أدوار شيوخ الفتنة فى معاونة الغزاة هى الأكثر خسة؛ فهم يحرفون الدين لجعله وسيلة لإضفاء الشرعية الزائفة على جرائم المحتلين، نراهم اليوم فى ممالك النار كتجسيد حى لشيوخ تم استئجارهم ليصفوا الغاصب بزعيم الأمة وليصوروا إثارة الفوضى وسفك الدماء وتشريد الملايين وتخريب البلاد وتفكيك الجيوش نصرا للإسلام.
الغاصب المعتدى واحد قديما وحديثا فى تهوره وفجوره واستغلاله وأدواته؛ فهو يرتكب جرائمه بحق شعوب عربية ومسلمة وينفذها بأبشع الصور، ثم يسهُل عليه تأجير مدعين يزعمون كذبا صلتهم بالعلم الدينى ليسوغوا له جرائمه، زاعمين فى تبجح بأن المجرم الذى ارتكب أبشع الجرائم فى حق الشعوب والأوطان والإسلام هو ولى من أولياء الله وأن البلاد المغصوبة تستحق مصيرها لبعدها عن الدين أو لحمايتها من الصليبيين والأوربيين. لكى يجد العثمانى المعتدى قديما المبرر الدينى الزائف لعدوانه على بلاد عربية وإسلامية فلابد له من شيخ فتنة مأجور، ومن رأيناه فى المسلسل ذى القيمة التاريخية والواقعية العالية ممالك النار يسير بذيل السلطان الدموى سليم الأول يخلع عليه صفات القداسة الزائفة ويصدر له فتاوى الغصب والنهب بحجة حماية ديار الإسلام ويكفر سلاطين المماليك ويبيح قتالهم كان لقبه شيخ الإسلام واسمه زنبيلى على أفندي، وهو لا يختلف فى شيء عن شيوخ الفتنة السائرين اليوم فى ذيل المغامر العثمانى الجديد أمثال القرضاوى والقرة داغى والغريانى وغيرهم ممن تعلو أصواتهم بالتدليس والتزوير على شاشات تبث من تركيا. كذب شيوخ الفتنة قديما عندما أصدروا فتاوى بتكفير سلاطين المماليك وهم مؤمنون موحدون وعندما ادعوا أن مصر تحت الحكم المملوكى غير قادرة على حماية ديار الإسلام وتسببت فى إضعاف العالم الإسلامي، فمصر المملوكية كان لها دور كبير فى حماية أراضى وأعراض العرب والمسلمين لعدة قرون، فقد صدت أخطار المغول والصليبين، وتمكن السلطان سيف الدين قطز من هزيمة المغول فى معركة عين جالوت 1260، وفى العهد المملوكى تم وضع الموسوعات التى حفظت تراث الحضارة الإسلامية والأدب العربي، وشبيه بهذا حال مصر الآن مع مراعاة الاختلافات بين عصر وآخر؛ فهى الدرع التى صانت الأمة العربية والإسلامية فى مواجهة الأطماع الصهيونية وخاضت الحروب للدفاع عن الوجود العربى والإسلامى وهى أيضا منارة الحضارة والثقافة العربية والإسلامية، وعلى الرغم من ذلك أصدر أحفاد الشيخ زنبيلى فتاوى تكفر القادة المصريين والعرب محرضين على الجهاد ضدهم، زاعمين أن مصر لن تكون إسلامية إلا إذا تبِعت تركيا وأعلنت الولاء لأردوغان، وذلك لأن الهدف واحد قديما وحديثا وهو إلباس نهب ثروات الشعوب رداء دينيا وطمس معالم الجرائم المرتكبة فى حقها عبر وصف سفاك الدماء بحامى حمى الإسلام. جاءت ذروة إعادة إنتاج هذا العبث مع تأسيس جماعة الإخوان بمصر فى العام 1928 والتى أحيت عبر شيوخها المأجورين أكاذيب ومبررات الغزوات العثمانية، ولكى تبرر الجماعة إنشاءها على أساس دينى فى مجتمع عربى وإسلامى زعمت بأنها محاولة لإحياء الخلافة العثمانية، واجتهد شيوخها ومنظروها فى تمجيد التاريخ العثمانى وطمس مسالبه ومخازيه ومذابحه، على الرغم من أن العثمانيين بشهادة التاريخ هم فعليا من أسقطوا الخلافة التى كانت تحظى بإجماع إسلامى يمتد من المغرب إلى الهند شرقا عندما ألغاها الغازى الدموى سليم الأول الذى قبض على المتوكل آخر الخلفاء العباسيين ونفاه إلى اسطنبول، ناسفا آخر ما تبقى من مدلولات روحية جسدها هذا الرابط الرمزى بين المسلمين على مدى قرون، مُعتمدا ومن خلفه على الظلم والبطش والوحشية لتثبيت السلطة على الشعوب الإسلامية، ومغيبين للمقاصد العليا للشرع الحنيف من عدل وشورى ورحمة، ولم تفارقهم أبدا ممارسات الحط من العرب وإهانتهم ومعاملتهم كرعايا من الدرجة الثالثة، ليصف إبراهيم اليازجى هذا المشهد بقوله: أقداركم فى عيون التُرك نازلة وحقكم بين أيدى الترك مغتصَبُ، سلاحُهم فى وجوه الخصم مَكرهُمُ وخيرُ جندهم التدليس والكذبُ. فى صف مَنْ الإسلام الحقيقي؛ هل هو فى صف من تعاونوا بالسلاح والفتوى المُحرفة على الإثم والعدوان والانحطاط الحضارى الذى تسبب فيه العثمانى ولا يزال وذبح وتشريد الملايين وقفل باب الاجتهاد وشغل الناس بالسجالات الفقهية فى مواضيع تافهة بغرض احتكار المعرفة والسيطرة على العقول؟ أم هو فى صف تبديد الجهل ونشر نور المعرفة لتعريف الناس بحقوقهم وليطالبوا بها، وإحياء البشر ووقايتهم من الأمراض والحفاظ على عافيتهم وأمنهم وتماسك مجتمعاتهم وبناء حضارتهم وحماية أموالهم وثرواتهم؟
وصف المبدع صلاح جاهين الطامعين وشيوخهم الأفاكين ممن يكفرون ويحرضون ضد الوطنيين أصحاب الضمائر الحية والشعور الدينى الصادق والامتداد الحقيقى لبناة الحضارة ممن يقودون مصر والعرب اليوم فى قصيدة على اسم مصر بناس بلا إحساس قائلا: بس الزمان يختلف زى اختلاف الناس، ناس تبنى مجد وحضارة وناس بلا إحساس.
لمزيد من مقالات هشام النجار رابط دائم: