رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مهرجانات الصراخ القهرى ومعاناة الجمال!

قعقعة «المهرجانات» لا يصح أن تسمى موسيقي، فهى إيقاعات، كصرصرة الريح، أو قرقرة البطن، أو قعقعة السلاح لا يستطيع أحد أن ينكر أن هذه المهرجانات أصبحت ظاهرة، بعد انجذاب قطاعات عريضة من المجتمع لها، فهى تعبير بدائى غريزى عن النفس، يكشف عورات المجتمع وتحولاته، ولا نستطيع تجاهلها فهى عامل مشترك فى كل الاحتفالات الاجتماعية لأنها تسد نقصا فى الإيقاعات التعبيرية الراقصة على المستوى الشعبي، الإنسان لا يستغنى عن التعبير عن نفسه، والتنفيس عن احتياجاته، وتفريغ شحناته العاطفية، وإحباطاته النفسية، فما الإنسان إلا كتلة من المشاعر والأحاسيس والعواطف، كما قال الفيلسوف الإنجليزى (ديفيد هيوم)، والفن وخيالاته تطمح للقيام بهذا الدور الحيوى فى حياة أى جماعة، وعندما ينحدر هذا الفن ويصل إلى البدائية والغرائزية البسيطة، فما هو إلا تعبير عن واقع الحال، وما هى إلا صرخة من الصراخ القهرى فى الجسد الاجتماعي!

الصراخ القهرى نوبة من الصراخ اللاإرادي، يصدرها مخ المريض كنوع من الاستغاثة عن التهاب الدماغ، وهو لا علاقة له بالألم أو مرض محدد، ولكنه فى الغالب يحدث لالتهاب فى المخ قد يتطور إلى مرض الباركنسون، ولوحظ أيضا مع مدمنى الكحوليات،فتصيبهم نوبات الصراخ فى مقاطع صوتية غير محددة، أو أصوات للحيوانات، لم ينته الطب لتحديد سبب محدد لهذا الصراخ لأنه مختلف عن الصرع والتشنجات، ولكنه دلالة على معاناة للجسد من خلل فى الدماغ أعتقد أن قعقعة المهرجانات ما هى إلا نوع من الصراخ القهري، الذى يبث فيه الناس همومهم، ونوع من التفريج النفسي، خاص بارتباط هذه القعقعات بألفاظ بذيئة، كنوع من النكات الفكاهية الخارجة!، التى تثير الضحك مع الحركات الإيقاعية العنيفة. هذه النوعية من التعبير البدائى الغرائزي، لا شك لها دلالة على مصاعب اجتماعية من الممكن تحليلها والعمل على معالجتها، وقد كان علماء الاجتماع من الـ (19) متفائلين بقدرة علم الاجتماع على صياغة نظريات عامة قادرة على التحكم فى الحركة الاجتماعية،وتحيزوا لنظريات كالاشتراكية أوالليبرالية، لكن مع تطور هذا العلم واعتماده على المنهج العلمى فى الرصد والتحليل والوصول إلى برامج محددة لحل المشاكل الاجتماعية، أصبحوا أقل طموحا واكتفوا بالخلاصة التى وصل إليها عالم الاجتماع الإنجليزى (بوتو مور) أن علم الاجتماع يمكن أن يستخدم فى التطبيق العملي، بطريقة علمية منظمة، بطرق متعددة على مستويات مختلفة.. الإصلاح الاجتماعى والإصلاح الاقتصادى وجهان لعملة واحدة كلاهما يؤثر فى الآخر، والبرامج الاجتماعية لتطوير المجتمع تشملهما، لتحقيق التوازن الاجتماعى المستقر، فإعادة تأهيل العمال وجذب الاستثمار والقضاء على البطالة لا تنفصل عن برامج التوعية بتنظيم الأسرة والقضاء على العداوات الأهلية الأيديولوجية، أو العادات الموروثة الباطلة كالثأر، أو المستحدثة كالبلطجة، وخرق القانون، هذه البرامج وغيرها من إصلاح تعليمى وإعلامي، تحتاج إلى جهود مكثفة وأموال طائلة، إلا أن التنظيم المنهجى المتراكم قادر على توظيف الجهود الوطنية والإمكانات المتاحة، للتقدم للأمام وقد وضع (د. مجدى يعقوب) مثالا يحتذى لمن يتطلعون للخدمة المدنية حقا، فى تقديم الرعاية الصحية حسب الإمكانات المتاحة، بوضع أساس لبرنامج اجتماعى التف حوله الناس.

وفى اعتقادى الراسخ أن اكتشاف الجمال ونشره، يأتى فى قلب برامج عملية الإصلاح الاجتماعي، فهذه الإيقاعات المهرجانية ما هى إلا معاناة للجمال الداخلى، فى نفوس من أنتجوها ومن تلقوها، فالجميع يبحث عن الجمال لتغذية العواطف والأحاسيس والمشاعر التى يتألف منها الإنسان، وقلصت الأزمات الاقتصادية من الجمال العام، والأخطر الإحباط المتولد من فقدان الثقة فى أيديولوجيات ونخب سطحية أو انتهازية، اكتشاف الجمال ونشره من خلال المؤسسات الثقافية والإعلامية والأهم التعليمية هو البداية، فالتعليم الأساسى التربية فيه هى الأساس! فلابد أن يعود الأطفال للمدارس للتربية قبل التعليم، ويُرقى المدرسون ويكافأوا على أكتشاف المواهب ورعايتها، فهذه هى البداية الحقيقية لأى إصلاح اجتماعى منشود! الأمل الدافع الأساسى للحياة، ولدينا من النخب العلمية المنفتحة ما يكفى لوضع برامج الإصلاح الاجتماعي، وكذلك هناك إرادة سياسية لوضعها موضع التنفيذ، وتراث فنى وحضارى راق قادر على إنقاذ أذواقنا الجمالية، على قمته سيدة سيدات العرب (أم كلثوم)، ففى صوتها اجتمع عباقرة الجمال فى الأشعار والموسيقي، فعاشت، وبقى جمالها رغم تطاول السفهاء عليها، أما المهرجانات فما هى إلا فقاعات لا تخلو أيضا من جمال عابر، فى ظل اضطراب اجتماعى مؤقت على كل الأحوال! فالقبح «ملوش رجلين»!!


لمزيد من مقالات وفاء محمود

رابط دائم: