رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مجدى المليجى.. ثمانون عاما من العمر الجميل

فى المرحلة شبه الليبرالية، لعبت الصحافة الحرة، دورًا رئيسيا فى نشر أفكار كبار المثقفين وساعدت على ذيوع كتاباتهم وشخصياتهم، خاصة أن بعضهم ارتبط ببعض الأحزاب السياسية، وتقلد مناصب مهمة فى بعض التشكيلات الحكومية، أو فى الجامعة أو القضاء. من هنا تم التركيز على سلسلة تاريخية من المفكرين الحداثيين، أو المجددين للفكر الإسلامى، وإغفال آخرين، لأنهم كانوا فى الظل، أو لأنهم خارج دائرة الأدباء، ومن هؤلاء الشيخ خليفة المنياوى واضع أول تقنين مدنى وفق المذهب الحنفى، أو مانورى المحامى السكندرى الإيطالى، واضع الهندسة القانونية الحديثة، ومحمد عمر الموظف بمصلحة البوسته العمومية وكتابه سر تأخر المصريين وآخرين. نسيان وإهمال بحثى وتاريخى، وتحديدا للدور المهم الذى لعبه المترجمون الشوام المتمصرون والمصريون، فى نقل بعض الكتابات المهمة التى أثرت على العقل المصرى، ودفعته نحو استعارة الأفكار الحداثية، وهو ما يحتاج إلى دراسات تاريخية عميقة، لإعادة كتابة تاريخ تطور الأفكار منذ نهاية القرن التاسع عشر، ثم القرن العشرين فى نصفه الأول، والنصف الثانى الذى لا يزال محدودًا فى المقاربات البحثية. فى مجال الترجمة، يبدو أن عديدا من المؤلفات التأسيسية للمعرفة الحديثة فى الفلسفة والعلوم الاجتماعية والطبيعية اتسم غالبها بالابتسار والعروض العامة لأفكارها، وبعض المؤلفات المهمة لم تترجم كاملة، وعلى نحو منضبط ودقيق، وميل المترجمين إلى ترجمة مصطلحات فرنسية وانجليزية لا نظير لها فى اللغة العربية، بمفردات عربية من الموروث اللغوى، تبدو قريبة من المصطلح الغربى لكنها غير دقيقة. من أبرز هذه العروض، ما تم نقله عن نظرية النشوء والارتقاء لتشارلز داروين وآخرين، من هنا كان الاطلاع على أفكاره وكتبه غائبة على كثرتها وتطورها، إلى أن قام بهذه المهمة الكبيرة مثقف مصرى بارز هو الدكتور مجدى المليجى الأستاذ بكلية الطب جامعة عين شمس، الذى اكتشف هذه الثغرة الكبرى فى المكتبة المصرية والعربية، ونهض بترجمة عديد الكتب والدراسات حول داروين منذ عام 1980 وإلى الآن، وذلك فى أناة وصبر شديدين، إيمانا منه بأهمية نقل أعمال شخصية بارزة، أثرت فى الفكر الأوروبى، والغربى والعالمى، وعندما ترجمت بعض أفكاره اتسمت بالعمومية والابتسار المخل وأثارت ضجيجًا كبيرا فى الحياة الفكرية المصرية والعربية، وترجم إلى العربية أصل الأنواع ونشأة الإنسان، رحلة البيجل وغيرها، من الترجمات التى وصلت إلى تسعين عملًا، ولا يزال يعمل فى جد واجتهاد، على الرغم من وصوله إلى سن الثمانين منذ أسابيع.

صديقى الكبير مجدى محمود المليجى أحد مواليد حى الحلمية الجديدة عام 1939 وأمضى حياته التعليمية الابتدائية والثانوية فى الإسكندرية، وتخرج فى كلية الطب جامعة عين شمس عام 1962، وعين معيدا فى السنة الثانية لتخرجه، وتدرج فى المواقع إلى درجة الأستاذية فى الطب الشرعى والسموم عام 1984. مجدى المليجى أحد أبناء الطبقة الوسطى المدينية، وعاش وتشكل وعيه المدينى فى ظل المرحلتين شبه الليبرالية وبعد نظام يوليو، حيث تكونت ثقافته وتكوينه الحداثى على مستوى القيم والسلوك المدينى، وحرية الفكر، والاستقامة فى الرأى، وعدم الالتواء، والصراحة والموضوعية فى إبداء آرائه العلمية والعامة. عاش فى بريطانيا لسنوات، واكتسب خبرات مهنية عديدة من العمل هناك، وتابع عن قرب التطور التقنى والعلمى فى مجال تخصصه، والأهم الانفتاح الثقافى على منابع واتجاهات الثقافة الأنجلو ساكسونية، فى مظانها المختلفة. الصديق مجدى المليجى مثقف كبير، يمتلك ذائقة موسيقية وحساسية جمالية رفيعة المستوى، للفنون التشكيلية والسينمائية والبصرية قل أن تجللها نظيرا بين مجايليه، أو الأجيال اللاحقة بين المثقفين المصريين عمومًا، وبين كبار الأطباء، ويمثل مع الصديق الدكتور محمد أبو الغار وقلة قليلة مثالا نادرا على الجسارة والاستقلالية والروح النقدية الصارمة فى موضوعية تقوم على المتابعة والدأب، وتذوق الفنون والأدب ومتابعة ما يجرى فى الواقع المصرى، وما يحدث فى عالمنا من خلال القراءة العميقة والقدرة التحليلية على فهم الواقع. كلاهما أستاذ رفيع المكانة والمقام، ويمثلان التتابع فى سلسلة النبهاء من الأجيال البارزة فى الثقافة والطب فى مصر مع قلة قليلة. مجدى المليجى شخصية لا تعرف المجاملة فى غير مواضعها أو سياقاتها، لا يتغاضى عن الأخطاء أو الآراء الخاطئة التى لا تستند إلى المعلومات الدقيقة، أو المعرفة والتخصص، وذلك على الرغم من لطفه الشديد وأدبه الجم وأخلاقه الرفيعة. مثقف كبير واضح الرؤية، لا يخاتل ولا يراوغ فى إبداء رأيه، وذلك لثقته فى نفسه، وقدرته على العطاء بلا حدود. يمتلك روحا وعقلا حداثيين واستقامة سلوكية نادرة. إنسان مقل فى ظهوره وحركته وجُل وقته فى عمله كأستاذ بارز، والترجمة والمتابعة، ولقاء أصدقائه ومحبيه. شخص نادر ومحب لعمله ووطنه، وحاول مثل مجايليه من الكبار أن يسهم فى وضع بلاده وثقافتها إلى الأمام، وتطويرها على الرغم من ميراث التخلف التاريخى الطويل والممتد إلى الآن.


لمزيد من مقالات نبيل عبد الفتاح

رابط دائم: