الوعى كلمة، أو تبدو مجرد كلمة لكنها بنيان، يحتاج إلى زمن ورؤية، وقبلهما نوع من إلإرادة التى لا تترك الأمور للمصادفة.. الوعى ليس مقصودا به المغزى السياسى وحده أو الاجتماعي، أو لنقل ببساطة نوع من تفتيح المسام لعقل الإنسان وروحه، ليتمكن من صحيح الرؤية وبالتالى ينصلح كل ما يترتب على ذلك من التعامل مع شئون الحياة من السياسة وحتى المطبخ...لن تستطيع ان تختار مرشحا فى وحدة محلية إن لم تعرف كيف تقيمه، ولن تستوعب فيلما أو مسرحية إن لم تملك حسا تربى بوعي، حتى طعامك الذى تعتمد عليه، لابد له من وعى لتستفيد منه..
المشكلة انك لا تملك عصا سحرية، أو زرا تدوس عليه فتغير أو تعدل أو تنشأ وعيا.. المسألة بحاجة إلى رؤية، وأدوات، وصبر ..الناس فى عمومها فى بلادنا، فى أمس الحاجة إلى هذا النوع من تفتح المسام.. بحاجة ألا يتركوا نهبا دون لكزات او نغزات إفاقة تطرد غشاوة تحول بينهم وبين معيار واضح للقياس.. أنت محتاج لتفعيل كل السبل لبناء مثل هذا الوعي، الذى محور بنائه هو الثقافة.. وقد أجلت استخدام كلمة الثقافة لأننى صرت أخشى ما تثيره! وربما أخشى الانصراف، أو تصور أن المقصود شأن يخص نوعا من الصفوة، مع أن الثقافة تبدأ من المطبخ وكرة القدم وحتى الذرة! ونحن بحاجة لأن نحدث مصالحة بين المتلقى العام وهذا المعنى ...لماذا أكتب كل هذا؟ أكتبه لأننى أخيرا وعلى اليوتيوب وجدت اجتهادا يستحق التوقف والتحية..
الحكاية انى عثرت بالمصادفة على برنامج اسمه «زى ما بيقول الكتاب»... برنامج لا يستغرق أكثر من دقائق لكنه معمول بحرفية وفنية وبساطة، بحيث يهضم مقدمه أكثر من كتاب، قادم من اكثر من لغة حول الموضوع الذى يتكلم عنه، ثم يتواصل مع متلقيه بسلاسة ودونما أى تعال، وبترتيب كأنه يحكى له حكاية، أيا كان الموضوع او درجة صعوبته، وهو قادر بحضوره وصوته الألوف، أن يستحوذ على الانتباه.
زى ما بيقول الكتاب، مقدمه باحث يعرف نفسه مع كل حلقة، هو الأستاذ أحمد سلامة الذى لم أتشرف بمعرفته، لكن بعد قدر من المتابعة عرفت ان هذا هو الموسم الثانى للبرنامج الموجود على اليوتيوب، واستشعرت الجهد الكامن وراء هذه البساطة، والفنية التى أتصور انها قدمت المعادلة الصعبة.. محتويات معرفية حقيقية عن كل ما يمكن ان يشغلك، ولكن برشاقة ومتعة ، لنتأكد ان المعرفة بهجة! وهذا هو التحدى الذى اجتهدت وارتكزت عليه، فى صفحة الكتب التى تشرفت بإنشائها عام 2000 واستمرت لعقد...
يتفاعل الأستاذ الباحث أحمد سلامة مع متابعى برنامجه.. صحيح انه يملك حسا يقظا لموضوعات الساعة، لكنه يطالب المتلقين باقتراحاتهم والموضوعات التى يسعون للتعرف عليها .. و فى كل موضوع يعود الى المنابع الرئيسية للموضوع، ومن اكثر من زاوية وبأكثر من لغة، يعنى والحمد لله ينقذنا من ثقافة الشبه وثقافة السماع، ويقوم بكل ذلك بمنتهى السهل الممتنع .. يعنى انت تستمتع بمزيج من عربية سلسة ومطعمة احيانا بعامية حلوة، لكلام فى العلم والسياسة والاجتماع وغيرها و لن أضرب أمثلة لأدفعك للبحث عن زى ما بيقول الكتاب، انا على يقين ان جهدا كبيرا وفريقا محترما إلى جانب الباحث احمد سلامه وراء البرنامج الذى يستحق ان يصل الى جمهور اوسع، وأن تبثه المحطات الغارقة فى فقرات الطبخ وبرامج النميمة!.
لمزيد من مقالات ماجدة الجندى رابط دائم: