رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

معجزة إلهية
طبيعة الخلاف

أراد الله تعالى التيسير على عباده؛ رحمة بهم، ومراعاة لأحوالهم، ومن ثَمَّ كان وقوعُ الخلاف الفقهي في مواطن الاجتهاد من الأدلة الظنية إرادةً إلهية وسنةً ربانية، وإظهارًا لمرونة شريعة الإسلام ومظهرًا لقوتها؛ حتى يكون فيها من المقومات الذاتية ما يجعلها صالحة لكل زمان ومكان، مع استيعابٍ لِمَا يمكن وجوده ويكون فعلًا للمكلف.

فالخلاف الفقهي بالإضافة إلى ما سبق يُعدُّ منَّة إلهية كبرى؛ فلو شاء الله تعالى لأنزل نصوص الشرع الشريف على صورة قطعية ثبوتًا ودلالة في شتى المسائل؛ ومن ثَمَّ لامتنع وقوع اختلاف الفقهاء في فهم مراد الله تعالى، ولم يكن ثمة عذر فيه، أو ثمة ثواب للمجتهد أصلًا.

ولا يخفى ما في حمل المكلفين على رأي واحد من حرج ومشقة وضيق؛ لكنها رحمة الله تعالى الواسعة بالخلق التي اقتضت أن يكونَ الخلاف الفقهي موجودًا في الشريعة المحمدية، وهو ضرورة لا يمكن الالتفاف حولها أو الخلاص منها؛ لأن نصوص الوحي الشريف منها ما هو قطعي لا يقبل الاختلاف، ومنها ما هو قابل له، وفق ميزان دقيق ومعيار موزون مناسب لأحوال العباد ومتعلق بما يحقق مصالحهم في الدنيا والآخرة.

لقد تقرر في ضوابط الاجتهاد ومقوماته لزوم إدراك المجتهد أبعاد الدلالات الشرعية التي تستفاد من تلك الأدلة، وهذا يحصل بالربط بين الفروع والأصول، وبين الأدلة والأحكام وبين المقاصد والواقع، والتي منها مراعاة النصوص الشرعيَّة دلالة وثبوتًا.

وهي تأتي على أحوال أربعة: فقد يكون النص قطعي الثبوت قطعي الدلالة، وقد يكون النص قطعي الدلالة ظني الثبوت، وقد يكون قطعي الثبوت ظني الدلالة، وقد يكون ظني الثبوت ظني الدلالة. 

وكل حالة من هذه الأحوال الأربع لها حكم من جهة الخلاف والاجتهاد فيها؛ ففي الحالة الأولى: لا يُقبل الخلاف، بل يجب الوقوف عند النص، وردُّ كل قول مخالف إليه، ولو كان مستندًا زعمًا إلى دليل آخر كالمصلحة مثلًا، وعليه يتفرع القول بأن كل ما يحدث ويستجد من قضايا ومسائل تستند أحكامها إلى المصلحة في نظر بعضهم، غير أنها تعارض النص في مثل هذه الحالة، فلا يعمل بهذه الاجتهادات، إنما المصلحة في اتباع النص.

وفي الحالة الثانية: إذا قُبِل النص بمعايير قبوله الموضوعة لذلك فلا ريب أنه لا يقبل معه خلاف من حيث دلالته؛ لأنه لا يحتمل حينئذ إلا معنى واحدًا، ومن ثم كل ادعاء باحتماله معنى آخر يكون على غير أساس علمي، ولا تسانده قاعدة من قواعد تفسير النص، لكن قد يكون الظن في ثبوته؛ بناء على الأسس التي وضعها العلماء لقبول النص، وهذا بطبيعة الحال يكون في غير القرآن الكريم.

وفي الحالة الثالثة: يكون الخلاف مقبولًا في دلالة النص، لكنه لا يكون مقبولًا في ثبوته، بل من رده لأجل عدم الثبوت يرد عليه ذلك؛ إذ لا احتمال في عدم الثبوت حتى يقبل إمكان عدم الثبوت.

وفي الحالة الرابعة: يكون الخلاف مقبولًا ويعذر معه المخالف؛ إذ الاحتمال قائم في دلالة النص وفي طريق ثبوته.

غير أنه إذا كان النص من الظنيات ويحتمل أكثر من معنى، وأجمع الفقهاء على معنى منها وجعلوه هو المراد للفظ، فقد صار اللفظ بهذا الإجماع قطعيًّا في المعنى الذي أجمعوا عليه؛ إذ باتفاقهم عليه صار المعنى الآخر مطروحًا وليس محتملا، ولا معنى للقطع إلا نفي الاحتمال.

وبهذا العرض الموجز لطبيعة الخلاف الفقهي الناتج عن طبيعة النصوص الشرعيَّة من جهة القطعية والظنية نجد أن مناط الاختلاف والاجتهاد المتحقق في دائرة الظنية في هذه النصوص أكثر من دائرة القطعية ومن ثَمّ تحققت صلاحية نصوص الشريعة المطهرة للقيام بمهمتها من إسعاد الخلق وتحقيق مصالحهم المتغيرة، فهي شريعة سمحة سهلة لا حرج فيها كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «بعثت بالحنيفية السمحة» (مسند الإمام أحمد).


لمزيد من مقالات د. شوقى علام

رابط دائم: