رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

إلا قليلًا.. المهزومون يصنعون التاريخ

حركات الإسلام السياسى السُّنية تقابلها حركات الإسلام السياسى الشيعيّة. نظرية الخلافة هى جوهر مشروع الإسلام السياسى السُّني، ونظرية ولاية الفقيه هى جوهر مشروع الإسلام السياسى الشيعي. كلتا النظريتيْن تقوم على إلغاء الدولة الوطنية وإقامة أممية إسلامية. تجتمع الأمة عند السنة تحت راية الخليفة، وتجتمع عند الشيعة تحت راية الولى الفقيه.

إن نظرية ولاية الفقيه هى الفلسفة الحاكمة لإيران، وقد أصبحت هى الحاكمة أيضًا لكثيرٍ من الشيعة العرب. لا تجد النظرية قبولًا لدى الشيعة المعتدلين، ثم إنها تجد رفضًا كبيرًا لدى الشيعة الحداثيين. ولقد امتّد الرفض إلى عدد من رجال الدين الشيعة من العرب والإيرانيين. كان الفيلسوف الإيرانى على شريعتي، ورجل الدين اللبنانى موسى الصدر.. هما أبرز من وقف ضدّ نظرية ولاية الفقيه. فى كتابه «حوارات فى الدين والسياسة» ـ والذى تشرفت بتحريره وتقديمه ـ يقول الدكتور محمد سليم العوا: إن الملّا أحمد النراقى هو صاحب نظرية الولاية الصغرى للفقيه، وذلك على اليتامى والأرامل، فالفقيه ولّى من لا ولّى له. ثم جاء الخمينى بعد قرنين وقال فى كتابه الحكومة الإسلامية: هل كتب على الإسلام أن يخسر منذ غيبة الإمام الثانى عشر كل شيء؟.. إن غيبة الإمام أدت إلى غياب الدولة الإسلامية. لا يمكن إعادة الإمام الغائب. لكن يمكننا إعادة الدولة. قام الخمينى بتغيير الفقه الذى استقر ألف عام ليصبح الحُكم للفقيه، وليصبح هو نائبًا للإمام الغائب المهدى المنتظر.. وهو المرجع الأعلى الذى لا يجوز عزله أو عصيانه، ويظل فى موقعه مدى الحياة. تطلّع الخمينى إلى حُكم العالم الإسلامى سُّنةً وشيعة. وعلى ذلك أعاد صلاة الجمعة بعد انقطاعها عند الشيعة ألف عام، وأجاز صلاة الشيعة خلف أئمة المسجد الحرام، وكانوا من قبل يصلّون فرادى خارج الحرم. كما أن الخمينى الذى كان يسمى أبابكر وعمر بصنميْ قريش، وكان يسب السيدة عائشة والصحابة فى كتابه الفتاوي.. لم يعد إلى ذلك أبدًا. على الجانب الآخر، كان الفيلسوف الإيرانى على شريعتى يؤسس مشروعه الفكرى على التصالح السُّنى الشيعي، وعلى التصالح الشيعى الحداثي. الدكتور على شريعتى هو عالم اجتماع الدين الأول فى إيران. وعلى الرغم من نخبوية أفكاره، كان جمهوره كبيرًا للغاية. فقد طبع كتابه الولاية أكثر من مليون نسخة، وباعت مجمل أعماله قرابة العشرين مليون نسخة. يقوم المشروع الفكرى لـ على شريعتى على أساس مفهوميْن كبيريْن يرى أنهما أساس تمزيق النسيج الإسلامي: التسنّن الأموى والتشيّع الصفوي. وقفَ على شريعتى ضدَّ التشيع الصفوى بوضوح، وقال إنه حدثَ مزج فى الموروث الشيعى الإيرانى بين السلطة الإيرانية الساسانية وبين النبوة الإسلامية. وتمّ اختلاق الروايات والأساطير حول علاقات المصاهرة بين إمام الشيعة الحسين بن عليّ وبين بنت كسرى المزعومة.. بغرض تحقيق الصلة بين السلطة الساسانية والسلطة الإمامية الشيعية. وامتدَّ نقد شريعتى للمذهب الشيعى الصفوي.. إلى نقده للطقوس والشعائر الحسينية، وقال إن الحكام الصفويين اقتبسوها من المحافل المسيحية فى أوروبا الشرقية التى كانت تحيى فيها ذكرى شهدائها.. يقول شريعتي: لقد حوّل الصفويون الإمام الحسين إلى صورة من آلام المسيح. كما دَعَا شريعتى إلى نقد التشيّع الصفوى والتسنّن الأموى معًا، ودعا إلى التقارب بين ما أسماه التسنن المحمدى والتشيّع العلوي. وقف رجال الأمن ورجال الدين معًا ضد على شريعتي. ولما جرى اغتياله عام 1977، كان ارتياح الطرفين كبيرًا. وعلى الرغم من المكانة الكبيرة التى يحظى بها شريعتى لدى المثقفين الشيعة والسُّنة، إلّا أن معظم رجال الدين الشيعة لايزالون يهاجمونه. وما أسهل أن تجد عناوين صحفية لهؤلاء ..مثل المقبور على شرعيتى والهالك على شريعتى والمرتد على شريعتي. يقول خصوم شريعتى من رجال الدين الشيعة: إن شريعتى ليس مفكرًا، ولا إسلاميًّا، ولا شيعيًّا، ولا شهيدًا. بل إن الإمام موسى الصدر والذى اختطِف واغتيل هو الآخر بعد قليل من اغتيال على شريعتي.. لايزال يواجه هجومًا من تيارات شيعية لأنه قام بالصلاة على جثمان على شريعتي. كان موسى الصدر مؤمنًا بالدولة الوطنية فى لبنان، وكان مؤمنًا بالعروبة. زار عبدالناصر وساند ياسر عرفات. وقد كان فى ذلك عدوًا للقوى الخمينية الصاعدة، وهى القوى المعادية للعرب، وغير المؤمنة بفكرة الدولة، أو مفاهيم الحدود والسيادة.

كان شريعتى وموسى الصدر أيضًا من الذين يؤيدون التوافق بين الإسلام والحداثة. وكانا فى ذلك جزءا من مدرسة شيعية كبيرة تضم محمد كاظم شريعتمدارى وأبوالقاسم الخوئى ثم محمد حسين فضل الله.. وجميعهم ضد نظرية ولاية الفقيه الخمينية رفض الإمام موسى الصدر مرجعية الخميني، وظل يقلد السيد محسن الحكيم، ثم الإمام أبوالقاسم الخوئي.

ثمة نظريات تتحدث عن مسئولية الخمينى عن اغتيال موسى الصدر فى ليبيا، وذلك بالترتيب مع القذافى الذى كان من أبرز أنصار الثورة الإيرانية. وحسب كتاب لمؤلف من أصل إيرانى يُدعى أراش ريزنه أزهاد بعنوان شاه إيران، فإن الخمينى علّق على تقرير للسفير الإيرانى لدى منظمة التحرير على أكبر محتشمى والذى أصبح وزيرًا للداخلية فيما بعد ـ مبديًا أسفه على عدم ثورية الإمام الصدر! كان موسى الصدر يرى أن نظرية ولاية الفقيه هى نتاج عقل مريض، ولكن ما حدث هو أنه جرى اغتيال الصدر وشريعتى معًا.. وأصبح الخمينى نائبًا للمهدى المنتظر.

يرى أنصار آية الله الخمينى أنهم بثورتهم فى إيران قد صنعوا التاريخ، ويرى آخرون أنهم قد أفسدوا التاريخ، وأن نهاية التاريخ لم تأتِ بعد، وأنه ربما يكون شريعتى والصدر هما المنتصرين فى المستقبل. تشير الأحداث فى العراق وسوريا ولبنان واليمن إلى الاحتمال الأول. ولكن الدكتورة سوسن على شريعتى ابنة الفيلسوف تحدثت فى مؤسسة الإمام موسى الصدر فى بيروت عام 2016 قائلة: كانت تجربة شريعتى والصدر مختلفة عن عصرهما، وقد فشلت التجربتان معًا. ولكن كما يقول الفيلسوف الألمانى فالتر بنيامين: المهزومون يصنعون التاريخ.

يعيش الإسلام حربًا أهلية قد تدفع الأمة إلى حافة الهاوية. إنها الحرب الخطأ: المكسب خسارة، والنصر هزيمة.

إن أمراء الحرب يشترون بآيات الله ثمنًا قليلًا.


لمزيد من مقالات أحمد المسلمانى

رابط دائم: