كرم اللهُ عز وجل الشهيد بأن اختصّه بمكانة سامية في الدنيا ويوم القيامة، كما شدد النبي صلي الله عليه وسلم علي رعاية أسر الشهداء لما قدمه ذووهم من تضحيات.
وعن منزلة الاستشهاد في سبيل الله يقول الدكتور أحمد علي سليمان عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية إن الشهادة طريق مباشر إلى الجنة، ففي معركة بدر، عندما التقى المسلمون المشركين، قال النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (قوموا إلى جنةٍ عرضُها السماواتُ والأرضُ). كما جعل الله الشهداء مَضْرِبَ المثل في الإخلاص والدرجات العلا، بعد النبيين والصديقين، قال تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً. وجعل لهم «مكانة العندية»، فهم في معيته، قال تعالى: «وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ» وجعل لهم المغفرة والأجر العظيم والنور المبين، قال تعالى: «وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ».
وأضاف سليمان أن الله تعالى جعل الشهداء في مأمن فلا يفزعون حين يفزع الناس، ولا يخافون حين يخاف الناس، قال تعالى: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا. كما جعل الشهيد شفيعا لسبعين من أهل بيته، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الشَّهيدُ يُشفَّعُ في سبعين من أهلِ بيتِه).
وقد أمَّن الله الشهيد من فتنة القبر، وعذابه، قال رجل يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا بَالُ الْمُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ إِلا الشَّهِيدَ قَالَ (كَفَى بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً)، فالشهيد لا يسأله الملكان في قبره. ولعل السبب في ذلك أنه قد اُمتحن بأهوال الحرب حتى استشهد؛ فكان ذلك امتحانًا كافيًا في الدلالة على قوة إيمانه وصدقه المبين مع ربِّ العالمين.
ومن تكريم الله للشهداء أيضا أنهم يأمنون من الفزع الأكبر، ولا يُصعقون من النفخ في الصور، فلما سأل النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) جبريل عن قوله تعالي: «وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ» أخبره أن الشهداء هم المستثنون من الصعق في الآية.
كما أسقط الله تعالى عن الشهيد ذنوبه وكتب له المغفرة عند سقوط أول قطرة من دمه، يقول النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (للشهيدِ عندَ اللهِ ستُّ خصالٍ: يُغفرُ لهُ في أولِ دفعةٍ، ويَرى مقعدَهُ منَ الجنةِ، ويُجارُ منْ عذابِ القبرِ، ويأمنُ منَ الفزعِ الأكبرِ، ويُوضعُ على رأسِهِ تاجُ الوقارِ، الياقوتةُ منها خيرٌ منَ الدنيا وما فيها، ويُزوَّجُ اثنتينِ وسبعينَ زوجةً من الحورِ العينِ، ويُشفَّعُ في سبعينَ منْ أقاربِهِ).
والشهيد لا يجد ألم القتل ولا يشعر به، فقد قال رسول الله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (ما يجدُ الشهيدُ من مَسِّ القتلِ إلا كما يجدُ أحدكم من مَسِّ القَرْصَةِ). ولعظم ما ينتظره من أجر فإنه يتمنى أن يرجع إلى الدنيا لكي يُقتل عشر مرات، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ما أحَدٌ يدخلُ الجنَّةَ، يحبُّ أن يرجِعَ إلى الدُّنيا ولَهُ ما علَى الأرضِ مِن شيءٍ إلَّا الشَّهيدُ يتمنَّى أن يرجعَ إلى الدُّنيا فيُقتلَ عَشرَ مرَّاتٍ، لما يَرى منَ الكَرامةِ). والشهيد يجري عليه عمله حتى يبعث، ولا ينقطع عمله حتى قيام الساعة.
أسر الشهداء
وعن أسر الشهداء يقول د.أحمد علي سليمان: إذا كان الشهيد قد ضحى بنفسه؛ لنعيش نحن ونأمن ونسعد، فإنه من الواجب علينا جميعا أن نرعى أسر الشهداء، فقد كان النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يزور أسر الشهداء ويتفقد أحوالهم، ويواسيهم، ويجبر خاطرهم، وينفق على أبنائهم وذويهم ويساعدهم هو والصحابة الأخيار. كما جاء التحذير الشديد من خيانتهم في أهليهم، وتعظيم حرمة ذلك، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (حُرمَةُ نِساءِ المُجاهِدينَ على القاعِدينَ، كحُرمَةِ أُمَّهاتِهم. وما مِن رجُلٍ منَ القاعِدينَ يَخلُفُ رجُلًا منَ المُجاهِدينَ في أهلِه، فيَخونُه فيهِم، إلَّا وقَف له يومَ القيامَةِ، فيَأخُذُ من عمَلِه ما شاء. فما ظَنُّكم؟).
فحِمايةَ المجتمَعِ المسلِمِ لنِساءِ المُجاهدين والحِفاظَ عَليهنَّ، مِمَّا يُعينُ على الجِهادِ في سبيلِ اللهِ؛ وفي الحديث بيانُ عِظَمِ إثمِ مَن خان المجاهدَ في أهلِه ونِسائِه وخَلَفَه فيهم بِشَرٍّ، موضحًا أنَّ مَن فَعَلَ ذلك إلَّا وَقَفَ له المُجاهدُ، فيَأخذُ مِن عملِ الخائنِ أي: مِن حَسناتِه ما شاء. وقَولُه (صلَّى اللهُ عليه وسلَّم): (فما ظَنُّكم؟) أي: فما ظَنُّكم باللهِ عزَّ وجلَّ أنَّه يَصنَعُ مع هذا الخائنِ مِنَ العذابِ الشَّديدِ، وفي هذا منَ الوَعيدِ والزَّجرِ والتَّهديدِ ما فيه.؛ لتعظيم حرمة أسر الشهداء. فهنيئا للشهداء والمرابطين لحراسة الدين والوطن والعرض والمال، وصدق الرسول الكريم القائل: (عَينانِ لا تمَسَّهما النَّارُ: عينٌ بكت من خشيةِ اللهِ، وعينٌ باتت تحرسُ في سبيل اللهِ).
رابط دائم: