رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

تأملات مع صوفيا والذكاء الاصطناعى

من فضائل المؤتمر الدولى للشباب الذى انعقد قبل أسبوع فى شرم الشيخ أنه أثار موضوع الذكاء الاصطناعى ودور الروبوت فى المجتمعات الحديثة. ولعل ذلك هو دور المؤتمرات الكبيرة بهذا الحجم أن تثير التطورات الكبرى للإنسانية، والتى تكون فى بداياتها عجبا، وفى وسطها اندهاش، وفى نهايتها أن تكون معتادة، وما بعد النهاية تصير من طبائع الأشياء. وفى المؤتمر كان فيه من كل ذلك حزمة من الموضوعات، فمراقبة النظام الدولي، ومتابعة ما يحدث فى الإقليم، وما يجرى من تطورات فى الداخل المصري، ومراقبة حالة شباب المصريين هو من طبيعة الأشياء المدهشة التى تظهر إلى أى حد يمكن الحديث عن أجيال جديدة فى عصر جديد.

عالم التكنولوجيا مختلف، فخلال جيل واحد تكررت لحظات العجب والدهشة، وعندما صار الأمر معتادا، ومن طبيعة الأشياء كان هناك ما يثير الفزع من أن تخرج الأمور عن مداراتها، فتختل قيم أو تهتز أكوان مما تعايش معه الإنسان على كوكب الأرض. أظن أن أول الاهتزازات الكونية جرت مع النعجة دوللى التى جرى استنساخها أو ما سمى وقتها Cloning وخلاصتها أن مخلوقا جاء إلى الدنيا لم يكن له وجود من الأصل، أو أنه كان له وجود فى خلية، وكما كانت بداية الإنسان كانت فى خلية ما جاءت إلى الكوكب، أو تطورت منه، قبل خمسة مليارات سنة، فإن الإنسان بات عليه الآن التدخل لكى يحسن الأنواع ويطورها ويخلصها من الأمراض، ويزيد الغلة البشرية من اللحوم. وبعد عقود من الدهشة الأولى فإنه بات ممكنا إنتاج اللحوم من الخلايا مباشرة ودون الدخول فى مرحلة تكوين الأبقار أو النعاج، وبعد ذلك ذبحها، واستخدام مكوناتها حسب ما يريد الإنسان ويرغب.

وكانت أول علاقة لى مع الروبوت من قبيل الصدفة البحتة غير مباشرة تماما وفى أثناء وجودى فى الولايات المتحدة للقيام بالدراسات العليا حيث جرت استضافتى كما هو معتاد من قبل أسرة أمريكية فى تلك المدينة الصغيرة من مدن وسط الغرب الأمريكى بولاية إيلينوي.

كان رب الأسرة مهندسا يعمل فى شركة جنرال موتورز لصناعة السيارات، ومنه عرفت أنه بسبيله لزيارة اليابان حتى يتعلم استخدام الروبوت فى الصناعة. كانت اليابان وقتها قد انتهت من المنافسة مع أمريكا وانتقلت إلى التفوق عليها وأغرقت شركات تيوتا وهوندا السوق الأمريكية بعربات جديدة وجميلة وصلبة ومحكمة لا ينفك منها ما يربط، ولا ينكسر فيها ما وضع، لأن الروبوت الذى صنعها لا يتعب، ولا يشعر بالإرهاق ويستطيع العمل على مدى الساعة. وقتها استشاط الرئيس رونالد ريجان غضبا وأوشك على أن يقوم بما قام به دونالد ترامب بعد عقود من فرض أعباء جمركية على السيارات اليابانية التى أتلفت الحال فى سوق السيارات الأمريكية.

اليابان عرفت كيف تتجنب أزمة الخروج من أكبر سوق فى العالم بأن أعلنت تطوعها بتخفيض تصدير السيارات إلى أمريكا إلى النصف، وأن تقوم بفتح مصانع إنتاج سياراتها فى الولايات المتحدة نفسها، أصبح مصنع إنتاج هوندا أكبر مصنع فى العالم بما فيه اليابان. كان صديقى المهندس يستعد لعصر الروبوت فى صناعة السيارات الأمريكية. وفى عام 1986 زرت اليابان لأول مرة، وشاهدت الروبوت لأول مرة، وتكرر الأمر بعد ذلك فى عام 2010 وساعتها كان الروبوت قد نضج تماما، أصبح قريبا للغاية من الروبوت صوفيا الذى شاهدته فى مؤتمر الشباب الدولى فى شرم الشيخ.

مع مرور السنوات بدأ الروبوت يتطور هو الآخر، فى السينما كان تطوره مرتبطا دوما بأمور شريرة منها الاستيلاء على كوكب الأرض، أو تدمير الإنسان الذى لا يحافظ على كوكبه بالشكل اللازم, أما فى الواقع فقد عاصرت كيف اندمج الإنسان الآلى مع الذكاء الاصطناعى لكى يقدم لنا سيارة تسير دون قائد. كيف يحدث ذلك؟ وماذا يحدث لو أن السيارة ارتكبت جريمة قتل، فمن يكون المسئول ياتري، هل هو صاحب السيارة، أم الذى صنعها، أم ذلك الذى وضع فيها البرنامج الذى يحركها والمعروف باسم الألجوريثم أو بالعربية كما عرفت فيما بعد الخوارزمية.

هذا موضوع آخر، وهو يشكل جوهر الذكاء الاصطناعى الذى يحاول القيام بوظائف مليارات النيرونات الموجودة فى العقل البشري، وتجعل الحياة سلسلة من الاختيارات يتم الاختيار منها حسب ما تقرر عبر آلاف أو ملايين من البيانات السابقة القادمة من ملايين قرون الاستشعار لكيف يتم قيادة السيارة وتجنب قتل البشر بها. كل ذلك يتم بسرعة أكثر كثيرا من سرعة الضوء، وما عليك إلا أن تتخيل صعوبة قتل ذبابة فكلما اقتربت منها طارت لأنها تشعر بما سوف تقوم به. هل هناك علاقة بما ترصده أجهزة الاستشعار ونيات القتل فيما أعلم لم يتم رصده، ولكن الله أعلم فربما يجرى البحث العلمى على ذلك الآن، والمهم هو أن السيارة دون قائد لم تقتل أحدا بينما قتل الإنسان فى أثناء قيادته أعدادا منهم بينما أقوم بكتابة هذا المقال.

بعد ذلك تكررت مقابلاتى مع الروبوت المزود بخاصية الذكاء الاصطناعي، وكان ذلك هو الحال فى مطارات أبو ظبى ودبى ونيويورك وهيوستن، وأخيرا جلسنا فى جلسة المؤتمر عن الذكاء الاصطناعى بينما جلست صوفيا التى لا أدرى هل تدخل فى إطار التقسيم الإنسانى بين الآنسة أو السيدة، أو مجرد أن تكون فتاة وكفي، أو كما يبدو فإن عالم الروبوت لا يعرف ذلك التقسيم بين الذكر والأنثي.

كانت الجلسة غنية للغاية، وأدارها بحكمة وطرافة الأستاذ شريف عامر، وكم كان صادقا عندما وصف مشاعره ساعة الاقتراب من صوفيا بأنها كانت غريبة، حالة من الحيرة المختلطة بالعجب، وربما الإعجاب أيضا. أصبحنا فى عصر جديد، لم تكن المسافة قد طالت كثيرا منذ النعجة دوللي، ومنذ جاء إلى الكون كمبيوتر آبل، وساعة أن أصبح الذكاء الاصطناعى جزءا من صناعة السيارات، وأكثر من ذلك قيادتها فتصل بأمر الله إلى ما هو مقدر لها. أيها السادة أنتم الآن فى عصر جديد تماما.


لمزيد من مقالات د. عبدالمنعم سعيد

رابط دائم: