رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

من عرف نفسه فقد عرف ربه!

من عرف نفسه فقد عرف ربه.. كيف يمكن أن نفهم هذه المقولة الرائعة فى ضوء تطوير العقل المصري؟

لنرى أولا كيف كان يفهمها القدماء، بعضهم ينسبها إلى النبى (صلى الله عليه وسلم)، والحقيقة أنها ليست بحديث نبوي، ولا أصل لها عن النبى (صلى الله عليه وسلم)، ولا عن أحد من الصحابة. وبعض العلماء ينسبونها إلى يحيى بن معاذ الرازى الذى قال عنه «الخطيب البغدادي» الخطيب البغدادي فى (المتفق والمفترق): كان حكيم زمانه، دوَّن الناس كلامه، وجمعوا ألفاظه.

وتم تأليف كتب وكتيبات فيها، منها: (القول الأشبه فى حديث من عرف نفسه فقد عرف ربَّه) للسيوطي.وتوسع فى تأويلها المتصوفة، وتسير أغلب التفسيرات الشائعة فى طريق فهمها بشكل مباشر، أى إذا عرفت نفسك فإنك تعرف الله! وهذا المعنى ليس مقصورا على التراث الإسلامي، فكثير من التيارات والمفكرين يفهمونها طبقا لهذا المعني، مثلا فى عام 1831م، كتب إمرسون الفيلسوف الأمريكى قصيدة بعنوان اعرف نفسك، حول موضوع الله فيك. وكانت القصيدة نشيدا يعبر عن ايمان إمرسون بأن معرفة نفسك تعنى معرفة الإله الذى شعر إمرسون بوجوده داخل كل شخص.

وهكذا يعطى إمرسون معنى معرفة الله ثم يحمل المعنى نفسه معنى إضافيا هو أن الله بداخل كل إنسان.

ويفهمها المتصوفة وكثير من غيرهم فى التراث الإسلامى طبقا للمعنى الميتافيزيقى الذى يستطيع أن يجده كل منا فى الكتب والمراجع والموسوعات، يفهمونها تارة بالمعنى السابق، وتارة أخرى يرون أنه بهذه المعرفة يدرك أنه هو الله! مثلما فعل الحلاج.

ويرى إبراهيم بن الحَلَبى الحنفى (956هـ) فى كتابه (نعمة الذريعة فى نصرة الشريعة) أن مَعْنَاها: أَن من عرف نَفسه بالحدوث عرف ربه بالقدم، وَمن عرفهَا بالفناء عرفه بِالْبَقَاءِ، وَمن عرفهَا بِالْعَجزِ عرفه بِالْقُدْرَة.

إِلَى آخر مَا تتصف النَّفس مِمَّا هُوَ محَال فِى جَانب الْحق. وهذا هو المعنى الأكثر شيوعا فى شروح كتب عقائد أهل السنة، وعلى سبيل المثال أبو المظفر الأسفرايينى فى كتابه (التبصير فى الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين)، يقول:من عرف نَفسه بِالْعَجزِ والضعف وَالنَّقْص والقصور عرف أَن لَهُ رَبّا مَوْصُوفا بالكمال يَصح مِنْهُ جَمِيع الْأَفْعَال فلولاه لم يتم بِالْعَبدِ الْعَاجِز شَيْء من الواردات عَلَيْهِ».

وفى (شرح العقيدة الطحاوية لسفر الحوالي) يقول: لو تفكر الإِنسَان فى ربه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لآمن به وازداد به يقينا ومعرفة، ولهذا قال من قال من السلف: اعرف نفسك تعرف ربك، فإذا عرفت ضعفك عرفت قوة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَي، وإذا عرفت جهلك عرفت علم الله سبحانه تعالي، وإذا عرفت ذنوبك عرفت رحمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بك ولطفه، وأنه لم يهلكك بهذه الذنوب ولم يؤاخذك بها بل تركك لعلك تتوب، وإذا عرفت تقصيرك عرفت كرم الله ومنَه عليك بالنعم والخيرات التى تتتابع وتتوالى وأنت فى غفلة عنها ولا تدرى ولا تحسب لها أى حساب، ولو فقدت واحدة منها لتغيرت حياتك جميعها.

إذن: لو أن الإِنسَان عرف نفسه عَلَى الحقيقة فلن يرى فى نفسه إلا الضعف والعجز والافتقار، ويعرف أن ربه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الموصوف بكمال الغني، وكمال العلم، وكمال الحكمة، وأنه تَبَارَكَ وَتَعَالَى لا مانع لما أعطي، ولا معطى لما منع، فالتفكر فى هذه الأمور، مما يجب علينا جميعا، لنزداد إيمانا بالله تَبَارَكَ وَتَعَالَي، ونزداد عبودية له سبحانه فى أنفسنا.

ولا تروق لى كل هذه المعاني، ولا أفهم المقصود من هذه الحكمة على أن المقصود من النفس هو النفس الميتافيزيقية أو الروح، وهى الطريقة فى الفهم التى يفضل بعض شراح الفلسفة ومؤرخى الأفكار والمتصوفة أن يفهموا بها هذه الحكمة، بل أميل إلى فهمها بطريقة أخري، فالله ذاته كحقيقة ميتافيزيقية لا يمكن معرفته لأنه يجاوز كل ما نملك من قدرات معرفية، ولا يزال كل منا يفهم الله على شاكلته الفردية الخاصة به، وفى حدود قدراته المعرفية المقيدة بالزمان والمكان، بينما الله خارج أى مكان وزمان لأنه خالقهما ومتعال عليهما، وهو سبحانه خارج أى تصور.

فحقيقة الله لا يمكن معرفتها لأنه سبحانه أكبر وأعلى مما قد نصور أو نتصور. ومن المحال معرفة هويته تعالي.

وإذا كان الأمر كذلك فمن الشطط العقلى الظن بأن الإنسان إذا عرف نفسه يدرك أنه هو الله! فما هذا المعنى إلا هذيان عقلي.

كما لا يروق لى المعنى الذى يضع دوما الإنسان فى مجال المقارنة مع الله تعالي، حتى ولو كانت هذه المقارنة تؤكد نقاط الْعَجزِ والضعف وَالنَّقْص والقصور فى الإنسان فى مقابل قوة الله وقدرته وكماله.

فالمقارنة لا تجوز بين غير متماثلين، وبين رتبتين فى الوجود مختلفتين. والله ليس بحاجة أن نتملقه سبحانه بأن نؤكد دوما على ضعفنا أمام قدرته، بل نحن الذين نحتاج لمعرفة ضعفنا حتى نعرف حدود قدرتنا ونطورها ونصبح أقوياء، والْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ.

والضعف ليس ميزة يمكن أن يسعد بها الإنسان الطبيعي. لكن من أسف كثير من الأقوال فى التراث تمتدح الضعفاء! ويمكن أن أقبلها فى حالة جبران الخاطر، لكن لا يمكن أن أقبلها فى حالة البحث عن المثل الأعلي.

وغالبا شاعت تلك الأقوال فى إطار صراع الطبقات والصراع السياسى ومحاولة تسكين وتنويم الطبقة الأدنى عن الصعود.

للحديث بقية.


لمزيد من مقالات د. محمد عثمان الخشت

رابط دائم: