إن أمكنك أن تعالج العليل بالغذاء فلا تعطه شيئا من الدواء، وإن أمكنك أن تعالج بدواء خفيف مفرد فلا تعالج بدواء قوى ولا بدواء مركب، ولا تستعمل الأدوية الغريبة المجهولة . كان هذا منهج أول من أسسوا علم الصيدلة فى العالم.. المسلمون الذين أدخلوا نظام الصيدليات العامة وألحقوا صيدليات بالمستشفيات وملأوها بأصناف الأدوية والأشربة ووضعوها فى أفخر القنينات الصينية حيث كانت تضاهى فى حسن ترتيبها صيدليات هذا الزمان وكانوا يصرفون الأدوية بالمجان للمرضي، وكانت حدائق الأعشاب الطبية تستنبت فى بعض المستشفيات ولا يتولى صيدلية المستشفى إلا الصيدلى الماهر وكان يقوم بتدريب الدارسين علميا فى مجال الدواء.
فى الموسوعة البريطانية يقولون إن كثيرا من أسماء الأدوية وكثيرا من تركيباتها المعروفة حتى اليوم وضعها العرب، بل إن الشكل العام للصيدلة الحديثة فيما عدا التعديلات الكيميائية الحديثة بدأه العرب. يقول أحد علماء الغرب إن الطب مدين للعرب بعقاقير كثيرة منها على سبيل المثال الكافور، التمر هندي، الكحول، وكثير من المستحضرات التى لا تزال تستعمل كالمراهم والدهانات والمياه المقطرة والخلاصات العطرية والمستحلبات، وهم أول من استعمل نبات الحشيش والأفيون فى عملية التخدير .كنا كذلك وأكثر كنا أول من راقب الصيدليات وجعل لها نقيبا كان يسمى رئيس العشابين وفى كل مدينة كبيرة يوجد عميد للصيدلة، كنا نولى لفن العلاج اهتماما كبيرا، أظهر الصيادلة فى عصر ازدهار الحضارة الإسلامية براعة ونبوغا عظيمين، ورغم كل التقدم فى علم الصيدلة كان الأطباء المهرة يفضلون التداوى بالأغذية على التداوى بالعقاقير.
هذه المقدمة الطويلة بكاء على الأطلال وحسرة لم تدم حيث قابلت ثلاثة صيادلة نابهين مهمومين بمهنة الصيدلة فى مصر وما وصل إليه حال الصيدلى الذى يراه الناس مجرد بائع ولا يعرفون له وظيفة أخرى إلا موظف تفتيش فى وزارة الصحة لا يحمل معه دستور الدواء المصرى كما فى انجلترا أو أمريكا مثلا، وحتى النسخ الإلكترونية من الدساتير العالمية يختفى منها المصري، ذلك الدستور الذى كان موجودا فى أغلب الصيدليات، قال لى أحدهم عملت بعد تخرجى فى صيدلية فى إيتاى البارود بالبحيرة ووجدت دستور الدواء المصرى لدى صاحبها منذ الخمسينيات، وبعد تنهيدة حزينة قال إن دستور الأدوية المصرى لم يمر عليه التحديث منذ الثمانينيات عكس كل الدساتير الغربية.
إذا طرحت السؤال على طلبة كليات الصيدلة فى عموم مصر حول طبيعة عمل الصيدلى قالوا لك «بياع» . عكف هؤلاء الثلاثة منذ تخرجهم على العمل على عودة أشياء افتقدتها مهنة الصيدلة فضاعت هيبتها وتاه وقارها بين أدوية سيئة السمعة وأخرى ناقصة بشكل مخيف من السوق الدوائى المصرية ودراسات لا تأتينا إلا من الغرب المتقدم فى علم الصيدلة رغم أن كتاب الصيدلة فى الطب للبيرونى يقول إنه استقصى معرفة نوع وأسماء 850 عقارا ووضعها بعدة لغات وأولاها العربية. لم يتبق إلا الحوض داخل الصيدلية كشاهد على المهمة الأساسية للصيدلى وهى تحضير الدواء فى معمله.
شباب مهموم بعودة التركيبات الدوائية التى تغطى نتائج شفائها بإذن الله 90 % من الأمراض الجلدية والجهاز التنفسى وغيرها كثير لايحتاج الذهاب للطبيب بقدر ما يحتاج خبرة صيدلى يقوم بعمل تركيب دوائى ناجع. يقولون إن الصيدلى يقف عاجزا أمام المرضى فى بعض الأحيان ومهارة تركيب الدواء ستجعله يجد الحل، ومثالا على ذلك دواء خاص للأطفال لا تنتجه شركات الأدوية لأنه لا يحقق لها مكاسب مادية وتحضيره فى معمل الصيدلى ينقذ الموقف.
هم يعملون منذ تخرجهم لكى تعود العلاقة المثالية بين الطبيب والصيدلى والتواصل بينهما لمصلحة المرضى، رحبت روسيا بأحدهم ذهب إليها حاملا 10 براءات اختراع لم يأخذ ترخيصا لأى منه فى مصر بينما فى روسيا اشتروا حق الملكية الفكرية لهذه الابتكارات . لولا احترامى لميثاق الشرف الصحفى لذكرت أسماءهم وخوفا من شبهة الإعلان لأنهم يعملون بشكل تجارى فى تركيباتهم الخاصة بهم.
لمزيد من مقالات سهيلة نظمى رابط دائم: