وبخلاف إنجازاته العلمية والتى تضمنت إجراء حوالى 13 ألف عملية جراحية، وفقا لما أورده صلاح جلال فى كتابه. فأن مورو كان عضوا بلجنة الــ50 التي كلفت بوضع الدستور المصري عام 1954. وكان يعرف بثراء قائمة أصدقائه التى تضم، بخلاف الأطباء، العشرات من أهل الفن والأدب بينهم سيدة الغناء العربى أم كلثوم والموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب والشاعر كمال الشناوى وغيرهم. توفى عبد الوهاب باشا مورو عن عمر 87 عاما فى مايو عام 1979.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق