رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

هل الدولة مسئولة عن أخلاق مواطنيها؟

يقول الدكتور جمال حمدان: إن ما تحتاجه مصر أساسا إنما هو ثورة نفسية، بمعنى ثورة على نفسها أولاً، وعلى نفسيتها ثانياً، أى تغيير جذرى فى العقلية والمثل وأيديولوجية الحياة قبل أى تغيير حقيقى فى حياتها وكيانها ومصيرها.. ثورة فى الشخصية المصرية وعلى الشخصية المصرية.. ذلك هو الشرط المسبق لتغيير شخصية مصر وكيان مصر ومستقبل مصر. (شخصية مصر: دراسة فى عبقرية المكان). إذن جوهر الوظيفة الأخلاقية (أو التربوية أو التثقيفية) للدولة المصرية هو إحداث ثورة فى الشخصية وعلى الشخصية التقليدية بقيمها البالية.

ولأن الدولة مسئولة عن أخلاق وقيم وسلوكيات مواطنيها كما كتب فى هذا الفلاسفة ورجال الدولة من عهد أفلاطون وأوراليوس والأنبياء والحكماء حتى عصرنا هذا فقد اهتمت الدولة الحديثة بأن تكون هناك رؤية إستراتيجية لتربية وتنشئة المواطنين على القيم المدنية التى تجعلهم قادرين على التعايش والتفاعل والعمل المشترك وصولا إلى النهضة والتقدم. ولهذا نشأت فى معظم الدول مؤسسات ووزارات لتنتج خمسة خطابات: الخطاب السياسى (المسئول عنه السياسيون)، الخطاب الإعلامى (أجهزة الإعلام والصحافة)، الخطاب التربوى والتعليمى (المسئول عنه المؤسسات التعليمية)، الخطاب الدينى (المسئول عنه المؤسسات الدينية لكل أديان المجتمع)، الخطاب الثقافى (والمسئول عنه المؤسسات الثقافية والفنية والشعرية والغنائية.

إن القيادة السياسية التى تصل إلى السلطة ينبغى أن تكون صاحبة رؤية تربوية وأخلاقية لمواطنيها. ومن هنا كان الفارق بين عصر وعصر، وحقبة وحقبة فى تاريخ نفس الدولة. نسأل ونجيب: ما الفارق بين ماليزيا عام 1980 وماليزيا عام 1982؟ الحقيقة أن الفارق يمكن تلخيصه فى اسم شخص يحمل رؤية وإرادة وقدرة على إدارة الوظيفة التربوية مع غيرها من الوظائف التى على الدولة أن تقوم بها، هذا الشخص هو مهاتير محمد. ولنسأل عن مصر قبل 1805 وبعد 1805، فإن الإجابة هى محمد على بما حمله من مشروع تطوير الدولة المصرية، وفى القلب منه الوظيفة التربوية للدولة والتى انعكست فى قيم جديدة اكتسبها المصريون وانعكست فى سلوكهم.

بل إن بعض الدارسين (Ronald Inglehart مثالا) فسر تقدم وتخلف مجتمعات عن أخرى (بل مناطق مقارنة بأخرى داخل المجتمع الواحد مثل شمال إيطاليا المتقدم نسبيا عن جنوبها المتخلف نسبيا) عبر دراسة القيم المركزية الضابطة لسلوك المواطنين، وهى القيم التى لا يجوز الاتفاق على مخالفتها، ولا يجوز التسامح مع تجاهلها إلا بتكلفة عالية للغاية. وقد وجد الدارسون أن أهم هذه القيم تنقسم إلى خمس فئات:

أولا، القيم المعرفية، وعلى رأسها: احترام المنهجية العلمية والبحث والدراسة فى مواجهة الادعاء المعرفى والافتاء بغير علم. والانفتاح على الأفكار الجديدة المفيدة وتبنى نظرة إيجابية للعالم فى مواجهة الجمود والتكلس والتقوقع. تبنى موقف منفتح من المخالفين فى الرأى فى مواجهة التشكيك وإطلاق الأحكام السلبية على المخالفين فى الدين أو العقيدة أو الرأى أو الطبقة الاجتماعية أو الملبس الخارجي.

ثانيا، القيم السلوكية، وعلى رأسها: قيمة الإخلاص والنزاهة والأمانة فى مواجهة الفساد والغش والإهمال وتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة الوطنية. والنظافة الشخصية والحفاظ على نظافة الأماكن العامة والتذوق الجمالى وتعظيم قيمة الرقى فى المظهر الخارجى على المستوى الشخصى والعام، فى مواجهة ثقافة القذارة والفوضى والقبح والتلوث السمعى والبصرى وغياب التقدير لحق الآخرين فى أماكن عامة تراعى حقوق الإنسان الأساسية. وثقافة احترام الآداب العامة والقانون والاعتذار عن الخطأ إن حدث، فى مواجهة ثقافة البلطجة ونشر الفجور والخروج على مكارم الأخلاق.

ثالثا، القيم الاجتماعية، وعلى رأسها:تالتركيز على نوعية البشر فى مواجهة ثقافة التركيز على زيادة كمية البشر بغض النظر عن تربيتهم أو تعليمهم أو احترام آدميتهم ومدى توافر الظروف الملائمة لحياة كريمة لهم. ودعم حقوق الفئات الأضعف فى المجتمع مثل كبار السن والأطفال والمعوزين والمرضى فى مواجهة ثقافة اللامبالاة بحقوق الفئات الأكثر احتياجا فى المجتمع. واحترام حق الإنسان فى الترقى الطبقى والاجتماعى من خلال التعليم والاجتهاد والتطور والابتكار فى مواجهة ثقافة الجمود الاجتماعى والطبقى وثقافة الترقى عبر الواسطة والمحسوبية أو التمييز ضد القيم.

رابعا، القيم الاقتصادية: ينبغى أن يتعاهد المصريون على نشر القيم والمبادئ الاقتصادية التالية: تشجيع ريادة الأعمال والمخاطرة المحسوبة ودراسات الجدوى واستكشاف مجالات عمل جديدة والبحث عن أفكار مبتكرة فى مواجهة انتظار الوظيفة الحكومية أو الخوف من كل ما هو غير معتاد فى عالم شديد التطور والتغير. والحفاظ على حرمة المال العام وقدسية الملكية العامة والخاصة واحترام حقوق الغير والأجيال القادمة فى موارد الدولة والمجتمع والفخر بالمنتج المحلي، فى مواجهة ثقافة المشاع والتبذير والإسراف وعدم الاكتراث بحقوق الآخرين. ووطنية القطاع الخاص وتعاونه مع الاستثمار الأجنبى ومسئوليته الاجتماعية فى مواجهة ثقافة النظر للقطاع الخاص ككيان غير وطنى باحث عن مصالح أصحابه دونما اكتراث بمصالح الوطن.خامسا، القيم السياسية: ينبغى أن نتعاهد نحن المصريين على نشر القيم والمبادئ السياسية التالية: المساواة السياسية والقانونية بين جميع المواطنين، فى مواجهة ثقافة التمييز والتعدى على حقوق الآخرين. وبناء فعاليات حزبية ومؤسسية تضمن التثقيف السياسى للأجيال الجديدة وإعدادهم لتولى المناصب العليا فى البلاد، فى مواجهة ثقافة استبعاد الكفاءات وتجاهل أصحاب المهارات لمصلحة أهل الثقة فقط. ونشر الثقة فى قدرة مؤسسات الدولة على التعامل بجدية مع مشكلات المجتمع، فى مواجهة ثقافة رفض المؤسسية والتشكيك فى مؤسسات الدولة.

إن الاستثمار فى البشر أصعب كثيرا من الاستثمار للبشر.إن صناعة العقول وتوطين الأخلاق صناعة ثقيلة ومجهدة، لكنها الفريضة الغائبة، ودونها سنظل نحل مشكلات جزئية، فى حين أن القاسم المشترك فى كل مشكلاتنا، وهو الإنسان المصري، سيظل بعيدا عن التطوير المطلوب. أختم بمقولة لـكوان يو رئيس وزراء سنغافورة الأسبق حين قال له أحدهم: أنت صانع نهضة سنغافورة, فرد قائلا: لا، أنا صنعت الإنسان السنغافوري، وهو صنع نهضة سنغافورة.


لمزيد من مقالات ◀ د. معتز بالله عبد الفتاح

رابط دائم: