رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

إبراهيم أصلان.. عازف و رسام وشاعر القصة القصيرة

فراج فتح الله

حصل إبراهيم اصلان على عدد من الجوائز منها: جائزة طه حسين من جامعة المنيا عن رواية«مالك الحزين» عام 1989م، جائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام 2003م – 2004م. جائزة كفافيس الدولية عام 2005م، جائزة ساويرس فى الرواية عن«حكايات من فضل الله عثمان» عام 2006م، جائزة النيل للآداب عام 2012.

تفرد أصلان ليس فقط عن جيل الستينيات الذى ينتمى له، فقد بنى هرمه الإبداعى على مهل كان يضع الحجر فوق الحجر بتؤدة شديدة، فقد ظلت أعماله الأربعة الأولى فترة طويلة هى كل إنتاجه، يكتب الرواية فى عشر سنوات، دون أى استسهال، فبأربعة كتب فقط«بحيرة المساء»،«يوسف والرداء»،«مالك حزين»،«وردية ليل». نال بها مكانته الفريدة لدينا، ثم توالت الروايات«عصافير النيل، يوسف والرداء، شىء من هذا القبيل، حكايات من فضل الله عثمان، حجرتان وصالة، خلوة الغلبان، صديق قديم …».

أبطال إبراهيم أصلان فى جميع أعماله ولاد بلد، شخصيات حقيقية تعيش بيننا، ورواياته تنقل لنا عمق الواقع بسهولة ويسر، هى صورة مصر، برع الرجل فى تجسيد معاناة البسطاء، وأدق تفاصيل حياتهم اليومية وهزائمهم، يمكن أن يقال عن أصلان إنه رسّام إضافة إلى كونه أديبا، لأنه أجاد تصوير كل الزوايا وسلط الضوء بحرفية بالغة على ما لا يراه العادي.

جرب أصلان مرحلة الحلم والانكسار والتحولات الاشتراكية، فكتب بشفافية مطلقة قصصه القصيرة عن مواقف عابرة، وعن بشر يلتقون لأول مرة، أو يبيعون أشياء بسيطة، ويبحثون عن أنفسهم فى عالم متناقض فيه الخير والشر والطمع والقناعة والخبث والطيبة والشجاعة والجبن، والمهمش والمنسي، نجح كثيرا فى الكتابة عن أحلام الطبقة الوسطى والفقراء، الذين يحلمون ويحزنون، وتتحول مطالبهم البسيطة، إلى أحلام وأهداف يخوضون من أجلها معارك كبرى كل صباح.

كان له مشروعه الابداعى والذى يعى كل أبعاده منذ الحرف الاول له، فى وقت لم تكن المشروعات الكبرى قد تشكلت بعد، فجيل الستينيات لم يكن حالة مجردة بل هو حالة ثقافية متكاملة، والذى قال عنه اصلان نفسه: جيلنا عاش أحلاما كبيرة وخيبات أمل كبيرة أيضا. فماذا اذا بدأ الكتابة فى هذه الايام فماذا كان يكتب؟!. ويبقى إبراهيم أصلان أديبا ذا خاصية نكاد لا نجد سواه على مستوى الوطن العربي.

المكان

إمبابة والكيت كات ظل لهذين المكانين الحضور الأكبر والفاعل فى كل أعماله، بداية من مجموعته القصصية الأولى«بحيره المساء» مرورا بعمله وروايته الأشهر«مالك الحزين»، وحتى كتابه«حكايات فضل الله عثمان» وروايته«عصافير النيل». وعن هذه النقطة قال يوسف القعيد:«يجب أن يقام لإبراهيم أصلان تمثالا فى مدخل حى إمبابة، لأنه خلّد هذا المكان فى كتاباته، ولولا أصلان ما كانت الدنيا قد عرفت هذا الكيان، الذى كنّا ننظر إليه دائما بوصفه مبعثا للمشكلات، ومنطقة للعشوائيات، لكن أصلان نظر إليه نظرة إنسانية وفنية وأخذ أجمل ما فيه».

طول عمرى أبحث بعد قراءات متعددة لكتابات اصلان عن إجابة لعدة أسئلة كيف حول قسوة الحياة فيهما إلى عذوبة؟، والعوز وضيق العيش فى الحوارى والأزقة إلى حنين وأصالة؟، فلم أجد غير النظرة الفنية والرؤية الخاصة للمكان وللشخوص، والتى لا يملكها أحد غيره، دون تعال ودون التنصل منهما. فهو من ذات المكان، ينتمى لكل تفاصيله التى رصدها بنقاء الصدق.

ولد وبنت والعازف

عندما يقول أصلان إن الرؤية بالنسبة له هى الأساس ككاتب، فقد يتخيل المرء أن من السهل تحويل نصوصه إلى مشاهد بصرية وإلى أعمال، وبينما يرى أغلب النقاد،«أن السرد عند إبراهيم أصلان يتسم بالتركيز والتكثيف والإيجاز والاقتصاد فى لغة الوصف، والدقة فى التراكيب الدالة، لتكون الأحداث بديلا عن جمل الوصف، وتكون انفعالات الأشخاص بديلا عن وصفها من الخارج، وإذا اضطر الكاتب إلى أن يصف فإن الوصف يأتى لأهداف محددة».

لابد وأن أعترف بأن من يقرأ لإبراهيم أصلان سوف يجد نفسه يحيا بين أناس يعرفهم جيدا وسبق له التعامل معهم بشكل أو بآخر، فهو لا يزعق بكلام عن الفساد أو الغلاء أو تدهور الأوضاع، مثلاً، لكننا نجد انعكاس هذا كله على شخصيات أعماله. فأعمال اصلان كلها تبدو خالية من الهم السياسى المباشر.

له قدرة لا يضاهيها غيره فى المحافظة فى كل أعماله، وعلى تكوينات محددة للجملة، لعله استمدها من عمله التلغرافي، كل حرف فى موضعه بفلوس، ليس مجانى بالمرة. ففى قصة«ولد وبنت» من مجموعة«يوسف والرداء» المساحات الموحية أكبر وأكبر من ان تقال، وأوتار الكمان المقطوعة فى قصة«العازف» فى مجموعته«بحيرة المساء» توصل أحوال الكثير منا.

ربما أطلقت عليه«صاحب البصيرة»، لأنه من الأدباء القلائل الذين لم يبرعوا فقط فى تصوير أشخاصهم خارجيا، من حيث مأكلهم ومشربهم وعلاقاتهم الاجتماعية، إنما هو من أبرع من استطاعوا تصوير خبايا النفوس.

صدفة رواية مالك حزين

إبراهيم اصلان كاتب قصة قصيرة بالأساس، وهو عندما يكتب رواية يكتبها بمزاج كاتب القصة مثلما يقول. وقد لا يعلم كثيرون أنه اتجه إلى الرواية بمحض الصدفة. حدث ذلك عندما علم نجيب محفوظ بظروف عمله فى هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية، فكتب له تزكية للحصول على منحة تفرغ للكتابة، قال فيها:«أصلان فنان نابه، مؤلفاته تقطع بموهبة فريدة وفذة ومستقبل فريد، ولمثله نشأ مشروع التفرغ، وعند أمثاله يثمر ويزهر». فشرع أصلان بعد حصوله على المنحة وأراد التفرغ لكتابة مجموعة قصصية جديدة، غير أنه اكتشف أن شرط الحصول على منحة التفرغ هو كتابة رواية أو بحث، لا مجموعة قصصية، فقرر عندئذ كتابة رواية، وكانت الثمرة«مالك الحزين». أصلان يعود دوماً إلى هذا الشكل الفنى المحبب إلى قلبه، مثلما رأينا فى«وردية ليل» أو«حكايات من فضل الله عثمان« أو«خلوة الغلبان»، أو فى عمله الجديد«حجرتان وصالة».

الرواية والسينما

تظل رواية«مالك الحزين» أيقونة الكتابة الروائية، وهى أولى رواياته التى أدرجت ضمن أفضل مائة رواية فى الأدب العربى وحققت شهرة أكبر بين الجمهور العادى وليس النخبة فقط. نال منى الغضب مبلغة عند مشاهدة ربع ساعة من الفيلم خرجت من قاعة العرض وكلى غضب من كم التغيرات الحادثة فى الرواية، بداية من تغيير الاسم.. وكان له رأى وقتها، الرواية لي، والفيلم ملك داود عبد السيد، فمشاهدة الفيلم والاستمتاع به والتفاعل مع محتواه، لا يلغى قراءة الرواية والتى تحافظ لها على الخصوصية، وتظل لها فالكتابة لها جماليات، كما للفيلم آليات مغايرة فى الطرح. وأكمل: ولمالك الحزين كاسم لا يوجد فى الرواية ما يسمى مالك الحزين لكنى استلهمت هذا الاسم لأنه يطلق على طائر كنت أسمع عنه حواديت كثيرة من بينها أنه عندما لا تفيض المياه والخضرة فى بر مصر فإن هذا الطائر يطوى جناحيه ويجلس صامتا وحزينا طوال الوقت أو يحلق فى الجو يبحث عن الرواج ويضم جناحيه ويقع عليهما مرات متعددة فى محاولة للانتحار للتعبير عن حزنه مما أصاب هذا الوادى، فالعنوان مدلول الحكايات التى تدور حول الطائر. فهو تعامل بالفعل مع تحويل الرواية لفيلم كما تعامل نجيب محفوظ مع تحويل رواياته إلى السينما، فكل منها الرواية والفيلم له مفرداته وأدواته ولا يوجد أى تعارض بينهما.

وردية ليل

هو رجل البريد هذا الذى حمل رسائل الآخرين، وعرف آلامهم وأفراحهم وقصص حبهم، نقرأ:«جبال الكحل.. تفنيها المراود» هكذا كانت تقول ولم لا ؟ وهى التى امتلكت مكحلة مدورة من زجاج داخل مخدة صغيرة مكسوة بالساتان الوردى الباهت ومشغولة بالخرز الدقيق، لها فوهة، وسدادة مثل حلمة طرية، معقودة بخيط من حرير، مع مرود نحيل من العاج، فلم لا ؟ رحم الله أمنا رأفة ماتت. وضاعت المكحلة، ولم يعد باقيا الا القليل وظل المثل سائرًا، كلما ضاقت أو ثقلت الأحزان:«جبال الكحل.. تفنيها المراود».

وليمة لأعشاب البحر

كان إبراهيم أصلان أحد أطراف واحدة من أكبر الأزمات الثقافية التى شهدتها مصر دون أن يرغب فى ذلك، وذلك فى سنة 2000م حين نشرت رواية وليمة لأعشاب البحر لكاتبها حيدر حيدر وهو روائى سوري، ضمن سلسلة آفاق عربية التى تصدر عن وزارة الثقافة المصرية وكان يرأس تحريرها وكان لا يحب الحديث عنها ويرى انها ازمة ليس لها لازمة وأخذت حجما أكبر من حجمها، حيث تزعمت صحيفة الشعب والتى كانت تصدر عن حزب العمل وقتها، من خلال مقالات للكاتب محمد عباس حملة على الرواية حيث أعتبر الكاتب أنها تمثل تحديا سافرا للدين والأخلاق، بل أنها تدعو إلى الكفر والإلحاد. مما أثار جدلا عارما فى الأوساط الثقافية، وحشد طلاب الأزهر العديد من المظاهرات يعد أن استفزتهم المقالات التى تصدت للرواية وترفضها ظنا منهم أنها ضد الدين بالفعل، ولم تهدأ الأوضاع وحقق مع إبراهيم أصلان وتضامن معه الكثير من الكتاب والأدباء والمفكرين، غير أن مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر قد أدان الرواية والقائمين على نشرها فى مصر واعتبروها خروجا عن الآداب العامة وضد المقدسات الدينية. وعبر الرجل هذه الحلقة الاشد إيلاما وواقعية فى حياته بالصمت.

وقد لد الكاتب إبراهيم أصلان فى مدينة طنطا، تحديداً فى قرية شبشير الحصة عام 1935، وقضى شبابه وصباه فى القاهرة، كان يقطن فى الكيت كات وانتقل بعدها للوراق ثم المقطم. عمل فى بداية حياته كبوسطجى بالبريد المصري، يقوم بتوصيل الرسائل للبيوت، وبعد ذلك تعرف على يحيى حقى الذى كان يشجعه على ممارسة الكتابة من خلال نشر ما يقوم بتأليفه فى مجلة«المجلة» الذى كان حقى رئيس تحريرها فى ذلك الوقت، ووفر له نجيب محفوظ فى بداية حياته منحه التفرغ اقتناعا بموهبته المبكرة، ثم عمل اصلان بجريدة الحياة اللندنية فى أوائل التسعينيات كرئيس للقسم الأدبى إلى جانب رئاسته لتحرير إحدى السلاسل الأدبية بالهيئة العامة لقصور الثقافة، وفى الذكرى 8 لرحيل أصلان والتى حلت هذا الشهر، 7 يناير عن عمر 77 سنة، فنتوقف قليلا عند بعض المحطات المؤثرة، وتقليب عدد من أوراقه لعلها تكشف لنا بعضا من تأثيره الطاغى فى تاريخ السرد العربى وفن القص تحديدا، ونعرف بعضا من مكانته الفريدة فى المشهد الابداعي.

وقد ترك لنا إبراهيم أصلان تسعة كتب فقط،هذه الأعمال التى تنتصر للحياة وللواقع وللطبقة الوسطى التى تآكلت، فأعماله تسامت مع كل تفصيلة خاصة فى حياة المواطن المصرى فهى شكلت بعاداته وممارساته اليومية تحفة فنية عالمية، رسمة جدارية يعيشها ويشتبك معها طيلة الوقت، فى مداخل البيوت، وفى الأزقة أو حتى فى غرفتين وصالة.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق