رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مصر إذا تكلمت

نعم مصر اذا تكلمت ستحكى العجائب والمدهشات والأحداث العظام والجسام التى شهدتها الدنيا ودارت على أرضها وتعذبت بها وقاست منها واستغلت واستنفدت ثرواتها وحرم منها أبناؤها وعذبوا واستشهدوا بسببها واحدة منها قصة حفر قناة السويس الذى يوافق اليوم 17نوفمبر ولكن من عام 1869 تاريخ حفل افتتاحها الذى استضاف من أجله الخديو اسماعيل سبعة آلاف من الاوروبيين تكلفت مصر بنفقات مجيئهم وعودتهم الى بلادهم واقامتهم والهدايا التى قدمت لهم وكان فى مقدمة الضيوف جميع ملوك وأمراء أوروبا وفى كتاب من أروع ما قرأت عن قصة قناة السويس للدكتور مصطفى الحفناوى الذى ارتبط اسمه وتاريخه الوطنى ودراسته ورسالته للدكتوراه بالقناة وحقوق بلادنا فيها وكيف حولها الفرنسيون والانجليز الى مشروع استعمارى لخدمة مصالحهم وتحقيق أطماعهم فى مصر والشرق الأوسط والأقصي.. وفى وصف حفلات الافتتاح قال: أقيمت حفلات صاخبة لم يشهد التاريخ مثلها من قبل وأريقت الخمور وصخبت الموسيقى وحشد رجال الإدارة الفلاحين ليرقصوا طربا تكريما للضيوف وهم يتضورون جوعا.. افتتحت القناة تحت راية تلك المظالم المفزعة.. ولكن الله يمهل ولا يهمل وسنبين كيف أن القناة ومأساتها الدامية تطورت الى أزمات أطاحت باسماعيل، أما ديليسبس الذى انفرد دون الوالى بتقبل برقيات التهانى فقد ضحكت له الدنيا بعض الوقت ثم ساقه الفرنسيون فى آخر أيام حياته الى قفص اتهام أمام محكمة جنايات باريس التى قضت عليه بالسجن خمس سنوات بتهم أقلها النصب والاحتيال! مشاهد جرائم السخرة التى نفذ بها ديليسيبس حفر القناة ووثقها .د.الحفناوى أهديها لمن يريدون إعادة رفع تمثاله على مدخل قناتنا لعل ضمائرهم الوطنية والانسانية تستيقظ.

- هوت السياط على ظهور الأبرياء من المصريين الذين سيقوا الى منطقة الحفر آلافا مؤلفة وفى ايديهم السلاسل والاغلال وكانت مناطق الحفر أشبه بأودية الموت وقد فشا فيهم وباء الكوليرا بدرجة مروعة وتساقطوا بعشرات الآلاف وطويت عظام هؤلاء الضحايا بامتداد القناة وعلى جانبيها الآسيوى والإفريقى وزاد عددهم على مائة وعشرين ألفا استشهدوا فى أسوأ الظروف وأقساها وأثناء أعمال الحفر ظهرت مادة طينية سائلة تحتوى على فسفور حارق فجند ديليسبس وحشد جميع الصيادين الذين كانوا يعملون في شمال الدلتا وفى بحيرة المنزلة لانتزاع هذه الطبقة الطينية فأفناهم عن آخرهم ولم ينج واحد منهم من الموت.

أرجو أيضا لإحياء الذاكرة الوطنية بما ارتكبه ديليسبس من جرائم بحق المصريين فى حفر القناة قراءة واحد من أهم الكتب التى تناولتها بعنوان السخرة فى حفر قناة السويس بقلم د. بدالعزيز الشناوى فهى وثيقة وطنية تدعمها وثائق تاريخية في357 صفحة أهداها لى فى ذكرى افتتاح القناة الزميل والصحفى البورسعيدى الكبير حمدى تمام وأهدانى معها تحفة وطنية وثقافية وتاريخية فى صورة مجلد ضخم من القطع الكبير بعنوان قناة السويس الجديدة هدية مصر للعالم، جمع المؤلف فى مؤلفه الضخم تاريخ قناة السويس التاريخية وكيف استغلت وأديرت وفق المصالح والأطماع الاستعمارية الفرنسية والانجليزية وقناة السويس الجديدة التى جسدت حلما وتكاتفا قوميا يتجاوز ان يكون مجرد معبر ومجرى ملاحى الى مركز اقتصادى لمنطقة إستراتيجية من أغنى واهم مناطق مصر فى إطار التنمية الشاملة التى تتم فى مصر كلها وكيف تدافع وتسابق المصريون لتوفير نفقات حفرها وكيف بلغت حصيلة بيع شهادات استثمارها 64 مليار جنيه مع إقفال الاكتتاب بزيادة 6.5 % عن المستهدف لتمويل المشروع ..وفى رأى أنها وثيقة تاريخية بما يمكن ان يفعله المصريون من أجل بلدهم اذا توفرت لهم المعرفة والمصداقية والمشاركة الحقيقية.

لقد أبحر المؤلف فى أدق وأعمق وأكبر وأصغر التفاصيل وأتاحت الطباعة والورق المصقول بعرض ملون رائع لأهم الصور والشخصيات والأحداث والخرائط والرسوم التوضيحية التى ارتبطت بالقناتين ومن أروعها لوحة الفنان عبدالهادى الجزار وكانت أيضا لوحة غلاف كتاب المؤرخ .د.عبدالعزيز الشناوى عن السخره فى حفر قناة السويس والتى يحكى المؤرخون ان الجنود كانوا يدخلون القرى ويقفون أمام المساجد بعد صلاة الفجر ويلقون القبض على الفلاحين وينقلونهم بالقوة الى منطقة القناة.

أيضا لفتنى فى المؤلف الضخم قصة المهندس المصرى سليمان القلعى أحد مهندسى المشروع الذى شارك فى الكشف عن اسرار وطبيعة مناطق حفر القناة وتكوين تربتها وكيف أخفى وأنكر ديليسبس حقه التاريخى والثابت كما أنكر فضل وحق كل من كان له دور ليظل مجد حفر القناة له وحده كما يحاول حتى الآن من يطلقون على أنفسهم جماعة محبى قناة السويس. أتمنى أن تجسد هذه الدراما الانسانية الدامية والتى ليس لها مثيل فى عمل درامى كبير تعرف به الاجيال الصغيرة قصة حفر القناتين. أتمنى أيضا أن تنشره وزارة الثقافة فى طبعة شعبية أنيقة تصل به الى كل من يريد معرفة ملحمة حفر القناتين التى لو اسعفتنى عافية الابداع لكتبت قصة عروس صغيرة من الصعيد أخذوا حبيبها بالقوة ليشارك فى حفر القناة وخرجت تبحث عنه فى مصر كلها حتى اهتدت الى مكان الحفر وجمعت ماتبقى من آثاره بعد استشهاده... إيزيس أو مصر التى اذا تكلمت ستحكى مالم تشهده أرض وشعب من ظلم وقهر واستبداد وتعذيب وحرمان واستغلال من دول استعمارية تضع الآن أقنعة حقوق الإنسان!.


لمزيد من مقالات سكينة فؤاد

رابط دائم: