رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بين التراث والدين

التراث ثروات الشعوب من موروثها الثقافي، وما تركه الأسلاف عبر عصور خلت وقد شكلت المعتقدات التى توصلوا إليها عن الحياة وما بعدها، وعن دور الإنسان والهدف من وجوده على الأرض، وعلاقته بالكون منظومة ثقافية وفكرية كانت دافعهم إلى الحرص على التواصل الروحى مع نواميس الكون عبر طقوس وعبادات من ناحية، ومن خلال التطبيق العملى من ناحية أخرى لتحقيق الغرض من الحياة، بالإبداع والابتكار الذى أنتج بدوره ذلك التطور الحضارى الذى استمر فى تراكمه ليصنع للبشرية ذلك المستقبل الذى آلت إليه اليوم.

هكذا كان للأديان دورها كأحد المكونات الرئيسية لهذه الثقافات، ولأننا نجد معتقدات متعددة داخل المنظومة الثقافية الواحدة، فلا بد لهذه المعتقدات أن تثرى التنوع الثقافى لموروثات الشعوب، وكلما ازدادت الروافد الثقافية ازدادت الشعوب غنى ولا نجد شعبا حاول التخلص من ثرواته أو إنكارها إلا وصارت لديه أزمة حضارية، إذ يصل به الأمر إلى حالة من الشح الحضاري، حين يتمسك بمصدر واحد من مصادر ثروته، ويغفل عما لديه من ثراء تحسده عليه شعوب كثيرة. نجد شعوبا لا تملك الكثير من التراث لكنها كرست كل قدراتها الفكرية لتفيد أقصى فائدة ممكنة مما لديها، فلم تترك وعيها رهينة لمصطلحات نشأت فى فترات معينة من تاريخها ربطت فيها بين التراث ومعتقد دينى بذاته ليصير تراثا دينيا لتحقيق أهداف آنية، رغم أن المعتقدات الدينية وما لحق بها من شعائر وطقوس كانت نتاجا حضاريا لتلك الشعوب. ففى القارة الآسيوية الكثير من المعتقدات الدينية التى ظهرت تباعا فتركت إرثا حضاريا كبيرا لشعوبها. من بين تلك الشعوب من استطاعت الفصل بين التراث والدين، فحققت تقدما ملموسا ولحقت بركب الحضارة، ومنها من لم يستطع فض الاشتباك الذهنى بين التراث والدين ، فوقع فى شرك مصطلح التراث الدينى ليقف فى مكانه مقيد القدمين عاجزا عن التفاعل مع مقتضيات العصر ومواكبة غيره من الشعوب التى أفادت مما لديها من ثروات وذخائر فى بناء بلادها وتحقيق السعادة لشعوبها، ولم تظلم معتقداتها الدينية بأن تجعلها رهينة تراث يحتاج من حين لآخر إلى إعمال العقل فيه وفق مناهج علمية معاصرة. وإذا كان هناك اعتقاد أن العرب قد استطاعوا فى أواخر القرن الأول الهجرى إنشاء دولة نسبوها للإسلام امتدت من الصين إلى الأندلس، فإنهم بلا شك لم يعتمدوا فى ذلك إلا على تراث عربى قبلي، امتد تأثير ذلك الإرث القبلى حتى سقوط الأندلس رغم القرون الثمانية التى قضوها فى الأندلس بما تركته من إرثها الحضارى الذى لا ينكره أحد، إلا أننا لا نستطيع أن ننسب تصارع العرب فى الأندلس من أجل الحكم والسلطان إلى الإسلام كدين وعقيدة ، إذ أننا بذلك نكون قد وصمنا الإسلام بأنه لا يصلح دينا لقوم يريدون بناء حضارة، وإذا بنوها لا يقدرون على الحفاظ عليها، لكنه التراث القبلى الذى كان سببا فى تصارع ملوك الأندلس وولاتهم ، كما رأينا من ولاة بنى عبد المؤمن فى دولة الموحدين الذين تحالفوا مع أعدائهم ضد إخوتهم فى الدين، بل إن بعضهم تنصر ليؤكد ولاءه لمن يطمع فى تأييدهم فى صراعه من أجل السيادة والسلطة، فلم يكن الإسلام لديهم أعز من نزعتهم القبلية وأطماعهم السياسية. أما فى مصر وما بها من ذخائر وثروات تراثية عظيمة آلت إلينا عبر تاريخ طويل، فما زلنا فى حاجة إلى معرفة الكثير عنه، سواء كان تراثا فرعونيا، أو قبطيا، أو يونانيا ورومانيا، أو عربيا أتى مع القبائل العربية المهاجرة، أو آسيويا أتى به المماليك والمغول وقبائل الترك، أم أمازيغيا قابعا فى واحاتنا الغربية، حتى نصل إلى ذلك الحداثى الذى قد أخذ فى التكوين منذ بدايات القرن التاسع عشر، ولم تتح له الفرصة فى إحداث التأثير المرجو، ما جعل خطواتنا المعاصرة للأمام متعثرة، بل وتقاوم تيارات تدفعها لتتراجع للخلف، حين وضعت الدين مع التراث فى حزمة ذهنية واحدة. لقد جاءت الأديان لتبقى مع البشر طوال فترة بقائهم لينير طريق أجيالهم القادمة على ظهر هذا الكوكب. ونحن الآن فى أمس الحاجة لفض ذلك الاشتباك الذهنى بين التراث والدين.


لمزيد من مقالات د. عصام رياض حمزة

رابط دائم: