رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ما بعد العاصفة!

انتهت عاصفة الأزمة الأمريكية الإيرانية بعد أن توافقت واشنطن مع طهران على ألا يكون هناك مجال آخر لضربات متبادلة, الأولى بدت راضية لأن اغتيالها لأمير الحروب الإقليمية قاسم سليمانى كان كافيا لتحقيق الأهداف الخارجية والداخلية فى أن تكون الإدارة الأمريكية قادرة على اتخاذ قرار استخدام القوة المسلحة, والثانية أصبحت هى الأخرى راضية بعد أن أطلقت صواريخ على قواعد أمريكية، وكان ذلك ما يكفى من التحدى حتى ولو لم ينتج عن الصواريخ قتلى ولا جرحي. وبشكل متزامن تقريبا توقفت المواجهة العسكرية بين قوات الجيش الوطنى الليبى مع ميليشيات حكومة الوفاق الوطنى فى طرابلس, صحيح لم يكن وقف إطلاق النار شاملا، وجرى تبادل الاتهامات بعدم احترام القرار، إلا أن العملية التفاوضية بدأت، ومازالت هناك خطوات مستقبلية، وأصبحت روسيا تمسك بزمام الموقف لأن علاقاتها كثيفة مع تركيا، وبالتالى مع حكومة الوفاق، ومع المشير حفتر وجيشه. حالة الأزمتين من الاحتقان تراجعت، وبات على كل الأطراف أن يعيد حساباته مرة أخرى والتنفس بعيدا عن ضغوط المعركة المرتقبة أو المفاوضات المتوقعة, إيران كانت تريد التعامل مع الحراك الإيرانى ومع تداعيات سقوط الطائرة الأوكرانية, وواشنطن كانت تستعد للاحتفال بتوقيع المرحلة الأولى من الاتفاق التجارى مع الصين، فقد انتهت الحرب الباردة مبكرا. أكثر من ذلك ففى نفس يوم توقيع الاتفاق جرى الإعلان عن توصل أطراف المفاوضات الخاصة بسد النهضة الإثيوبى إلى اتفاق فى واشنطن حول الأمور الجوهرية وبقيت صياغة الاتفاق الذى سيعلن عنه فى 28 يناير الحالى. ومع نهاية الأسبوع الثانى من العام الجديد 2020 تنفس العالم الصعداء، وابتعدت الأزمات الحادة فى العلاقات الدولية عن حافة الهاوية فلا كانت حرب باردة ولا ساخنة، وأصبحت الدنيا أفضل مما كانت عليه قبل بداية العام.

ومع ذلك فإن نهاية العاصفة، وانتهاء الأزمات التى تحتمل استخدام السلاح، لا يعنى نهاية التناقضات التى أدت إلى كل أزمة من قبل، وربما لا يمكن فى هذا المقام متابعة ما بعد عواصف الأزمات المشار إليها، إلا أن الأزمة الإيرانية تبدو أن تناقضاتها أكثر استحكاما. فالأزمة شهدت بالفعل استخداما للقوة المسلحة، ولا تزال هناك حالة تأهب جارية لدى إيران والولايات المتحدة، كما أن إيران قامت بالخطوة التى تأخذ التناقضات إلى سقوف عالية برفع كل قيد على عملية تخصيب اليورانيوم، ومعنى ذلك الاقتراب أكثر من إنتاج السلاح النووي. الأزمة أكثر من ذلك شهدت مزيدا من العقوبات الأمريكية؛ وجاء المزيد من الضغوط الاقتصادية من ناحية أوروبا هذه المرة وكأن إيران ليس لديها ما يكفي. فقد اتخذت بريطانيا وفرنسا وألمانيا إجراءات رسمية ضد إيران بسبب انتهاكاتها للاتفاقية النووية لعام 2015 حين رفعت القيود على التخصيب، مما أدى إلى ما يسمى الآلية لتسوية المنازعات، وهذا يعنى إمكانية العودة النهائية لعقوبات الأمم المتحدة التى رفعتها الاتفاقية، وتبدأ الآلية الآن بفترة مراجعة مدتها 65 يوما لجميع الموقعين الباقين على الصفقة، بما فى ذلك إيران وروسيا. ويأتى هذا الإجراء بعد أن نأى الأوروبيون بأنفسهم عن حملة الضغط الأقصى الأمريكية ضد إيران، وأعلن الأطراف الأوروبيون فى الاتفاق النووى الإيرانى أنهم يريدون الإبقاء على الصفقة قائمة. ومع ذلك كان قرار إطلاق آلية النزاع يمثل محاولة يائسة لإنقاذ الصفقة، ولكنهم لا يستطيعون تجاهل الخطوات الإيرانية الجديدة. روسيا من ناحيتها انتقدت قرار إطلاق الآلية، ورفضت إيران على الفور هذه الخطوة، وقال وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف: إن استخدام آلية النزاع لا أساس له من الناحية القانونية وخطأ استراتيجى من وجهة نظر سياسية.

ولكن بغض النظر عن وجهات النظر الروسية والإيرانية فإن واقع العلاقات داخل مجموعة 5+1 التى توصلت إلى الاتفاق النووى قد تغير. وربما كان أكثر الأطراف التى تغيرت هى بريطانيا، فهذه المرة فإنها تدخل إلى المجموعة وهى خارج الاتحاد الأوروبي، ومحكومة بمجموعة محافظة أكثر تشددا بقيادة بوريس جونسون من ناحية واقترابا من الولايات المتحدة، والرئيس ترامب شخصيا، من ناحية أخري. لم تعد المملكة المتحدة كما كانت قبل الأزمة، أو قبل الانتخابات البريطانية تحديدا، وهى الآن باتت داعية لاتباع منهج ورؤية ترامب من المفاوضات التى دعت إلى انعقادها لإعادة النظر فى الاتفاق الذى كان. هذه وجهة نظر ترفضها إيران على طول الخط، ومن زاويتها فإن قبولها بإعادة التفاوض يعد بمنزلة الهزيمة وهى التى أصرت على أنه لا تفاوض آخر لأن قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووى يعنى أنه من الممكن له الخروج من كل اتفاق آخر، أو يأتى رئيس جديد للولايات المتحدة فينقض الاتفاق الذى جرى الاتفاق عليه.

ولكن إيران ربما لا يشغلها فقط مخالفة الأعراف الدولية الخاصة باحترام الاتفاقيات الدولية، بقدر ما يشغلها أن توازن القوى فى المنطقة بات سائرا فى غير مصلحتها. داخل إيران نفسها فإن النظام السياسى يتعرض لأخطر اختبار عرفه منذ فترة طويلة بسبب حادث الطائرة الأوكرانية الذى أفقد إيران بعضا من التعاطف العالمى خاصة بعد تأخرها فى إعلان مسئوليتها عن سقوط الطائرة المدنية، والأخطر أن الاعتراف فى حد ذاته كان يشير إلى مدى اهتزاز الأصابع الإيرانية فى أثناء الأزمة. مشهد الضحايا من الإيرانيين استدعى مشاهد ضحايا أكثر عددا فى الحروب التى شاركت فيها إيران من خلال الحرس الثورى الإيراني. ولكن التكلفة لم تكن فقط قتلى وجرحي، وإنما كانت كثيرا من الأموال التى انسابت من إيران إلى خارجها فى عملية للفتح الاستراتيجى تجاه العواصم العربية: بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء ومعها غزة أيضا. التكلفة السياسية كانت أيضا عالية، فالحراك الإيرانى دعا النظام كله للمساءلة، ومعه كان الحراكان فى لبنان والعراق أكثر تساؤلا حتى من قبل الشيعة العرب عما تفعله إيران فى بلادهم. أصبح شعار أن تكون العراق للعراقيين، ولبنان للبنانيين، واليمن لليمنيين شائعا. كل ذلك يقودنا إلى مرحلة جديدة ودبلوماسية مختلفة فالأطراف لا تريد حربا، على الأقل الآن!.


لمزيد من مقالات د. عبد المنعم سعيد

رابط دائم: