مسألة التعلم، والتعليم، لا يختلف على أهميتها، أو عليها، أحد، ولكن قد يختلفون فى الأولويات، وليس فى أهمية المسألتين، فى أى الخطوات نبدأ، وهو دور الحكومة، وكيف تقترب من الحل الجذرى، لهذه الأزمة، التى تؤثر فى مستقبل الوطن، وفى كل المجالات الاقتصادية، والسياسية، والأمنية.
وبمناسبة أن شهر نوفمبر هو يوم الطفل، فى كل أنحاء العالم، وبمناسبة الاحتفال بالعيد الثلاثين لهذا اليوم المهم، فيجب أن نحنو على الطفل المصرى، ونوجه اهتماماتنا نحوه، فى كل المجالات، لأنه مستقبل الوطن، وأملنا فى التقدم، والنمو، خاصة الأطفال الفقراء، أو من لا يجدون الرعاية، والاهتمام، بالتعليم، والصحة من أحد، وفقدت أسرهم القدرة، فى هذا المجال، وتُرِكوا للشارع، أو التسرب من التعليم، الذين هم الأولى بالرعاية، والدعم، والاهتمام، والتركيز الوطنى، ومصر لها تجارب، عظيمة، فى مواجهة مشكلات حادة، ومزمنة، أعاقت تقدمها، ونموها، لسنوات طويلة، لعل أهمها، فى الأعوام الأخيرة، هو التخلص من فيروس سى، الذى أكل أكباد المصريين، ودمر حياتهم، وأخذ باقتصادهم، بل سُمعتهم، فى محيطهم، وقبلها بسنوات تخلصنا من شلل الأطفال، الذى كان سُبة فى جبين الوطن تجاه أبنائه، وكانت مصر، البلد النامى، هى البلد القدوة لعالمها، فى الاقتراب، والحل، الحاسم، لمشكلات مجتمعية حساسة، وصعبة، إلى هذه الدرجة، ومزمنة، وتؤثر فى حياة، ومستقبل أبنائها.
ونحن الآن نعيش عصر الحلول الجذرية لمشكلاتنا، فقد عالجنا سعر صرف الجنيه، وقمنا بإصلاح اقتصادى صعب بحسم، ونحل مشكلة الطرق المصرية، ونبنى كل يوم طريقا ونتجه إلى شبكة مواصلات، وطرق عامة، نأخذ الأمر بكل جدية، حتى لو أدى ذلك لإزالة منشآت، أو مقابر قديمة، من مكانها، حتى يكون الطريق، والرصيف، مكانا فى حياتنا، بعد أن اختفى سنوات طويلة.. وهكذا وجدنا طرقا مصرية، وكبارىَ، تأخذ بالمعايير العالمية، عند الإنشاء، وستكون الخطوة الأكثر تأثيرا فى مستقبل الوطن، وفتح شرايينه، وإمكاناته أمام أبنائه، ومجالا لبناء اقتصاد زراعى، وصناعى، وخدمى متقدم، يتناسب مع العصر الراهن، بكل تطلعاته، وزخمه، وتطوره، المذهل، ولعلنا نذكر، بكل فخر، الاتجاه الضخم، والصعب، إلى شمول جميع أبناء الوطن، بكل شرائحه؛ أغنياء، وفقراء، التأمين الصحى الشامل، الذى سيؤدى إلى حماية الأسرة المصرية، التى يهددها الفقر، والمرض، وفى الوقت نفسه بناء نظام صحى يكفل أن تصل الخدمة الصحية بكفاءة، واقتدار، ومساواة، لكل الأسر المصرية، من مصاريف العلاج، ومستحقات المستشفيات، وحماية حقوق الطبيب، والممرض، وشركاء الخدمة، مما سيكون له أثر إيجابى على مستقبل هذه المهنة، السامية، وتطورها، فى مصر.
وحتى لا أبعد بعيدا, فإننى أرى أن ما يحدث فى مجال التعليم، وإنشاء جامعات، ومدارس جديدة، واتجاه للتحديث الشامل، وتدريب المعلمين، وإدخال التكنولوجيا، ومراكز المعرفة العالمية، ولكن ما أراه غائبا، وأردت أن أُذكِّر به، فى عيد الطفل، أننا فى حاجه إلى الاهتمام بخفض فقر التعلم، وأننا فى خِضم أزمة تعلم عالمية، تَخنق الفرص، بل تقتل تطلعات مئات الملايين من الأطفال، ونريد أن ننجو بأطفال مصر، خاصة الفقراء، من هذا المصير المظلم، وأن نطلب من الحكومة أن تضعهم فى مقدمة الأولويات، عند التمويل، وأن يشاركهم المجتمع، بكل فئاته وشرائحه، فى مواجهة ذلك، بمنتهى التواضع، والحب، للأطفال، ونحن نعرف أن إمكاناتنا محدودة، وأنهم من الممكن أن يتوهوا فى صراعات البحث عن التمويل، خاصة أنهم من المجموعات الضعيفة جدا، لا صوت لها، ولكن ضميرنا يهزنا، و يطالبنا بأن نضعهم على قمة اهتماماتنا، لأن بهم تتقدم الأمة، وتنجو من السقوط، والضياع، فالأرقام تكشف أن 59% بمنطقتنا لا يستطيعون القراءة، فهناك 43% من أطفالنا، فى سن العاشرة، عاجزون عن القراءة، فى عام 2030. أى أن الأمية تزحف على مصر بشكل مخيف، يهدد كل تطلعاتنا، لبناء أمة عظيمة، وتحقيق أحلامنا فى بلدنا، التى فى خيالنا، وأطالب المجتمع المدنى بالمشاركة, بفتح المساجد والكنائس معا، من أجل تحقيق هذا الهدف السامى، وهو هدف طموح، وقابل للتحقيق, كيف نتواضع، ونؤلف كتابا واحدا، وبسيطا، للقراءة.. كيف نتواضع، وندرب الآلاف من المصريين القادرين على تعليمه، والتعامل مع الأطفال، سواء كانوا معلمين أو غيرهم، وأن يكون هدفنا بسيطا، ومحددا، وسريعا، وهو إتقان القراءة، فى المدارس الابتدائية، وتوفير إرشادات مفصلة، وتقديم تدريب عملى للمعلمين، وأن نجعل من قضية القضاء على فقر التعلم أولوية قصوى، مثل إنهاء الجوع، والفقر المدقع، حتى لو أدى إلى تعليم الأطفال القراءة باللغة، التى يستخدمونها فى المنزل.. لا نبحث لأطفالنا عن شهادات، سواء ابتدائية، أو إعدادية، أو ثانوية.. ابحثوا لهم، ومعهم، عن التحول نحو التعلم، وليس الشهادة.. إنهاء فقر التعلم سيفتح لهم آفاقا أوسع لحياتهم، ولأسرهم المستقبلية، ولدورهم الوطنى المقبل، وتحسين نوعية العنصر البشرى المصرى، وسوف تكون النتيجة مباشرة لهذا الهدف، وسنكون أمام العالم من الدول المحترمة جدا، لأن القراءة حق أساسى من حقوق الإنسان.. فهل نستطيع أن نقدم هذه الخطوة؟.. فمحو الأمية من الأهداف السامية للشعوب الحية..
أرقام التسرب فى مدارسنا مرتفعة، وكبيرة، وعندنا نقص فى التمويل، ونقص فى المدرسين اللازمين، ونقص فى عدد الفصول، وعندنا كذلك هجرة التلاميذ للمدارس أرقامها تقول إن عشرات الآلاف هجروا مدارسهم، وعلى الرغم من كل ذلك، فإننى أرى مصر قادرة, إذا وضعت هذه الأولويات، وملكت الإرادة، مثلما فعلت ذلك، من قبل، فى قضايا عديدة، حاسمة، تبنتها فى السنوات القليلة الماضية، ولعلى أقول، مثلما قال البنك الدولى، للمسئولين فى كل أنحاء العالم، لتشجيعهم على هذه السياسة الرشيدة: الأطفال، الذين سيبلغون العاشرة فى 2030 ، هم هدف مصر للتحول، وكل مشروعاته المستقبلية، تضعهم أمامها.. سيولدون من العام المقبل إذا ما بدأنا الآن فى وضع هدفنا كل أبناء المجتمع، للتخلص من فقر التعلم، والأمية، الزاحفة علينا، قبل 2030..
لمزيد من مقالات أسامة سرايا رابط دائم: