رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

خريطة طريق تركية لتطبيع العلاقات مع مصر

ترغب اطراف تركية عدة سواء داخل حزب العدالة والتنمية أو خارجه مثل حزب الوطن التركى فى تحسين العلاقة مع مصر، ويدور حاليا جدل طويل حول مدى الأهمية لأنقرة فى فتح صفحة جديدة مع القاهرة، وما هى خريطة الطريق لإعادة الحرارة لهذه العلاقة الباردة بين مصر وتركيا، وفى المقابل ِثمة جدل فى القاهرة حول جدية أنقرة هذه المرة، ومدى استعدادها للتجاوب مع متطلبات فتح صفحة جديدة معها. ويجادل الجانب التركى بأن أمورا كثيرة تغيرت، وان الحكم ائتلافى الآن، وان شركاء اردوغان يضغطون عليه من اجل تحسين العلاقة مع مصر .

وفى حوار طويل مع الكاتب التركى البارز اونور سنان جوزالتان بصحيفة ايدينليك قلت له ان الرسائل التركية حتى الآن ضعيفة، وغالبا ما تحمل أمورا سلبية تنسفها، وان على تركيا ان تحسم امرها وتختار ما بين علاقة طبيعية تدفع شروطها أو علاقة باردة، وتتحمل ثمن عداء مصر، وما تمثله من وزن وتحالفات. وأحسب أن الأمر ليس هينا، وعملية بعث الدفء فى العلاقة المتوترة سوف تحتاج جهدا كبيرا، نظرا لأن العقبة الكبرى هى الرئيس التركى أردوغان نفسه، وحلمه المراوغ بأن يتزعم العالم الإسلامى بوصفه السلطان العثمانى الجديد، وفى ذات الوقت حقائب التحالف الثقيلة مع جماعة الاخوان.

ولكن هل يتغلب أردوغان البراجماتى على أوهامه وشهواته، ويتعامل مع ضرورات الواقع وقيوده. وفى الواقع أظهر أردوغان قدرة كبيرة على مفاجأة الكثيرين بالتحول والقفز من طرف إلى آخر، ولعل أبرز قفزاته موقفه من روسيا والرئيس فلاديمير بوتين. وبعيدا عن التوقعات الكبرى نعرض هنا لملامح خريطة طريق لإعادة العلاقة ما بين القاهرة وأنقرة لمسارها الطبيعي.

٠٠البداية ربما فى ادراك أردوغان لحتمية تغيير اللغة المتغطرسة التى يتعامل بها مع العرب لأنه لم يعد قويا وملهما بل رجل تتراجع أسهمه ومعزول. وهنا اشير لرؤية احد خبرائنا الكبار، الذى قال لى حاسما التكوين الشخصى لاردوغان يمنع تحسين العلاقة، إلا من خلال الهيمنة والسيطرة. ولعل ما يدفعه لتغيير لغته هو سقوط أوراق التوت. فقد تيقن الجميع من زيف إيمان تيارات الإسلام السياسى بالديمقراطية وتبادل السلطة، فمثلما قال اردوغان من قبل إن الديمقراطية مثل الباص، نركبه ثم ننزل منه حين نصل إلى وجهتنا.

ويؤكد الكاتب التركى عثمان تزغارت أن أردوغان نزل، بالفعل، من الباص الديمقراطى لكنه لم ينجح، على الرغم من ذلك، فى الوصول إلى وجهته المنشودة. ويشرح فى مقال بعنوان انغماس أردوغان فى ليبيا... بين المتلازمة الباكستانية والعقدة العثمانية أن الحركات الإخوانية التى راهن عليها فى دول الربيع العربى لتحقيق حلمه المهووس بالسلطنة العثمانية سرعان ما تهاوت كقصور من ورق، وهو ما يفسر استعداده للانغماس عسكرياً فى الأزمة الليبية الطاحنة، على الرغم مما ينطوى عليه ذلك من مجازفة غير مأمونة العواقب، لأن انهيار آخر القلاع الإخوانية فى طرابلس من شأنه أن يدق المسمار الأخير فى نعش وهم إحياء الخلافة العثمانية الذى يراوده منذ قرابة عقدين من الزمن.

٠٠النقطة الثانية تتعلق بتخبط اردوغان وتزايد شعوره بالعزلة، فقد كشفت صحيفة موسكفوفسكى كومزوموليتس الروسية عن أن أردوغان جن جنونه بعدما عجز عن الحصول على ما يريد فى مؤتمر برلين. وترك المؤتمر مبكرًا، بعدما رفضت الدول المشاركة فى القمة دعم خطته بإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا. ويبدو أن الرهان الغربى على أردوغان ومشروعه لم يعد مثلما كان. وهنا لابد من عودة لمشروع حزب العدالة والتنمية، الذى بنى قادته رؤيتهم السياسية على مفهوم التوافق، الذى يتمثل فى المصالحة مع القوى العالمية الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى وإسرائيل، فى وقت رغبت فيه الولايات المتحدة الأمريكية والغرب فى التوجه نحو الشرق الأقصى حيث يُتوقع أن تقع فيه صراعات كبرى قد تصل إلى حروب كبري، وأما الشرق الأوسط فما زال يشكل فراغًا لم يستطيعا بسط سيطرتهما عليه كاملا، وهذا لا يعنى أنهما ينويان التخلى عن المنطقة. وكانت القوى العالمية - ومنها اللوبيهات اليهودية– لديها ثلاثة مبادئ رئيسية تسعى لتحقيقها فى المنطقة: إسرائيل دولة إقليمية مرسومة الحدود مستقرة الأوضاع، وتأمين مصادر الطاقة والخطوط الناقلة للطاقة، ومنَع المجموعات الإسلامية الراديكالية من الحكم.

ويكشف الكاتب التركى على بولاج فى مقال بمجلة نسمات تحت عنوان هل خسر النظام العالمى رهانه على أردوغان؟ انه عندما جاء عام ٢٠١١ انقلب كل شيء رأسًا على عقب، إذ إن السياسة الخارجية التركية فشلت فى قراءة التحولات التى وقعت فى العالم العربى ، كما أن النجاحات التى أنجزتها تركيا بدعم خارجى أثارت لدى كبار رجال السياسة بالحزب الحاكم الشعور بالاستقلالية والثقة الزائفة بالنفس، وعندما أعلنت تركيا عن مشروع العثمانيين الجدد، وأعربت عن نيتها فى بسط هيمنتها على الشرق الأوسط كما فى الماضي، والدخول فى التنافس مع إيران؛ تحركت القوى العالمية للحيلولة دون ذلك؛ لأن هذا المشروع الذى أعلنه الحزب الحاكم مخالف للشروط المتفق عليها مسبقًا مع الحكومة التركية. ومن هنا يتضح لنا مأزق أردوغان وحاجته لأصدقاء جدد وفى مقدمتهم مصر ودول الخليج.

٠٠والان مثلما أخبرنى جوزالتان وكتب فى جريدته وموقع يونايتد وورلد انترناشيونال فإن البيانات التى صدرت عن دوائر الحكومة التركية حول بدء حوار جديد مع مصر، وإضفاء الطابع الرسمى على الحوار مع الدولة السورية من خلال مسئولى الاستخبارات، هى علامة على أن حزب العدالة والتنمية يتحول عن الاعتماد على بطاقة الإخوان فى سياسته الخارجية، وعلى الأقل فيما يتعلق بمحور القاهرة ودمشق. وفيما يتعلق بالقضية المصرية، هناك حاجة إلى خطوات صغيرة ولكنها واضحة لبدء الحوار. ويمكن اتخاذ الخطوة الأولي، مع بيان إيجابى من السلطات الحاكمة حول شرعية الحكومة المصرية. والخطوة الثانية باتخاذ تحركات تقييدية ضد المنافذ الإعلامية التى تستهدف مصر، وهوما سوف يسهل إقامة الثقة المتبادلة، حتى لو لم يتم ترحيل كبار جماعة الإخوان فى تركيا. والخطوة الثالثة خلال هذه الفترة، ربما قد تبدأ المفاوضات حول القضايا الرئيسية، خاصة قضية شرق البحر المتوسط، من خلال اتصالات رسمية أو غير رسمية.

٠٠ويبقى أن القاهرة تراقب بحذر ما إذا كانت تركيا سوف تبدأ بخطوة تحسين العلاقات معها، ومن المؤكد أن خطوة كهذه ستهب معها رياح جديدة من شرق البحر المتوسط إلى المنطقة، كما أن الحوار هو الطريق للتغلب على عدم الثقة، والحوار بطبيعته يبدأ بالاحترام المتبادل.


لمزيد من مقالات محمد صابرين

رابط دائم: