قرون مضت على رحيل السلطان طومان باى آخر سلاطين الدولة المملوكية التى حكمت مصر فى مطلع القرن الثانى عشر بعد تولى عز الدين أيبك الحكم فى العام 1250 وتبعه ابنه المنصور الذى عزل لصغر سنه بعد أن أرسل التتار جيوشهم باتجاه مصر، وتم تنصيب السلطان سيف الدين قطز، ومابين قطز وطومان باى سمات مشتركة، فيكفى أنهما أكثر السلاطين المماليك الذين ارتبط بهم الشعب المصرى وأحبهما والتف حولهما، وكان توليهما القيادة دون سعى منهما إليها، وكلاهما خاض حربا ضد قوة غاشمة، وانتهت حياتهما بغدر اذ قتل قطز بعد خمسين يوما من انتصاره على التتار وشنق طومان باى بخيانة ممن لجأ إليه طالبا الأمان لينظم صفوفه ويواصل حرب الشوارع مع العثمانيين، وظلت جثته معلقة على باب زويلة ثلاثة أيام، لكن دفنه كان حدثا عظيما، ورغم مرور القرون على رحيل السلطان طوماى باي، فإن التاريخ يثبت انه يخلد الأبطال، وأنه مهما طالت السنون لابد ان ينصفهم ويلفت الأنظار إلى بطولاتهم، ليقدمهم للأجيال فى الصورة الحقيقية التى تليق بهم وبما قدموه لمصر، فهاهو مسلسل ممالك النار يعيد للمشهد قصة نضال السلطان طومان باى من خلال عمل درامى هو الأكبر فى تاريخ الدراما التليفزيونية العربية، بلغت ميزانية إنتاجه أربعين مليون دولار، مكنت مخرجه البريطانى بيتر ويبر ان يقدم عملا ضخما عالمى المستوى من حيث التصوير والأزياء والديكور والمعارك، وشارك فى بطولته عدد كبير من النجوم المصريين والعرب يتقدمهم الفنان خالد النبوى الذى يجيد تحدى النفس بتقديم ادوار غير نمطية، تضع أعماله فى خانة الكيف لا الكم، ومن الطريف ان العمل شهد تميزا فى أداء طفلين هما المصرى معتز هشام فى دور السلطان سليم الأول والسورى إدريس خروبى فى دور طومان باي، ورغم انتهاء دوريهما بعد حلقتين إلا أنهما لفتا الأنظار خصوصا معتز الذى يملك وجها معبرا يذكر من يشاهده بالفنان العبقرى عمر الشريف، وكان اختيار اسم ممالك النار موفقا من المؤلف محمد سليمان عبد الملك، إذ كانت النار سببا فى اتساع رقعة حكم الدولة العثمانية التى استخدمت البارود والبنادق والمدفعية فى بداية ظهورها على ساحات القتال لتمنحها التفوق على كل الجيوش التى قابلتها، والى جانب التفوق العسكرى من عتاد وإعداد، لعبت الخيانة دورها فى حسم المعارك خصوصا فى معركتى مرج دابق هناك بالقرب من حلب حيث انتصر سليم الأول على السلطان قنصوه الغورى عام 1516، والريدانية التى هى منطقة العباسية على السلطان طومان باى فى يناير 1517، لينتهى بعدها حكم المماليك وتدخل مصر عهد الدولة العثمانية، ومن عجب ان هناك من انبرى متحدثا عن ان مسلسل ممالك النار يمجد فى غازى كرها فى غازي، فى إشارة الى ان طومان باى وسليم الأول ليسا مصريين، لكنه غاب عن فهم هؤلاء أن طومان باى جاء الى مصر صغيرا وتربى على أرضها وصار من اهلها، كما هو حال قطز وبيبرس وقلاوون وغيرهم من المماليك الذين تربوا وعاشوا وماتوا على ارض مصر، والدليل حالة الحزن النبيل التى عاشها المصريون بعد وفاة طومان باى واستمرت لمدة أربعين يوما وخروجهم خلف جثمانه بالآلاف، ما أثار إعجاب سليم الأول الذى شارك فى الجنازة، تحية للفارس الذى رفض عرضا بتولى مقاليد الحكم فى مصر تحت الولاية العثمانية، وقاوم رغم تخلى بعض الأمراء المماليك عنه وانضمامهم الى الجيش العثماني، فقاد الاهالى فى حرب شوارع كبدت العثمانيين خسائر كبيرة فى بولاق ووردان وامبابة، قبل ان يستخدموا المدافع التى اسقطت نحو خمسين الف قتيل، بعدها وقع طومان باى فى الأسر وأوعز المماليك للسطان العثمانى بقتله خوفا من شعبيته الجارفة لأنه لن يستسلم وسيكون ملهما للأهالى ليواصلوا المقاومة، تلك كانت قصة طومان باى التى يتناولها المسلسل الذى حقق نجاحا كبيرا قبل أن يبدأ عرضه على الشاشة من خلال تصدره لمؤشر البحث على جوجل وتويتر، وجذب أنظار المشاهدين حتى من غير المهتمين بالأعمال التاريخية، وربما يكون السبب ماقامت به وسائل الإعلام التركية من هجوم على العمل قبل أن يعرض معتبرة أنه يسعى لتشويه تاريخ الدولة العثمانية وسيرة السلطان سليم الأول، استنادا إلى فيديو الترويج للمسلسل الذى تضمن مقولة: قانون دموى حكم إمبراطورية فأصبح لعنة تطاردهم، أما قناة الجزيرة فدخلت على الخط بتأكيدها أن المسلسل أنتجته الإمارات وتبثه قناة سعودية نكاية فى تركيا ورئيسها اردوغان، لكن الرد على هذه الاتهامات جاء على لسان مؤلف العمل الذى وصف المسلسل بالمحاولة الجادة لتصحيح وعى المتلقى وتوسيع مداركه، ليستطيع مواجهة تزييف التاريخ، من هنا تأتى أهمية الاعمال الدرامية الجادة، وفى تاريخنا العربى العديد والكثير من الأبطال الذين يستحقون ذكر بطولاتهم.
لمزيد من مقالات أشرف محمود رابط دائم: