رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

العراق بين مطرقة أمريكا وسندان إيران

يحتل العراق مكانة خاصة فى الاستراتيجية الامريكية تجاه الشرق الأوسط بسبب ثروته النفطية، وموقعه الجغرافي، والأحداث السياسية التى حكمت العلاقات بين البلدين فى نصف القرن الفائت. فعلى مدى ما يزيد على ثلاثة عقود، تصدر عراقُ صدام حسين جبهة المُعارضة للسياسات الامريكية فى المنطقة .وقادت واشنطن فى عام 1991التحالف الذى شن حربًا لإجباره على انهاء مُغامرة غزو الكويت وتلى ذلك سنوات الحصار الاقتصادى وصولًا إلى الغزو الأمريكى للعراق فى عام 2003، ثم إعادة هندسة السياسة العراقية وفقًا لمفاهيم المُحاصصة الطائفية التى فرضها بريمر الحاكم الأمريكى للعراق وادت إلى تقسيم المناصب السياسية وفقًا للمذهب او الطائفة فرئيس الجمهورية كُردي، ورئيس الوزراء شيعي، ورئيس البرلمان سُنى وتمت إعادة تنظيم الحُكم على أساس فيدرالي.

فى هذا السياق، ينبغى فهم المواجهة السياسية والدبلوماسية الناشبة هذه الأيام بين واشنطن وبغداد والتى تُفصحُ عن تعقُد العلاقات بين البلدين وتشابكُها فقد كان المُستفيدُ الأول من السيطرة الأمريكية على العراق هو إيران. فقد خلصتها واشنطن من عدوها اللدود صدام حسين الذى ادخلها فى حربِ ضروس على مدى عقد الثمانينيات من القرن الماضي. أمريكا سيطرت بقواتها وجيوشها، بينما زاد النفوذ الإيرانى على الأرض من خلال التجارة، والوجود البشري، والاهم من ذلك سيطرة الأحزاب الشيعية التى عاش كثير من قادتها فى إيران وتلقوا منها الدعم السياسي، والمالي.

وجاء انسحاب الجُزء الأكبر من القوات الامريكية فى عام 2011 ليوفر بيئة مُناسبة لمزيد من التمدُد الإيرانى الذى تجلت مظاهره فى كُل جوانب الحياة اليومية. وأعطى ذلك للحكومة العراقية فُرصة اتباع سياسات تمييزية ضد المُحافظات ذات الأغلبية السُنية وانفجر الموقف فى عام 2014 بظهور داعش وسيطرتها على أرجاء واسعة من العراق الأمر الذى كشف عن ضعف الجيش العراقى من حيث العُدة والعتاد والتدريب، وخلق الظروف لعودة الوجود العسكرى الأمريكى بشكل أكبر. وقع البلدان فى عام 2008 اتفاقًا أمنيًا نظم عملية انسحاب القوات المُقالة الامريكية من المُدن والقُرى واستمرار بعضها فى قواعد عسكرية ، وأن تقوم القوات الأمريكية بتدريب الجيش العراقى وتطوير قُدراته واجراء مُشاورات استراتيجية بين البلدين فى حالة تعرُض العراق لخطر جسيم خارجى او داخلي، وان الغاء العمل بهذه الاتفاقية يتم بتقدم طلب كتابى من أحد الطرفين وان يتم تنفيذه فى خلال عام من تسلم الطرف الآخر هذا الطلب.

وخلال سنوات السيطرة الداعشية، قامت طائرات التحالف الدولى بعشرات الطلعات الجوية على مواقع داعش. كان طيران التحالُف فى الجو وقوات الجيش العراقى وفصائل الحشد الشعبى الموالية لإيران تتحرك على الأرض لتحطيم معاقل داعش وتحرير المُدن العراقية واحدة تِلو الأُخري. أوجد هذا الوضع حكام العراق فى موقف صعب ودقيق للغاية. وأصبح العراق ساحة تنافُس وصراع فالحكومة العراقية لا تستطيع مسايرة امريكا فى خلافها مع ايران ولا تستطيع فى الوقت نفسه أن تقطع علاقتها العسكرية مع واشنطن بسبب عدم استكمال القوات العراقية تأهيلها وقُدرتها على دحر ما تبقى من معاقل لداعش .

حاول العراق مسك العصا من الوسط، ومُمارسة قدر من المرونة التكتيكية التى تُرضى واشنطن وطهران على حد سواء ولكن مع ازدياد حالة الاستقطاب التى بدأت بإعلان الرئيس ترامب خروج بلاده من الاتفاق النووى فى مايو 2018 وتصعيد العقوبات الاقتصادية على ايران وممارسة سياسة أقصى الضغوط عليها وصولًا إلى واقعة اغتيال قاسم سُليمانى قائد قوات فيلق القُدس وأبو المهدى المُهندس نائب قائد قوات الحشد الشعبى فى 3 يناير 2019 أثناء خروجهما بالسيارات من مطار بغداد الدولي. مثلت هذه الحادثة اعتداءً على سيادة العراق وتم بالطبع دون عِلمها، وسقط فيها مواطن عراقي، ولعل هذا ما يُفسرُ الغضبة الشعبية الجارفة ضد تِلك العملية العسكرية. يزداد الامر تعقيدًا إذ تمت هذه الحادثة فى وقتٍ استقالت فيه وزارة عادل عبد المهدى واستمرت كوزارة تصريف أعمال، وفى وقت تشهد فيه العراق حراكًا شعبيًا ومُظاهرات تنتقد النفوذ الإيرانى فى البلاد، وبإسقاط نظام الحكم الذى يقوم على الطائفية وكان أهم دلالات هذا التحرك تركزهُ فى المُدن ذات الأغلبية الشيعية مما يعنى رفض قطاعات واسعة من العراقيين الشيعة مبدأ الطائفية السياسية، وما رافقها من تزايد النفوذ الإيراني.

جاء انفجار العلاقات الامريكية الإيرانية فى الأسابيع الأخيرة والتى أخذت شكل إطلاق صواريخ ضد القواعد الأمريكية وأدت إلى قتل مُتعاقد مدنى واصابة البعض ثم قيام الطائرات الامريكية باستهداف مواقع للحشد الشعبى ترتب عليها قتل 25 شخصًا واصابة العشرات، ثُم مُحاولة عناصر موالية للحشد اقتحام السفارة الأمريكية فمقتل سليمانى و المهندس ثم قذف ايران لقاعدتين امريكيتين بالصواريخ . والعراقُ فى موقفٍ لا يُحسدُ عليه وكُل الاختيارات المُتاحة امام قادتها شاقة وصعبة والقرار الذى أصدره البرلمان العراقى بطرد جميع القوات الأجنبية من العراق وعلى رأسها القوات الأمريكية واعلان الغاء الاتفاقية الأمنية بين البلدين هو قرار لا تملكُ الحكومة أدوات تنفيذه و هو يوجد الظروف لاحياء نشاط داعش، وينهى التوازن الحرج الذى سعت الحكومات العراقية للحفاظ عليه ثُم أن الرئيس ترامب كشف عن أنيابه وأوضح أنه لا ينوى سحب هذه القوات أننا لن نغادر إلا إذا دفعوا لنا مقابل ذلك ويقصد مليارات الدولارات التى أنفقتها الولايات المُتحدة على بناء القواعد العسكرية وبالذات القواعد الجوية الحديثة. وهدد بفرض عقوبات على العراق وصفها بأنها ستبدو هينة مُقارنة بالعقوبات على إيران فى حالة طلب الحكومة العراقية رسميًا انسحاب القوات الامريكية.

وبالطبع، ففى مثل هذه المواقف تكونُ المشاعر مُلتهبة وتتراجع القُدرة على الحسابات الهادئة لنتائج القرارات وعواقبها.

وقلوبنا مع شعب العراق.


لمزيد من مقالات د. على الدين هلال

رابط دائم: