عام 1963 كتب الفيلسوف الألمانى كارل ياسبرز لصديقته حنة أرندت قائلاً: سيأتى زمان، لن تكونى حية لتشهديه، سينصب اليهود نصباً تذكارياً لك فى إسرائيل وسينسبونك بفخر إليهم. وحنة أرندت هى يهودية صاحبة كتاب أيخمان فى القدس: تقرير عن تفاهة الشر، وهو عبارة عن سلسلة من المقالات كتبتها لمجلة The New Yorker، تنتقد فيها محاكمة إسرائيل للنازى أيخمان والطريقة التى صور بها كوحش قاتل معاد للسامية والتى أراد الادعاء رسمها له!.. رأت أرندت شيئا مختلفا، رأت نوعا جديدا من مرتكبى المذابح الجماعية، لا تحركه دوافع خبيثة أو قاتلة، ولا يدرك خطورة أفعاله ولا يقبل تحمل مسئوليتها!.
..أثار كتابها فور صدوره جدلا حادا استمر طوال عقد الستينيات، ولم تفرج إسرائيل عن كتبها إلا عام 2000 ولم تناقش الجامعات والمعاهد العبرية بتوسع أفكارها إلا العام الحالى 2019؟!، وهو ما يعنى أن عقل إسرائيل يتغير حتى وصل إلى ماهية الهولوكوست، خاصة أن أرندت اعترضت على تصوير أيخمان من قبل الادعاء الصهيونى على أنه مسير من قبل أيديولوجيا قاتلة (عنصرية هتلر). وقدمت تأويلا بديلا، قائلة: أيخمان كان موظفا مهتما بالتقدم فى مساره الوظيفي، وتجنب التفكير فى عواقب أفعاله الخاصة. وفكرت أرندت فى عقلية قاتل المكتب الذى يمارس جرائمه المروعة من بعيد، ولا يرتكب أعمال القتل بيديه، ويرى نفسه مواطنا صالحا يتبع أوامر الأعلى منه. كان هذا هو السياق الذى طرحت من خلاله مفهومها تفاهة الشر ..وبهذا المصطلح نحتت أرندت مفهوما أنه من الجائز أن الإنسان المجرم قد لا يعلم أنه شرير، أو أنه كان يحمل حقدا مسبقا تجاه ضحاياه!.
لمزيد من مقالات أيمن المهدى رابط دائم: