رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الأعياد فى مصر

احتفلنا الأسبوع الماضى بعيد ميلاد السيد المسيح، وسنحتفل الأسبوع القادم بعيد الغطاس، وهذا العيد له تاريخ مصرى خاص بجانب معناه الروحى والأصلى، فهو العيد الذى عمد فيه السيد المسيح فى نهر الأردن بيد يوحنا المعمدان. وحسب التقويم القبطى والمصرى القديم يكون يوم 11 طوبة.

وكان حتى القرن الثانى يحتفل به مع عيد الميلاد الذى يوافق 29 كيهك، ولكن فى بداية القرن الثالث وعلى يد البابا ديمتريوس الكرام البابا الثانى عشر الذى رتب الأعياد المسيحية والأصوام لأنه كان عالماً فى الفلك ووضع حسابا اسمه الأبقطى وهو طريقة حسابية لتحديد مواعيد الأعياد حسب التقويم القبطى، فالأعياد لها شقان زمنى وهو المرتبط بالحسابات والتاريخ، والأخر هو حالة العيد وهو الذى يجعل اليوم مختلفا وله فرح خاص.

وفى مجمع نيقيه عام 325م وبينما كان هناك خلاف بين الكنائس على ميعاد عيد القيامة أجمعت كل الكنائس أن مصر هى أكثر الكنائس قدرة على تحديد مواعيد الأعياد لما لها من التراث الحضارى العميق والعلم الغزير فى الفلك، فأول تقويم كان فى مصر، ورصد النجوم والمجرات كان منذ آلاف السنين على يد المصريين القدماء، وقد صارت الإسكندرية مركزاً مهما لكل من يريد أن يتعلم الفلك والحكمة والطب منذ القرن الثالث قبل الميلاد.

وعيد الغطاس له هذه الأهمية الاجتماعية والتاريخية بجانب الأهمية الروحية لأن المسيحيين الأوائل استبدلوا الاحتفال بالنيل لهذا اليوم، فقد كان النيل فى التراث الاجتماعى والروحى له مكانة كبيرة حتى إن مقياس النيل كان عبارة عن علامة عنخ أو الحياة، وفى العصر المسيحى صار الصليب هو العلامة التى توضع على العامود المدرج الذى يقيس مقدار ارتفاع مياه النيل. وقد وجدت أربعة مقاييس للنيل فى جزيرة فيلة يحمل أحدها ترقيما بثلاث لغات الهيراطيقى والديموطيقى والقبطى. وكان هناك عيد اسمه وفاء النيل الموافق 12 بؤونة عرفه المصريون منذ سبعة آلاف عام حيث ينزل الملك ومعه الأمراء وهو يحمل قضيبا من فضة يضرب به الماء على مكان فى فم الخليج فتتدفق المياه ثم تلقى دمية فى النيل اسمها عروس النيل مع بعض النقود الذهبية، ولم تكن أبداً عروس النيل ذبيحة بشرية. وهذه الخرافة كتبها مؤرخ يونانى اسمه بلوتارك وتناقلها عنه الكثيرون ولكنها ليست حقيقة.

ويحتفل المصريون بالأناشيد والأغانى وتوزع الفاكهة والأسماك، وكان الشعب كله مع الفرعون والأمراء يقضون العيد على جانبى النيل حتى الصباح. وحين دخلت المسيحية وأبطلت العبادات الفرعونية استبدل الأقباط هذا العيد بعيد الغطاس لأن فيه نزل السيد المسيح فى النهر فكانوا يخرجون بعد القداس ليلاً وهم حاملون الفوانيس والشموع ويقضون الليل كله فى فرح وابتهاج حتى الصباح، وكانوا يغطسون فى النيل تباركاً بالعيد، وقد شارك المسلمون الأقباط فى هذا الاحتفال.

وفى أيام الفاطميين الذين اهتموا بمشاركة المصريين فى أعيادهم اعتبروا هذا اليوم عيداً رسمياً يشترك فيه الخليفة نفسه والأمراء وكانوا يوزعون على الشعب الليمون والسمك والقصب. وكانت العائلات أيضاً تأتى وتصنع لها خياما وتزين الشواطئ بالشموع، ويقول ادوارد لين فى كتابه «المصريون المحدثون»: جرت العادة أن يقوم أغلب الأقباط بطقس غريب فى ليلة الغطاس إذ يغطس الرجال والشيوخ والشباب فى الماء احتفالاً بنزول السيد المسيح فى الماء. ويقول المقريزى فى كتاب المواعظ: أنه يُعمل بمصر اليوم الحادى عشر من طوبة ويسمونه عيد الغطاس وله بمصر موسم عظيم، ولما تولى الإخشيديون (935-969م) الحكم كان لليلة الغطاس شأن عظيم، وكان الناس مسلمين ومسيحيين لا ينامون فى هذه الليلة. وقد حضر المسعودى والإخشيد محمد بن طفج أمير مصر فى قصره فى جزيرة الروضة وأمر بإقامة الزينات أمام قصره المطل على النيل، وأوقد ألف مشعل غير ما أوقده أهل مصر من المشاعل والشموع على جانبى النيل. وحضر فى تلك الليلة آلاف البشر مسلمين ومسيحيين، وكان الأكل ما لا يحصى والمشارب والملابس وآلات الذهب والفضة، وكانوا يقضون ليلتهم فى اللهو والعزف على آلات الطرب.

ويذكر بن أياس المؤرخ العربى نفس الحالة فى هذه الليلة ويقول: إذ دخل الليل تزين المراكب بالقناديل وتشعل الشموع بها، وعلى جانبى الشواطئ ولا يغلق فى تلك الليلة دكان ولا درب ولا سوق، ويغطسون بعد العشاء فى النيل مسيحيين ومسلمين سوياً.

هذه هى مصر وهؤلاء هم المصريون، مصر الفرحة دائماً السمحة بالحب وشعبها الذى لا يعرف الكراهية ولا التطرف، فمن أين جاء هؤلاء الذين عكروا حياة المصريين بكراهيتهم؟


لمزيد من مقالات القمص أنجيلوس جرجس

رابط دائم: