لا تقفِز بقوةٍ وأنت تلعب، هناك أناس يعيشون تحت الأرض. هكذا قالت لى جدتى ذات يوم. ربمّا كانت الجدة الطيّبة خائفةً من مخاطر اللعب، وأرادتْ الإشارة إلى أناس آخرين لأجل الترهيب، وربما كانت مثل الزعيم النازى أودلف هتلر تؤمن بنظرية جوف الأرض. ما سمعتُه من جدّتى سمعته لاحقًا من بعض كبار السنّ فى قريتنا، عدد كبير من القصص التى تروى حياة شعوب ومدن تسكن تحت الأرض، وهى إذْ تأتى لزيارة سطح الأرض والعبث به، لا تلبث أن تعود إلى جوف الأرض من جديد. قال لى أحدهم: إن لهم مساكن وشوارع وعائلات، وعندهم حياة كاملة مثل حياتنا، لكنهم ليسوا بشرًا مثلنا، وإنما كائنات أخري، يمكنها التشبّه بنا، ثم العودة إلى طبيعتها حين تريد. هكذا جاءت نشأتى فى ريف دلتا مصر وسط بعضٍ ممّن يؤمنون بمذهب الجليد العالمي، وحضارة أجارثا العريقة!.
يبنى مذهب الجليد العالمى أطروحاته على أن كوكب الأرض كانت تدور حوله أربعة أقمار، وقد سقطتْ منها ثلاثة، وبقى قمر واحد يدور حول الأرض. لقد جاء أحد الأقمار بكائنات فضائية معه، وهم من بنوا حضارة قارة أطلانطس، ثم كان غرق القارّة الشهير. ولكن بعضًا من الناجين من ذريّة أطلانطس قد امتدت سلالاتهم إلى الأحفاد الآريين. فالعرق الآرى الألمانى إذن هو ذو نسبٍ فضائى بعيد، الآباء من قارة أطلانطس والأجداد جاءوا مع القمر!. فى كتابه عالم مقلوب يروى الفريق أول ليونيد إيفاشوف قصة مثيرة: كان هتلر يؤمن بنظرية الآريين والقمر. وكان يرى أن كثيرًا من الأقارب يعيشون فى جوف الأرض، وهم يخرجون ويعودون عبْر فتحةٍ فى القارة القطبية الجنوبية. أرسل هتلر بعثةً إلى التبت بقيادة إرنست شيفر. كان شيفر عالمًا بارزًا، وكان يفسِّر حياة الإنسان القديم طبقًا لنظريات الأنثروبولوجيا. يروى إيفاشوف تلك المناقشة بين إرنست شيفر والجنرال هاينريش هيملر، قائد القوات الألمانية الخاصة SS، حول أصل الإنسان. وقد اعتبر هيملر تحليل شيفر العلمى تحليلًا مدرسيًّا خاليًا من المعرفة الحقيقيّة. وبعد أن أعطى درسًا لـشيفر فى أن إنسان الشمال الألمانى قد جاء من السماء حين سقط القمر، وأن أصل الجرمانيين يعود إلى كواكب أخري.. قال واعظًا: دكتور شيفر.. أمامكم الكثير لتتعلموه.
قام هتلر ببناء سياسة خارجية على أساس هذه النظرية، وفى حديثه المثير إلى قناة روسيا اليوم يقول الفريق إيفاشوف: رأى هتلر أن أقاربه من ذريّة أطلانطس سوف يساعدونه إذا ما وصل إليهم. وفى عام 1929 كان يرى أنهم يمكنهم مساعدة ألمانيا فى صنع سلاح خارق.. يكون بإمكانه تدمير مدن بأكملها. وكان ذلك قبل ظهور نظريات السلاح الذرّي. بعد عقد من الزمان، وفى عام 1938 أرسل هتلر سفينة إلى القطب الجنوبي، من أجل الوصول إلى الحضارة الآرية القديمة وذريّة أطلانطس. وفى عام 1940 تمّ إرسال مائة وخمسين غواصة ألمانية إلى المكان نفسه وللغرض ذاته. وفى هذه المحاولات.. نجح طيار ألمانى يدعى ريتشارد شيرماخر فى اكتشاف واحةً وسط الجليد، وقد جرى تسميتها باسمه. وقد دفع اكتشاف واحة خضراء فى قلب الجليد.. إلى المزيد من الإيمان بنظرية الحضارة الجليدية السابقة. تم اكتشاف الواحة قبل الحرب العالمية الثانية، وفى أثناء الحرب وبعدما تأكد النازيون من صحة نظريتهم.. جرى إرسال الغواصات. كان النازيون متفائلين بقُرب التواصل مع أقاربهم الناجين من القارّة الغارقة.. ومن ثمّ قرب امتلاك سلاح دمار شامل يسهِّل مشروعهم السياسي.. فى بناء حضارة عالمية جديدة بزعامة ألمانيا.
يؤكد إيفاشوف فى حديثه إلى القناة الروسية أن هتلر قد أمر بإرسال خمسة آلاف ألمانى إلى القارة القطبية الجنوبية لاستئناف الحياة هناك، وعودة التحالف مع الأهل من ذريّة أطلانطس. لم يكن ذلك الأمر عقيدة خيالية فحسب، بل سرعان ما تحول إلى أخطر قرارٍ فى تاريخ الحروب وهو غزو الاتحاد السوفيتي. كان هتلر مغرورًا بغزو فرنسا، وكان متأكدًا من حصوله على أسلحة الدمار الشامل، إن لم يكن من خلال علماء ألمانيا.. فمن خلال فتحة القطب الجنوبي، وقد غزا الاتحاد السوفيتى وهو يضع فى حسابات القوة.. تلك القوات، وهذه الأسلحة التى ستأتى من سكان جوف الأرض!.
تقول نظرية جوف الأرض ما كانت تقوله جدّتى فى القرية: إن كوكب الأرض ليس مصمتًا، بل هو فارغ من الداخل، وفى جوف الأرض توجد حضارات وحياة أكثر ثراءً وتقدمًا، وكما أن للأرض شمسًا، ففى جوف الأرض شمس أخري!. إن المدخلين الأساسيين لجوف الأرض هما القطب الشمالى والجنوبي، والمدخل التاريخى هو أسفل الهرم الأكبر فى القاهرة، أمّا المدخل المعاصر فهو فى المنطقة السريّة الأمريكية (51) فى صحراء نيفادا. وفى التاريخ العربى الإسلامي، آمن المسعودى والإدريسى بتلك النظرية، ثم إنهم وضعوا خرائط لبوابات العالم إلى جوف الأرض!.وقد ذهبت بعض الكتابات إلى أن آلاف الألمان قد نجحوا فعلًا فى الدخول إلى قلب الأرض من فتحة القطب الجنوبي. وقد تعرّض مؤرخون لشهادات جنرال البحرية الأمريكية ريتشارد بيرد وجنرال البحرية الروسية فلاديمير تشيرنافين عن تلك الأطباق الطائرة، التى تأتى من الماء ثم تعود إليه، والتى تحمل مخلوقات فضائية لم يكن ممكنًا أبدًا مطاردتهم أو اللحاق بهم.
كانت السيدة هيلارى كلينتون قد أعلنت فى حملتها الرئاسية عن الكشف عن تلك الموضوعات الغامضة ونشر حقائق المنطقة (51) ولكنها لم تصل إلى البيت الأبيض، وقبلها أعلن الرئيس أوباما ذلك، لكنه حين وصل لم يلتزم بما أعلن، ولم يذكر شيئًا.
إن نظرية جوف الأرض هى واحدة من أشهر نظريات العلوم الزائفة. وقد أدَّى تطور علم الجيولوجيا إلى نسف هذه النظريات، ثم إن ذوبان أجزاء من القطبين لم يقدم دليلًا على أيّ شيء من ذلك. إنها معارف جذّابة وممتعة، ولكن الحقيقة أنها محض خيال. العلوم الزائفة مادة رائعة للآداب والفنون، ولكنها إذا ما تحوّلت إلى نظريات وسياسات.. تنتزع العالم من فضائل العقل، لتضعه فى قلب الخرافة، أوتدْفع به إلى حافة الهاوية.
لمزيد من مقالات أحمد المسلمانى رابط دائم: