رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

اجتهادات
تروتسكى فى نتفليكس

مشقة كبيرة يكابدها من يصبر على مشاهدة مسلسل وثائقى جديد عن الزعيم السوفيتى ليون تروتسكى، ليس لطول مدته التى تبلغ نحو 400 دقيقة مقسمة على ثمانى حلقات، ولكن بسبب التزييف الذى يحفل به، وكأن منتجيه الأصليين لم يكفهم التشويه الذى لحق بسياسى صمم على مبادئه ودفع حياته ثمنا لها، رغم أى اتفاق أو اختلاف عليها. فى الأعمال الوثائقية، وبخلاف الروائية، لا يجوز تغيير وقائع التاريخ، سواء لسوء قصد، أو دونه. لكن هذا المسلسل لا يُحرف تاريخ تروتسكى فقط، بل يعمد إلى رسم صورة مشينة له ومناقضة للقدر المتيقن من الحقائق التاريخية. ويظهر هذا الميل إلى التشويه منذ الحلقة الأولى، عبر إغفال الأسباب الحقيقية للخلاف الذى دفع تروتسكى إلى معارضة السلطة التى نتجت عن نجاح الثورة البلشفية عام 1917. وهذا خلاف معروفة دوافعه وأبعاده كلها تقريبا، وشرحها تروتسكى فى كتابه الثورة المغدورة الصادر عام 1936.

شرح تروتسكى، فى كتابه هذا، وفى مناسبات عدة، رأيه فى تحول الثورة البلشفية إلى ما سماه دكتاتورية بيروقراطية تُعيد إنتاج العلاقات الرأسمالية، وحدد موقفه تجاه سلطة ستالين فى أنها ثورة مضادة للاشتراكية.

وتبلغ ذروة التزييف فى الصورة التى يرسمها المسلسل لعملية اغتيال تروتسكى، سعيا إلى نفى مسئولية ستالين عنها، وجعلها نتيجة خلاف مع أحد أنصاره. ويستثمر صانعو المسلسل الصلة التى ربطت تروتسكى بقاتله، الذى أجاد تقمص شخصية المؤمن بأفكاره، إلى أن صار قريبا منه، الأمر الذى سهل مهمته. لكنهم يغفلون ما أثبته التحقيق الذى أجرى فى المكسيك عقب الاغتيال، وهو أن القاتل ضرب تروتسكى على رأسه من الخلف، ولم يحدث بالتالى شجار بينهما، بخلاف ما يصوره المسلسل. كما يشمل التشويه ناتاليا سيدوف شريكة تروتسكى، التى رافقته فى مختلف محطات حياته منذ عام 1903، وحتى اغتياله. ولأن هذا ليس أول عمل فنى عن تروتسكى، فالمفارقة أن أفلاما روائية أُنتجت عنه كانت أكثر أمانة فى رواية قصة اغتياله، رغم أن صانعيها ليسوا مقيدين بالحقائق التاريخية، بخلاف الأعمال الوثائقية، مثل فيلم اغتيال تروتسكى للمخرج الأمريكى جوزيف لوسى عام 1972.


لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد

رابط دائم: