تلك الصبية الصغيرة التى طالما تنكرت فى أزياء الصبيان ظلت ملازمة للسيدة أم كلثوم طوال حياتها التى امتدت إلى 76 عاما. ظلت تلازمها بمشاعرها المتناقضة ما بين إحساسها كأنثى واحتياجاتها كمراهقة، وبين مشاعرها المحبوسة فى هيئة رجل حتى تستطيع أن تغنى وسط الرجال فى الموالد..
أظن أن أم كلثوم ظلت على مدار مراحل حياتها تحاول إشباع رغبات وتطلعات تلك الصبية الصغيرة التى حرمت منها نتيجة ذلك.
..........................
فى أحد مقاطع أغنيتها الشهيرة بكلمات محمود بيرم التونسى وألحان الموسيقار رياض السنباطى «الحب كده» التى غنتها «الست» تشدو أم كلثوم قائلة: «حبيب قلبى يا قلبى عليه ولو حتى يخاصمنى، ويعجبنى خضوعى إليه واسامحه وهو ظالمنى.. وبعد الغيم ما يتبدد وبعد الشوق ما يتجددغلاوته فوق غلاوته تزيد ووصله يبقى عندى عيد»..
عندما نستمع إلى هذا المقطع لا نستطيع أن نفصله عن حالات الحب فى حياة «كوكب الشرق» وتحديدا من وقعوا فى غرامها وهاموا بها.. أم كلثوم تلك الأسطورة العابرة للأزمنة والصوت الذى نادرا ما يتكرر والتى يبدو مشوارها الفنى واضحاً وساطعاً سطوع الشمس،لم تكن حياتها الشخصية بهذا الوضوح فما أثير حولها من حكايات وقصص يظل غامضاً يحمل ظلالا لقصص محبين أضاعوا أعمارهم وهم يتمنون نظرة رضا أو وصال من «الست».. بعضهم بادلتهم «ثومة» المشاعر وآخرون ظلوا عاشقين لها من طرف واحد. فهل نلومهم أم نلوم تلك المرأة القويةصاحبة الكاريزما النادرة وخفة الدم وذات الوعى والثقافة والمتحضرة،وهل تتحمل «الست» ذنب العشاق الذين ذابوا فيها، فهل ألمحت لهم بالطرف بأنها لا تمانع، وهل كان التفاف الكثير من العشاق حولها يرضيها كامرأةأم هل كانت مثل ملكات النحل؟!
المرأة.. الرجل
دائماً ما يردد علماء النفس أن الطفولة هى أهم مرحلة فى مراحل التكوين وتشكيل الشخصية، لا أحد يستطيع أن ينكر الطفولة القاسية والظروف الصعبة التى عاشتها «ثومة» تلك الطفلة صاحبة الحنجرة الذهبية والصوت القوى العريض الذى يحيرك فى مواصفاته فهو يملك قوة الصوت الذكورى ورخامته وعرضه ويبتعد عن الصوت الأنثوى الهامس الرقيق لكنه وللمفارقة يمتلك غنجاً ودلالاً أنثوياً يصعب تكراره، واضطر والدها أن يلبسها ملابس الرجال كى تستطيع أن تغنى فى الموالد والأفراح، تلك الملابس ظلت عليها أن تتنكر فيها حتى وصلت لمرحلة المراهقة وهذه الفترة تحتاج إلى الكثير من التساؤلات وتستحق التوقف عندها لتأمل شخصية «أم كلثوم»، لأنها بالتأكيد ألقت بظلالها على كافة تفاصيل حياتها المستقبلية، وشكلت علاقتها بالرجال من حولها فهى الطفلة الصغيرة صاحبة الموهبة المتفردة والصوت النادر، والتى كانت تتنكر فى ملابس صبى لتقف وتسلطن الرجال، من مرتادى الموالد والأفراح والذين ظلوا يعتقدون فى موهبة هذا الصبى، إلى أن جاءتها الفرصة لتغنى وتسفر عن وجهها وتعلن أنها امرأة تستحق التقدير لموهبتها وليس لنوعها والذى يستحق أيضا أن يحتفى به، فهل كانت «الست» فى حاجة إلى التفاف المغرمين حولها لتعويض الكثير مما فاتها فى طفولتها ومراهقتها؟ تلك الفتاة التى حرمت من الثناء والغزل والتدليل يبدو أنها كانت تعوض ذلك بالاستمتاع بعبارات الغزل من العشاق أمثال أحمد رامى والقصبجى وحتى النجريدى أول من هفت إليه مشاعرها.
من النجريدى للحفناوي
كثيرة هى القصص المتداولة حول من أحبوا أم كلثوم»، وتناول بعضها العديد من المؤرخين الفنيين المصريين والعرب فى كتب ودراسات متنوعة، ولكن معظمهم أجمعوا أن الجانب الخفى فى علاقات ثومة والمجهولين قد يكونون أكثر بكثير من المعروفين، ومنهم قصة أم كلثوم والشاعر السورى بدوى الجبل.
نستطيع أن نقسم الرجال حول «سيدة الغناء العربى» إلى نوعين رجال أحبوها وبادلتهم ثومة الحب، ومنهم «أحمد صبرى النجريدى، وشريف باشا صبرى، ومحمود الشريف، ومصطفى أمين ويتداول أن زواجها السرى به استمر لسنوات طويلة، وعلم به عبدالناصر ولكنه أخفى العقد بناء على رغبة أم كلثوم، وهناك الرجال الذين هاموا فى حبها إلى درجة الذوبان وعلى رأسهم القصبجى وأحمد رامى»، وصولا إلى الزيجة التقليدية مع الدكتور الحفناوى والذى ماتت وهى تحمل اسمه.
الزوج الأول
الرجل الأول فى حياة «كوكب الشرق»، هو الشيخ عبدالرحيم، وهو أحد أصدقاء والدها، الذى تزوج منها بشكل صورى، حتى تتمكن من السفر للعراق لإحياء 4 حفلات هناك؛ حيث كان القانون يمنع سفر الفنانات غير المتزوجات إلى الخارج، اضطرت لتلك الحيلة حتى تتمكن من السفر، واستمرت هذه الزيجة ثلاثة أسابيع وهى الفترة التى قضتها «أم كلثوم» خارج البلاد، وكأنها فى البدايات كتب عليها أن تتنكر فى صور عديدة وهو ما انعكس عليها بالتأكيد فى البدايات كان عليها انكار طفولتها، وفى الشباب اضطرت أن تقبل زيجة صورية على الورق.
أول حب
كان النجريدى أول رجل يخفق له قلب «سومة» وهو طبيب الأسنان والملحن «أحمد صبرى النجريدى» الذى أيقظ مشاعر الأنوثة بداخلها ودفعها لارتداء الفساتين والتخلص من العقال الذى كان يشبهها بالرجال، وقد نستطيع أن نقول إن ثومة اكتشفت معه جزءا من طفولتها وأنوثتها التى لم تشعر بها ولم تعشها بشكل طبيعى، وكان النجريدى طبيبا له عيادة طب أسنان فى طنطا، ثم هجر مهنته ليلحق بأم كلثوم الى القاهرة عند هجرتها من «طماى الزهايرة» إليها، وليقترب منها وأحبته أم كلثوم وكانت على وشك الزواج منه، لولا تدخل الاهل. شغلت علاقة ام كلثوم بالدكتور النجريدى بال العديد من المؤرخين الفنيين، فقد لحن لها - وهو القادم من عالم طب الاسنان - 17لحنا ساهمت كلها فى رسم ملامح الشهرة لأم كلثوم وتذكر الدكتورة الراحلة رتيبة الحفنى عن هذه العلاقة بين ام كلثوم والطبيب «فى عام 1924 تعرفت ام كلثوم الى ملحن هاوٍ هو طبيب الاسنان الطنطاوى «أحمد صبرى النجريدى» الذى يمكن اعتباره امتدادا للشيخ» ابو العلا محمد»، وكان الطبيب الهاوى ملحنا جيدا ومجتهدا، لقنها اصول العزف على العود، ولكنها لم تكن قد تخلت بعد عن نبرات الطفولة فكانت تتألق فيها قوة صوت ام كلثوم وطفولته معا». وعندما تأكد من مشاعرها نحوه، طلب الزواج منها، لكن والدها رفض طلبه، وهنا شعر «النجريدى» بالإهانة فانسحب من حياتها تماما.
أما الشاعر «أحمد رامى»، فوقع فى غرام «كوكب الشرق» من أول لقاء، واتخذ على عاتقه مهمة كتابة ما يشعر به فى أشعار تجسدها بصوتها، لكنها لم تستجب لحبه، فاضطر للزواج من إحدى قريباته، على أن يظل قلبه عاشقًا لأم كلثوم.
وعندما سُئلت «أم كلثوم» عن حب «رامى» لها، قالت: «أعلم أن رامى يعشقنى، وكتب فيّ من القصائد ما لا كتبه شاعر قديم فى حبيبته، لكنى لو تزوجته ستنطفئ نيران الشعر فى أعماقه، ولم يبتعد رامى عن ثومة بل ظل يحلم بالوصال أيا كان شكله لذلك فـ»رامى» هو نموذج للعاشق الذى وصل إلى مرحلة الوجد، واستفادت «أم كلثوم» من تلك الحالة وقدمت معه أعظم الأشعار، والقصائد.
القصبجي
الموسيقار «محمد القصبجى»، الذى جسّد عشقه لها فى ألحانه، وفى موافقته على الجلوس خلفها على كرسى خشبى وفى يده العود، فقد ارتضى أن يعيش صامتًا فى حبه لا يرغب سوى فى البقاء بجانبها، فهو لم يتحمل فراقها على الرغم من رفضها عددا من ألحانه. وهو الأمر الذى أغضبه لفترة، ولكنه لم يكن يقوى على الابتعاد عنها، وهناك العديد من رسائله المتداولة والتى نشرت تعكس كيف أنه كان يحبها ولكن يبدو أن الروايات المتداولة بشأن أنه عاش راهبا فى محراب الست لم تكن حقيقية حيث ذكرت الدكتورةرتيبة الحفنى فى مقال لها بمجلة «وجهات نظر» الحفنى لم تكن خبيرة موسيقية فحسب، بل عرفت القصبجى منذ طفولتها، وكان من أصدقاء والدها الموسيقار الدكتور محمود أحمد الحفنى ويتردد على بيتهم.
لا تنفى الحفنى أن القصبجى كان مغرماً بأم كلثوم، لكنها ترى أنه لم يكن يُظهر ذلك. فهو تزوج أربع مرات لا واحدة ولا اثنتين،. والأصحّ أنه كان يعشقها فى داخله بصمت وكبرياء. ولم يكن متذبذباً».
حب ملكي
وهناك أيضا شريف صبرى باشا، شقيق الملكة نازلى، الذى وقع أسير حبها، والذى حاول الزواج منها لكن عائلته رفضت هذه الزيجة بشدة مما جعله يتراجع عن قراره ويبتعد، إلا أن حبه لها جعله يعود مرة أخرى ليطلب منها الزواج ولكن بشكل سرى وهو ما رفضته كوكب الشرق.
الشريف وسر خطوبته
الملحن «محمود الشريف»، نشأت بينه وبين كوكب الشرق قصة حب كبيرة فى منتصف الأربعينيات، وانتهت بالزواج لكنه لم يستمر سوى أسابيع قليلة؛ حيث طلبت «سومة» الطلاق منه بعدما فوجئت بأنه لا يزال محتفظًا بزوجته الأولى، وهى الرواية الشائعة.
وفى مذكرات الملحن محمود الشريف نفسه التى كتبها الناقد طارق الشناوى وصدرت تحت عنوان «أنا والعذاب وأم كلثوم» تؤكد المذكرات أن أم كلثوم هى التى أحبت الرجل منذ اللقاء الأول فى مكتب كروان الإذاعة»محمد فتحى» وهناك باحث مهم وهو اللبنانى «جهاد فاضل» يؤكد أن الشريف لم «يظفر منها سوى بليلة واحدة حسب قول البعض.. أو بسبع ليال كما يقول البعض الآخر».. لكن الأهم أن ذلك العبقرى «أمضى حياته بعد ذلك يدور فى فلكها ولا يتمكن من الخروج منه.. وكأنها أطلقته قمرًا يدور فى مدارها ولا يستطيع العودة إلى الأرض.
عشرات الروايات عن تلك الأسابيع القليلة التى عاشها الشريف فى أحضان أم كلثوم جميعها يؤكد أن أم كلثوم هى من طلبت الزواج من الشريف،ونشرت الصحف وقتها أن أم كلثوم تبحث عن عريس.. ثم فوجئ الجميع بمصطفى أمين يكتب قصة الزواج.. محمود الشريف نفسه قال فى مذكراته «قلت لها ذات يوم ما تيجى نتجوز.. فردت: يا ريت يا محمود»، وفى اليوم التالى أرسلت لأخيها خالد.. تعشينا فى مطعم اسمه «سان جيمس» وبعد العشاء قالت لأخيها «تعبت وعايزة أسند رأسى على صدر محمود وأنام.. فقال: ما قلنا كده من زمان»، تلك الزيجة التى جعلت «القصبجى» يجرى على فيلا أم كلثوم حاملا مسدسه، و»رامى» ينزل من منزله مهرولا وهو يرتدى بيجامته بالمقلوب حسبما ذكر طارق الشناوى. ويبدو أن حياة أم كلثوم العاطفية ستظل تحمل الكثير من الألغاز، والاتهامات بأنها وظفت مشاعر الحب والوجد لمصلحتها الفنية، ولكن الا يتحمل العاشقون بعضا من المسئولية.
< «علمت أم كلثوم هذا الجيل من المطربات والمطربين كيف يغنون، ويخرجون الألفاظ سليمة. إنها مدرسة - ان صوت أم كلثوم يكفل الحياة لأي لحن. إنها معجزة لن تتكرر ولا كل ألف سنة. لاننا لسنا في زمن المعجزات................... محمد الموجي
رابط دائم: