رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ما بعد العاصفة الكاملة!

العاصفة الكاملة Perfect Storm هى العاصفة التى عندها تتجمع فيها سيئات كل العواصف، فإذا كانت فى البحر كانت الرياح السريعة مع هطول المطر الكثيف وارتفاع الأمواج إلى مستويات تسونامية وانتشار الدوامات البحرية نتيجة متغيرات الحرارة والمد والجزر. من الصعب أن تنجو سفينة فى هذه النوعية من العواصف، ما لم يكن لدى قبطانها وبحارتها المهارة التى تكفى الوصول إلى مرفأ. قبل أيام واجهنا مثل هذه النوعية من العواصف كانت فيها الرياح وكان فيها الأمطار وكان فيها اختبارات البنية الأساسية التى بنيت من أجل بلد لم يعرف الأعاصير والتيفون والسيكلون. ولكن العاصفة لم تكن فقط ظاهرة طبيعية، وإنما كانت فيها ظواهر أخرى بدأت بفيروس كورونا وما أحدثه من نتائج على كل دول العالم، التى كانت أهمها عاصفة أخرى لا تقل قسوة عن كل العواصف الأخرى وهى انهيار البورصات العالمية الواحدة تلو الأخرى، وعقب قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بمنع الرحلات الجوية القادمة من دول منطقة الشنجن ــ 26 دولة ـ فإن العلاقة بين أقرب الحلفاء وصلت إلى نقطة حرجة. بات النظام الدولى فى مفترق الطرق ما بين التعاون فى التعامل مع قضايا لم يعد ممكنا تجاهلها من أول الاحتباس الحرارى الذى خلق أوضاعا مناخية تهدد كوكب الأرض، والتعامل مع الفيروسات المعدية التى لا تنجو منها لا دولة عظمى ولا دولة صغيرة، وحتى التعامل مع تحركات النظام الدولى الاقتصادى بحيث لا تدخل الدنيا إلى الكساد الرهيب. أو أن الخيار الآخر هو أن تمضى البشرية كما مضت خلال السنوات الأخيرة، حيث كل يعمل حسب مصالحه الضيقة غير مدرك أن كثيرا من المصالح باتت عالمية ولا يمكن الفكاك منها, وفى هذه الحالة فإن الحروب التى ساد الظن باستحالتها سوف تكون ممكنة، ومن لا يعلم فقد شهد العالم أكبر عملية لسباق التسلح بين القوى العظمى والكبرى عرفها فى تاريخه وكان سببها التطورات التكنولوجية الكبيرة. وإذا كانت أمريكا وروسيا انسحبتا من اتفاقية الصواريخ متوسطة المدى فإن ذلك كان إطلاقا لنوبة جديدة من سباق التسلح وبناء الصواريخ وحاملات الطائرات التى تصل إلى كل العواصم.

مصر دخلت إلى هذا الاختبار وهى فى مرحلة التعافى الاقتصادي، ولحسن الحظ أنها جاءت إليها وقد جرت إصلاحات كبيرة فى البنية الأساسية، والشبكات الصحية، ودون الذى تحقق فإن مواجهة العاصفة كانت ستكون أكثر تكلفة بكثير. ست سنوات من التنمية المستمرة خلقت احتياطيات غير قليلة كان ممكنا أن تكون دافعة لمزيد من التنمية وتسريعها، ولكنها الآن سوف توضع فى موضع الاختبار للتعامل مع أزمة متعددة الأبعاد فى تأثيرها، ومتعددة الأطراف فى أسبابها. فما حل بمصر لم يكن العواصف بأشكالها فقط، ولا حتى دخول فيروس الكورونا إلى مصر وما ترتب عليه من نتائج اقتصادية عالمية، وإنما أضيف لها السلوك غير المسئول لإثيوبيا وغير المفهوم للسودان إزاء مفاوضات سد النهضة، وبدلا من التوصل إلى اتفاق والتوقيع عليه وتعزيز التعاون الإقليمى للتعامل مع الحالة العالمية، فإن مواجهتها سوف تكون كل دولة بمفردها. وبشكل عام فإن هناك العديد من الأصول المتاحة التى يمكن لمصر استخدامها، وبعضها مادى والبعض الآخر فكرى ومعنوي، فالبنية الأساسية والاحتياطيات المالية تعطى أمانا وقدرة على تحريك الاقتصاد، ولكن الأهم أن غداة الأزمة شهدت اقترابنا أخيرا من أمرين: أولهما ضرورة تحقيق انطلاقة فى نشاط القطاع الخاص لتعبئة الموارد القومية والاستمرار فى عملية التنمية؛ وثانيهما أن الصناعة هى الركيزة الأساسية للنمو. تشجيع القطاع الخاص بالطاقة التى تتيح له المنافسة، وإصدار القوانين التى تتيح له ممارسة النشاط الاقتصادى دون وضع سيف السجن على رقابه. كل ذلك مفيد، ولكن هناك ما هو أكثر وممكن خاصة بالنسبة للمشروعات المتوسطة التى كثيرا ما نتحدث عنها، ولكن الواقع يشهد عمليات خنقها فى السوق. هناك ثورة ضرورية للفكر البيروقراطى الذى يتعامل مع المشروعات البازغة بحيث يبقيها فى السوق أولا، ويعطيها دفعة كبيرة ثانيا. المكان لا يتسع كثيرا للحديث عن أزمة سد النهضة، ولا الأزمة الليبية، والأوضاع غير المستقرة فى المنطقة كلها، ولكن ما تحقق فى الكثير منها ليس بقليل. لقد تفاوضنا مع إثيوبيا، والسودان أيضا، بكل الشرف التفاوضى الذى يحقق المصالح للجميع. وعندما غادرت الوفود آخر جولات التفاوض لم يكن هناك خلاف حول المضمون فى الكثير من القضايا الفنية والحيوية فقد تم الاتفاق على كل الأمور، ولم يبق إلا الصياغة ووضع النقاط على الحروف وتحتها، وكانت هذه هى وظيفة الجولة الأخيرة التى لم تحضرها إثيوبيا تحت ادعاء رغبتها فى إجراء التشاور، والناس لا تتشاور داخلها فى أمور لا تزال موضع اختلاف، وإنما تتشاور حول ما جرى الاتفاق عليه. وما جرى الاتفاق عليه حقق لمصر اعترافا بأن نهر النيل نهر دولي، ويجرى التعامل عليه وفق قوانين الأنهار وأعرافها والتى استقرت على رفض ــ الضرر الجسيم» للحقوق التاريخية لأطراف النهر الدولية، ورغم الصعوبات الفنية فقد نجح الخبراء فى التوصل إلى اتفاق بخصوص ملء الخزان، والتعامل مع أوقات الشح المائي. لم يبق إلا التوقيع، واستعدادات إثيوبيا للاحتفال بتوليد الكهرباء خلال شهور الفيضان القادم. مصر استخدمت الوقت استخداما حسنا بالتشاور هى الأخرى مع أشقائها العرب، ومع الاتحاد الأوروبي, وأعتقد أن تشاورا كثيفا سوف يكون مطلوبا مع الدول الأعضاء الدائمة فى مجلس الأمن. فى الأزمة الليبية فإن حلفاءنا فيها على أبواب طرابلس، وفى سوريا فإن تركيا دخلت إلى مأزق لا تعرف الخروج منه. الخلاصة أن القدرة الدبلوماسية والسياسية المصرية تسير فى الاتجاه السليم، وما نحتاجه بشدة من الإعلام المصرى أن يرفع سيف التفكير التآمرى عن إدارة أزمة السد، فالحكمة دائما فى كل أنواع الأزمات أن نعمل على زيادة عدد الحلفاء والأصدقاء والمؤيدين؛ والتقليل لأقل ما يمكن من الأعداء والخصوم. استدعاء عداءات تاريخية مع إسرائيل والولايات المتحدة لا ينظر إلى العلاقات المتشابكة والمعقدة بينهما ومصر.


لمزيد من مقالات د. عبدالمنعم سعيد

رابط دائم: