تمثل المسطحات المائية حوالى 70% من الكرة الأرضية والباقى يابسة، مما أعطى أهمية اقتصادية للموارد المائية أو ما يعرف بـ «الاقتصاد الأزرق»، وهو مصطلح جديد قدمه لأول مرة الاقتصادى البلجيكى جونتر باولى فى عقب مؤتمر «ريو 20+» عام 2012، ويعنى به الإدارة الجيدة للموارد المائية والاعتماد على البحار والمحيطات فى التنمية المستدامة، مع ضمان احترام البيئة والقيم الثقافية والتنوع البيولوجي، كما يشمل توليد الكهرباء من طاقة المياه، وأنشطة التعدين فى البحار والمحيطات، والسياحة البحرية وصيد الأسماك والكائنات البحرية، واستخراج المواد الخام من البحار، وغير ذلك، ومن الأهداف السبعة عشر لخطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030 يأتى الهدف رقم 14، الذى ينص على الحفاظ وصون المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها بشكل مستدام، والحد من التلوث البحرى وتنظيم صيد الأسماك وإنهاء الصيد الجائر وغير القانوني، والحفاظ على المناطق الساحلية والبحرية؛ وزيادة المزايا الاقتصادية للدول النامية والأقل نمواً من الاستخدام المستدام للموارد البحرية؛ وتعزيز وسائل التنفيذ، بما فى ذلك زيادة المعرفة العلمية، ونقل التكنولوجيا البحرية.
وفى تقرير للبنك الدولى إن الاقتصاد الأزرق يولد 83 مليار دولار للاقتصاد العالمى سنويا، ويعمل به أكثر من 3 مليارات شخص حول العالم، وهناك توقع بمضاعفته بحلول عام 2030، وفى الجانب الاخر، وبرغم الحجم الضخم للاقتصاد القائم على الموارد البحرية، فإن الاستخدام غير المستدام للموارد البحرية يسبب عددا من المخاطر منها فقدان التنوع البيولوجي، الصيد الجائر، تغير المناخ، والتوسع فى أنشطة السياحية البحرية والساحلية، بالإضافــة إلى التلوث البحرى الناشئ عن أنشطـــة استخراج المعادن والنفط والغاز، وأنشطة النقل والشحن البحرى .
أما عن مصر، فإنه كان يجب أن تكون فى مقدمة الدول التى تعتمد على الاقتصاد الأزرق، لأنها تمتلك أربعة آلاف كيلومتر شواطئ على البحرين الأحمر والمتوسط، وأهم ممر ملاحى (قناة السويس)، ونهر النيل، وتسع بحيرات، بالإضافة إلى 60 ميناءً.. كل هذه الثروة المائية كان يتعين علينا أن نحسن استغلالها حتى نصل إلى مستوى دول مثل الدنمارك والنرويج وفنلندا واليونان وسنغافورة ودبى والمغرب، وهى دول لا تمتلك شواطئ مثلنا، ومع ذلك حققت طفرات بسبب حسن استغلال مواردها المائية.. إن الاقتصاد الأزرق اليوم هو طوق النجاة للتنمية الاقتصادية المستدامة فى مصر، وما يتم فى اطار تحويل الموانى المصرية إلى موان لوجستية، للشحن والتفريغ وخدمات وتعبئة وإعادة تصدير وتصنيع وصيانة وتمويل السفن والصناعات البحرية الثقيلة والخفيفة، لهو أمر مهم يستحق الدعم من الجميع، بالإضافة الى الاهتمام بالسياحة الشاطئية وسياحة «الكروز» من القاهرة إلى أسوان ورشيد ودمياط فى نهر النيل أو الموانى، وربطها بالرحلات العالمية واستغلال الساحل الشمالى ومطروح فى فصل الشتاء للأوروبيين، و سياحة اليخوت والغوص والصيد.
وقد منّ الله على مصر بهذه الاكتشافات العظيمة بالمياه البحرية الإقليمية المصرية لاستخراج البترول والغاز لتمثل قمة الأداء، وتسهم فى حل مشكلاتنا، وتحقق لنا نهضة اقتصادية كبيرة، ومن حسن الطالع لعام 2020 أن يتم اختيار ميناء الاسكندرية ليستضيف حدثا عالميا، وهو تنظيم المؤتمر الدولى لمنتدى الاقتصاد الأزرق الذى يقام بتمويل من الاتحاد الأوروبى ورعاية ميناء نابولى ومقاطعة لاتسيو.. لقد جاء اليوم الذى يجب فيه تشجيع رأس المال الأجنبى للاستثمار فى مواردنا المائية التى هى بمنزلة جناح آخر لدعم الاقتصاد القومي، والوصول به إلى النتائج المرجوة لدولة تملك ثروة مائية بحرية كبرى.
د. حامد عبد الرحيم عيد
أستاذ بعلوم القاهرة
رابط دائم: