تقع بعض الصحف فى أخطاء مهنية جسيمة، وهى فى السباق المحموم على السبق الصحفى، فتُقدِّم أحيانا لجمهورها ما يتعارض مع الغرض الأساسى للصحافة فى الالتزام بالحيدة والأمانة، وفى وجوب إدراك الظرف العام الذى قد يهيئ الجمهور إلى الميل ناحية أحد التفسيرات المتعددة، بما يُوجِب المزيد من التدقيق قبل النشر، ولا بأس عندئذ إذا وافق الموضوع الظرف العام، أما إذا سارت الأمور فى اتجاه عكسى بتعمد مجاراة ما هو سائد قبل الواقعة، بالتركيز على جوانب على حساب جوانب أخرى، فهذا من أهم المحظورات المهنية، مثل ما حدث فى هذه الواقعة المأساوية الأسبوع الماضى فى القطار القادم من الإسكندرية إلى القاهرة، حيث لقى شاب مصرعه بعد مشادة مع الكمسارى، بسبب مخالفته بالتدخين فى القطار، فطلب منه الكمسارى أن يدفع غرامة 50 جنيها، أو أن يسلمه للشرطة فى المحطة التالية. وكل هذا طبيعى ومنطقى ومتكرر حدوثه يوميا، ولكن الجزء المُختَلَف فى روايته، هل حاول الشاب التهرب بالقفز من القطار عند التهدئة قبل محطة طنطا بنحو 200 متر فارتطم بالأرض وبأجزاء صلبة مما أدى إلى وفاته، وهو ما توصلت إليه تحقيقات النيابة بعد تحريات الشرطة وسماع الشهود ومنهم أصدقاء للفقيد، والتى أسفرت عن الإفراج عن الكمساري؟ أم أن الكمسارى هو الذى دفعه خارج القطار؟ لاحِظ أن الاحتمال الأخير يجد جمهورا متقبلا له، لأنه يتوافق مع حادثة قريبة أجبر فيها الكمسارى شابين على القفز من القطار لأنهما ركبا دون تذاكر، وقد اعترفت الهيئة واعتذرت ووعدت بالعقاب والإصلاح.
وأما الخطأ الكبير، فكان من إحدى الصحف التى بعد معالجتها للموضوع التزاما بالقواعد، تطوعت بعد يومين، بإرسال محررها إلى أسرة الشاب المتوفى المكلومة من المأساة، لتعرض على قرائها تفاصيل الفجيعة مقترنة باتهامات صريحة للكمسارى بأنه دفع بفقيدهم خارج القطار أثناء سيره فحدث ما حدث! قد يكون هذا الكلام مفهوما من والدة الفقيد وشقيقتيه فى غمرة الحزن، ولكن كيف يسعى الصحفى وصحيفته إلى التركيز على كلام مرسل دون سند ولا منطق؟!
[email protected]لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب رابط دائم: