رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مصر: رهان اللعبة

بينما كان اليوم الأول من ملتقى أبو ظبى الاستراتيجى السادس الذى عقده مركز الإمارات للسياسات (9-11 نوفمبر) يدور حول خريطة القدرات العالمية (العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية) بهدف التعرف على حالة توازن القوى العالمي؛ فإن اليوم الثانى دار تحت عنوان الشرق الأوسط: لعبة جديدة - القوى والتنافس على القوة: ما اللعبة؟ ومن اللاعبون؟. ورغم أن مفهوم اللعبة لم يكن مريحا نظريا وعمليا إلا أنه كان عاكسا للمشاعر والآراء الذائعة فى المنطقة عن نفسها وعن موقعها من العالم وكيف يتعامل معها أو يتلاعب بها. وهكذا صارت صفقة القرن، إعادة كتابة قواعد اللعبة الإقليمية، والقوى الإقليمية باتت فيها إيران تحدى قواعد اللعبة، وتركيا خسارة اللعبة، وإسرائيل صياغة قواعد اللعبة. وفى الجلسة الأخيرة بدا أن كل ما سبق سوف يتوقف ليس فقط على اللاعبين، والملعوب معهم أو عليهم، وإنما أيضا على ثلاث قوى عربية، فمصر هى رهان اللعبة، والعراق مُغير قواعد اللعبة، أما سوريا فهى الملعب وليس غيره.

لاحظ هنا أن التحركات الجماهيرية فى العراق لم تكن قد استحكمت بعد كما هى الآن، ولا كان الحراك الإيرانى قد بدأ كما هو حاله لحظة الكتابة أو فى توقيت النشر. فإذا وضعنا القصة الاستراتيجية لمنطقتنا فوق بعضها فإنها تدور فى إطار عالم تتغير مقدراته بطريقة ضاغطة على الشرق الأوسط الذى مرت عليه لحظة خليجية باتت واقعة فى اختبار كبير تظهر أعراضه فى سوريا (وأعتقد اليمن أيضا!) ولكن العراق ومصر تمثلان عوامل مرجحة لسلامة الإقليم. الأولى بقدراتها النفطية وموقعها الجغرافى يمكنها أن تغير من قواعد اللعبة الجارية لأن بإمكانها أن تكون حاجزا للقوة الإيرانية الفارسية، كما أنها يمكنها أن تكون معبرها إلى العالم العربي. الرهان الحقيقى هو على مصر، وكيف ستكون قدراتها وإلى أين ستذهب هذه القدرات، والإجابة عن السؤالين سوف تحدد مستقبل المنطقة بأكملها.

المدهش فى الموضوع أن النقاش الذى جرى بعد ذلك كشف عن حقيقة مفزعة وهى أن هناك القليل مما هو معلوم عن الجارى فى الداخل المصرى من تطورات داخل الدولة المصرية، وما كان ذائعا أغلبه مماثلا لمثيله فى المطبوعات والدوائر الإعلامية الغربية عن غياب مصر وبعدها عن الدائرة الإقليمية.

وجهة النظر هذه شائعة فى مصر أيضا، وليس فقط فى الدوائر الإعلامية أو الأكاديمية وإنما فى دوائر سياسية لا ترى فى السياسة الخارجية المصرية إلا «دورا إقليمياب قوامه ما كان عليه الحال خلال الستينيات من القرن الماضى حيث يقاس الدور بالمواقف السياسية والإعلامية، وليس عن طريق السياسات التى تغير الحال إلى حال آخر، خاصة ما يتعلق بالصراع العربى الإسرائيلى أو العلاقات مع الغرب خاصة الولايات المتحدة.

والحقيقة هى أن مصر دخلت مرحلة جديدة ومختلفة فى سياساتها الخارجية تبدأ من واقع أن البناء الداخلى هو حجر الأساس فى حماية مصر وتحقيق أهدافها الاستراتيجية فى تعبئة البيئة الخارجية لدعم الداخل المصري. والحقيقة الثانية أن التركيز على البناء واكبه سياسات خارجية تقوم على التعاون والحد الأدنى من الاشتباك فتحافظ على اتفاقية السلام مع إسرائيل، وتدير قضية المياه مع إثيوبيا بحيث لا تقود إلى صراع وإنما إلى عمل مشترك يحقق المصالح الحيوية للطرفين، وإذا كان ضروريا كما هو الحال مع ليبيا فإن القوات المسلحة تستخدم بحزم لإرسال الرسائل أن مصر قادرة على استخدام القوة عندما تقتضى الحالة للتعامل مع الإرهاب. هنا فإننا نجد الحركة المصرية النشيطة تقتصر على الحدود المباشرة لمصر مع فلسطين وإسرائيل فى الشمال الشرقي، ومع ليبيا فى الغرب، ومع السودان وإثيوبيا وإريتيريا فى الجنوب. هذه كلها تمثل القضايا المباشرة التى تتعلق بالأمن القومى المصري، وفيما عداها فإنها تلتصق مباشرة بعمليات البناء الداخلي، ومن ثم كانت هناك اتفاقيات تخطيط الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية التى فتحت أولا أبواب الاستغلال المصرى للمنطقة الاقتصادية الخاصة بها فى البحر الأحمر، وثانيا أبواب تعمير سيناء؛ كما كانت اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع قبرص التى قادت إلى تنمية حقلى ظهر ونور للغاز، والتعاون فى منطقة شرق البحر المتوسط فى نقل وتسييل وتصنيع الغاز على الأرض المصرية. وإذا أخذنا كل ذلك مع تنمية إقليم قناة السويس فإن مصر تصير مركزا إقليميا للطاقة يستضيف منتدى شرق البحر الأبيض المتوسط.

فى كل ذلك فإن مصر لم تكن فى حاجة لاستعراض عضلات عسكرية، فترتيبها بين قوى العالم العسكرية معروف فى درجة متقدمة، كما أن مشترياتها من السلاح خلال الأعوام الماضية معلومة إلى الأصدقاء والخصوم وكلها تعطى الرسالة أن الاعتداء على مصالح مصر الحيوية سوف تكون له نتائج موجعة. ولم تبخل مصر على الأشقاء العرب لا بالنصيحة، ولا بالاستعداد للتعاون، فكانت المناورات العسكرية الكثيفة مع السعودية والإمارات والبحرين والكويت والأردن، كما كان الاقتراح المصرى بإنشاء قوة عسكرية عربية موحدة مبكرا وكافيا لتحقيق توازن حقيقى فى قوى المنطقة.

ولكن أهل مكة دائما هم الأدرى بشعابها، وفى كل الأحوال فإن البناء المصرى وارتفاعه على مدى الساعة هو فى الأول والآخر ليس لمصر وحدها، وإنما هو إضافة للقدرات العربية، ومن يراهن عليها فقد كسب الرهان. ولعل ذلك بعد عرضه فى المؤتمر من قبل المصريين المشاركين من قبل المركز المصرى للدراسات الاستراتيجية كان الدافع لأحد المشاركين من العرب للقول بأن هذه ليست الصورة التى نعرفها عن مصر، وهذه صورة تستحق التعرف عليها.

السؤال الآن هو لماذا لا تتطابق الصورة المصرية الذائعة حتى فى الدوائر العربية القريبة مع ما هو واقع بالفعل وتتوافر المعلومات عنه والشهادات فى الدوائر الاقتصادية والمالية العالمية، وتشهد عليه الحقائق على أرض مصر؟ الإجابة عن ذلك تتطلب قدرات ليست متوافرة لدى كاتب واحد، كما أن وضعها فى إطار الحالة الإعلامية ليس كافيا، وفى كل الأحوال فإن الأمر يحتاج كثيرا من التفكير والتقدير فى الرسالة التى نرسلها ولكنها لا تصل إلى المرسل إليه.


لمزيد من مقالات د.عبدالمنعم سعيد

رابط دائم: