رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

منمنمات ثقافية
ثقافة..عدوك ابن «كارك»..!!

دون سابق إنذار تداعت لذاكرتى كلمات د. يوسف ادريس عندما حذر فى ثمانينيات القرن الماضى من أخلاقيات الزحام، مشيرا إلى أن افتقاد الإنسان مساحة مادية فى المحيط الذى يتحرك فيه له تداعيات سلوكية وأخلاقية خطيرة..، لتخايلنى علامة استفهام مشاغبة..هل افتقاد هذه المساحة والزحام وبالتبعية التكالب على لقمة العيش هو السبب أن مقولة «عدوك ابن كارك» أصبحت واقعا يوميا نكتوى بناره؟!.

وقبل أن أستطرد أود أن ألفت انتباهك عزيزى القارئ إلى أن كلمة «الكار» لا علاقة لها بالكلمة الإنجليزية التى تعنى سيارة أو مركبة. ففى معجم المعانى المجمعة كلمة « كار» تعنى حرفة وصنعة ولعل الارتباط الوحيد بينها وبين أدوات النقل والحركة بسرعة، فعل كر - أى جرى- وكلمة «مكارى» التى كانت تطلق على سائقى العربات الكارو فى سالف العصر والأوان..

وكان ويا ما كان لكل صنعة أو حرفة كبير أو معلم له صبيان يدربهم ويعلمهم سر الصنعة ويلقنهم حبها والفخر بما تشكله أناملهم بأدواتهم البدائية البسيطة، ولو كان عملهم يقتصر على إعداد الخامات للأسطوات ومن ارتقوا فى مراتب الحرفة، وحتى أولئك الذين لم يحصلوا على صك الاعتراف من أرباب الحرفة بحق مزاولتها والاستقلال عن معلمهم الكبير. كان أرباب الحرف يعلمون صبيانهم احترام أبناء الصنعة وأخلاقياتها والأكثر خبرة فيها والصبر والمثابرة والدقة والإتقان.

هذا ما كان فإذا ما توقفنا اليوم أمام أحوال أصحاب « الكار» الواحد أو «أرباب الكًارات»، كما يطلق عليهم المعجم، سنكتشف العجب العجاب وأننا جميعا بتنا ضحايا بعد أن أصبحت مقولة «عدوك ابن كارك » القاعدة، لا الاستثناء !!

وإذا كانت كتب التاريخ تحفظ صفحات عن مهارة العامل المصرى الذى أقام المعابد والأهرامات قبل آلاف السنين، وعن أرباب حرف سحبوا البساط من تحت أقدام الصناع فى العصر الوسيط وترسم صورا لمواكب «أصحاب الكار» فى مختلف المناسبات وتروى عن نقل الصناع المصريين للآستانة واهتمام محمد على باشا بتطوير الحرف وتورد شذرات عن أحوال الصناعة فى القرن العشرين، إلا أنها لا تحدد لنا متى بدأ تدهور الحرف وكيف ضاع سر الصنعة وأخلاقياتها وتلاشى دور أربابها ليصل الحال لما هو عليه الآن، فيفقد تعبير «ابن كار» كل دلالته الإيجابية ويعبرعن العداوة بين أبناء نفس الحرفة أو عداوة «الكار»!!.

الغريب أن هذا الكم من الانتقادات التى يوجهها أبناء «الكار» الواحد لبعضهم البعض يقترن بعدة ظواهر مزعجة، منها عدم إتقان العمل والتكاسل، وعدم دقة المواعيد والإحساس بالالتزام واحترام أخلاقيات المهنة وحقوق «الزبون»!! الأكثر غرابة أن السمات السلبية السابقة التى أصبحت عنوانا لأداء معظمنا فى مختلف المهن تتلاشى تماما بمجرد تجاوز خط الحدود والانتقال للعمل فى الخارج ليصبح المصرى نموذجا للالتزام والدقة والتفانى فى العمل، وكأن روح أجداده وسر صنعتهم التى بهرت سليم الأول تلبسته !!.

وحيث إننى حتى اللحظة مازلت حائرة بين نصائح الأسطى «فلان» والأسطى «علان» وبين روشتة الدكتور «س» والدكتورة «ص» والاتهامات المتبادلة بين الإعلامى «م» وابن كاره «ن» وأسباب اختلاف أداء «اولاد الكار» لأعمالهم داخل وخارج حدود الوطن، لاتزال كلمات د.يوسف إدريس تخايلني، يوم استشرف المستقبل قبل أن يخرج علينا الباحثون ليحددوا بالسنتيمترات المساحة المادية الخالية التى يجب أن يتحرك فيها ليحافظ على توازنه النفسى وصحته العقلية «تتراوح ما بين 1.5 قدم إلى 12 قدما طبقا لدرجة العلاقة والنوع والخلفية الثقافية»، ومازلت أتساءل هل الزحام، والإحساس بصعوبة الحصول على لقمة العيش هما السبب فيما وصلنا إليه بدءا من ذم الكل للكل ومحاولات تصيد الأخطاء وافتعال الأزمات والوقيعة بين الزملاء والرؤساء وعدم احترام العمل و«الزبون» أيا كانت حاجته، سواء أكان البحث عن تشخيص لمرض أو متابعة الأحداث أو حتى إصلاح صنبور؟! هل أخلاقيات الزحام السبب أن أصبحت مقولة «عدوك ابن كارك» حدوتة يومية ؟! ربما..


لمزيد من مقالات ســناء صليحــة

رابط دائم: