رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

شوارع القاهرة ..وحكايات يشيب لها الولدان!

كانت الدهشة تأخذنا كل مأخذ وتفتح أفواهنا ونرفع حواجبنا وتخرس ألسنتنا.. نحن الرفاق الثلاثة: عبد الوهاب مطاوع ومحمد زايد وأنا.. أيام الزمن الجميل ـ والزمن الجميل هنا بالنسبة لنا: هو الزمن الجميل للصحافة المصرية عندما بدأت مصر تصحو وتنفض عن ثيابها غبار السنين والحقب بعد ثورة يوليو فى عام 1952.. ويجلس على كرسى رئيس تحرير الأهرام الجورنالجى الأول الذى اسمه محمد حسنين هيكل عندما وصفنا الصحفى الكبير جلال الدين الحمامصى قطب أخبار اليوم منافستنا العبقرية أيامها بفرسان الصحافة الثلاثة ـ عندما كنا نتجول مشيا على أقدامنا داخل شوارع القاهرة الفاطمية.. نقرأ بعد أن نلتهم وجبة كوارع معتبرة عند كوارعى العهد الجديد وبعد أن نصلى صلاة العصر فى مسجد سيدنا الحسين.. لافتات الشوارع والحارات والأزقة والخانات..

ونتعجب فى شبابنا على هذه الأسماء العجيبة التى كانت تحملها: حارة العريس+ حارة العروسة+ عطفة الحليوة+ عطفة شق التعبان+ حارة التمساح+ حارة الحب الصافي+ شارع عزرائيل.. أكرر شارع عزرائيل.. وإلى جواره حارة العنتيل+ حارة القطط+ حارة قلق الكلاب - كما يقول زميلنا العزيز فى الهم الصحفى ورفيق الدرب والطريق الصديق عباس الطرابيلى فى كتابه الرائع والوحيد من نوعه الذى يحمل اسمه: شوارع لها تاريخ!

تعالوا نتجول هذه المرة مع العزيز الغالى عباس الطرابيلى صاحب الكتاب فى شوارع القاهرة لنعرف منه أسرارها ولماذا سميت بهذه الأسماء؟

هو يقول ونحن نتفق معه فيما يقوله: مصر هى حقا بلد الغرائب بأى مقياس.. ولأن الشوارع هى واجهات المدن فإنها تعبر عن هذه الغرائب..

تعالوا نطوف بشوارع وحوارى وأزقة مصر لنتعرف على هذه الغرائب التى نراها معلقة على هذه الشوارع والأزقة والحوارى. ومصادرنا هنا أمهات الكتب وبالذات التى تتناول الخطط وفى مقدمتها :خطط المقريزى. والخطط التوفيقية والخرائط وأيضاً كتب الرحالة الأجانب العظام الذين زارو مصر عبر العصور والحقب.وهم كُثْرُ.. برفع الكاف وسكون الثاء وضم الراء.

> بداية هناك شوارع تحمل أسماء وجبات غذائية.. فنجد فى قاهرة المعز لدين الله شوارع: حوش الحمص+ عطفة الحمصانى + بئر الحمص + معمل الفراخ + الفراخة + عطفة قفص الوز + عطفة الماعز+ شارع ضلع السمكة + شارع خميس العدس!

> ونجد شوارع وأزقة تحمل أسماء الحرف القديمة: شارع السيارج يعنى الفوانيس + التمار ـ من التمر ـ السقائين. الخضرية. درب السماكين + درب المبلط + درب المزين + درب الدهان + والمقصود هنا ليس بائع الدهن من اللحم ولكنه بائع الدهن أى صانع العطور+ شارع الصوافة+ الفحامين+ الفوطية «صناع الفوط » + «القربية» «صناع القرب» للسقائين+ اللبودية أى صناع اللبد+ الوراقين أى تجار الورق والكتب+ حارة العرقسوس وعطفة المخللاتية!

>.. وهناك شوارع وأزقة تحمل أسماء الأسواق: سوق الزلط+ سوق العصر+ سوق التلات+ سوق البقر+ شارع البغالة.

وإذا رأينا أن هذا مقبولً.. فماذا نقول فى شوارع وأزقة وحوارى تحمل أسماء: عطفة شق الثعبان+ حارة التمساح. بل ويا للعجب العجاب شارع اسمه شارع عزرائيل+ حارة القتلي+ حارة القتيل+ حارة القتيلة.. وحط هنا عشر علامات تعجب من عندى أنا!

> ولا ننسى هنا شارع بين النهدين+ شارع أبى الليف+ حارة الزير المعلق+ السبع قاعات وكلها إذا أردت أن تزورها عزيزى قارئ الأهرام سنجدها من حول شارع الموسكى وشارع الخليج والدرب الأحمر!

◘◘◘◘

مازال العزيز الغالى عباس الطرابيلى يحكى لنا ويقول :

وما دمنا اتفقنا على أن الشوارع خير شاهد حى على التاريخ، تعالوا نغوص فى أعماق التاريخ . نشرح للناس تاريخ صاحب كل شارع ... تعالوا نقرأ تاريخ مصر من خلال أسماء شوارع مصر.. تعالوا ننبش فى أوراق تاريخ الأمة المصرية، لنعرف عظمة وعطاء رجال أيام ذلك الزمان ..

فشوارع القاهرة الفاطمية هذه لم تحمل أسماء أشخاص ... ولكنها حملت أسماء مهن أو حرف أو تجارة وصناعة. وهى لم تأت اعتباطا. ولكنها جاءت صورة من الواقع فالذين اختطوا القاهرة الفاطمية راعوا تركيز أصحاب الحرف.. كل حرفة فى شارع أو منطقة... وهكذا وجدنا على مرمى البصر من القصر الكبير حيث مقر الخليفة.. شوارع «النحاسين» أى باعة الأوعية النحاسية فى الأساس وليس صناعتها» والصنادقية «وهم باعة الصناديق التى كانت تمثل مهمة الدولاب «الآن أى لحفظ الملابس والغالى من الأشياء». وكانت العروس يقاس مدى غناها بعدد الصناديق التى تحملها الدواب من بيت والدها إلى بيت «العدل» أى الزواج . وكانت تصنع من أخشاب متنوعة منها الغالى المستورد من جبال لبنان، أو من الأناضول واليونان.. ومنها الخشب المحلى الذى نتندر عليه باسم «الخشب القباقيبى» أى الخشب الذى يصنع منه القبقاب الذى كان يلبسه المصريون الغلابة!

ثم منطقة أو حى أو شارع «الفحامين» وفيه تتركز تجارة الفحم الذى كان صنعة مهمة للمصريين ثم «الخيامية» وهم صناع الخيام وكانت هناك تصنع كسوة الكعبة التى كان يرسلها المصريون الى السعودية ايام زمان.. وأيام احتفالات المحمل!

ولا ننسى هنا أنهم كانوا يصنعون الخيام لبدو الصحارى ومن يسكنون على حواف المدن . أو للاحتفالات والأسمطة التى كان يقيمها الخليفة أو الحاكم، والوالى فى المناسبات . وكانت حقا فنا رفيعا أهدرناه الآن للأسف بعد أن تحول من فن للتطريز اليدوى إلى مجرد «طبع» على القماش كما نراه الآن!

وعلى هذا المنوال نجد «المغربلين» وهذه كانت حرفة نشطة بحكم اتساع تجارة الحبوب . فقد كان هناك من يتولى «غربلة الحبوب» بواسطة «الغربال» . بهدف تنظيفها من الشوائب . ثم «الكحكيين» أى باعة الكحك وصناعه ـ حتى السلاح كانت له سوقه المشهورة ومازال الاسم قائما حتى الآن ـ ولكن بدون سلاح ـ وعلى نفس المنوال حى العطارين فى الاسكندرية مثلا .

◘◘◘◘

 أما الملاحظة الثانية: يقول عمنا عباس الطرابيلى إن وسط القاهرة غرب ميدان العتبة وجنوبه منطقة حديثة نوعا ما . وهى المنطقة التى بدأ تخطيطها فى عهد الخديو إسماعيل وهى الواقعة بين الأزبكية وحتى أول بولاق من ناحية ... ومن الفلكى وباب اللوق حتى ميدان الإسماعيلية «التحرير الآن» ..هذه المنطقة تحمل الآن أسماء زعماء وقادة العمل السياسى فى مصر على امتداد 150 عاما وهى أسماء كان لها دورها الفعال فى أخصب فترات النضال السياسى المصرى : مثل شريف وعدلى وثروت ورشدى ومصطفى كامل ومحمد فريد وأحمد عرابى ...

كما حملت أسماء ملكية مثل شوارع فؤاد «26 يوليو حاليا» وفاروق «الجيش حاليا» والملكة نازلى «رمسيس حاليا» - حيث يقع مبنى الأهرام حتى لاننسى - والتوفيقية نسبة الى الخديو توفيق «وأحمد عرابى» وسليمان باشا «الفرنساوى» أركان حرب الجيش المصرى أيام محمد على والآن اسمه «طلعت حرب» الاقتصادى المصرى العظيم.

>>> الملاحظة الثالثة: هناك ساسة تولوا الحكم كرؤساء وزارات ووزراء كبار لم نر أسماءهم على الشوارع ربما بسبب دورهم السياسى الذى كان يرفضه الشعب أيامها مثل: عمنا اسماعيل صدقى باشا بطرس غالى باشا + على ماهر باشا + إبراهيم الهلباوى.. ودوره فى مذبحة دنشواى. فالشعب أيها السادة لاينسى ولايرحم، يمجد من يستحق، ويهيل التراب وتلال النسيان على كل من أساء لمصر .. ولشعب مصر!

>>> الملاحظة الرابعة: هناك أسماء أطلقت للمجاملة . مثل شارع عبد العزيز الذى يخرج من ميدان العتبة التى كانت خضراء وبالمناسبة كانت قبل الخضراء اسمها «العتبة الزرقاء» ... هذا الشارع شقه ورصفه الخديو إسماعيل وأطلق عليه اسم السلطان العثمانى عبد العزيز عندما زار مصر . ولأن إسماعيل كان يسعى للكثير من المزايا من الخليفة العثمانلى.. فلم يجد غضاضة فى أن يمسك بلجام الخيول الخديوية التى كانت تجر عربة الخديوى التى كان يستقلها السلطان . عبد العزيز !

ـ يا سلام على الدنيا!

التعليق كان يومها للزميل العزيز عبد الوهاب مطاوع فى الزمن الجميل!

.. ولأن للمصريين ولعا شديدا بالطعام وما يؤكل أو يشرب فإننا نجد أسماء : حارة النبقة.. فى قلب القاهرة.. رغم أن فاكهة النبق تكاد تختفى من مصر الآن مع أشجار التوت والتين أو الجميز وإن وجدنا شارع درب الجماميز. ثم عطفة البرقوقية. وعطفة بطيخة. وعطفة الخوخة. وعطفة الجلاب. أى الذى يأتى بالخير كله!

أما الأكثر غرابة فهو : حارة الدودة.. وعطفة البردعة. وعطفة الخمارة .. وعطفة الحوش الخربان.. وخوخة العطارين. وسوق الخفافين أى باعة خفاف النساء ونعالهن وهل ننسى شارع وحى الفجالة؟

.. ومن غرائب الأسماء ما نجده متفرعا من شارع الخليج المصرى : انه شارع: قنطرة الذى كفر! ـ ليس هناك أى خطأ ـ ويتفرع منه شارع الحين. وللشارع الأخير حكاية فهو يبدأ من ميدان بجوار قنطرة الخليج وينتهى عند شارع ضلع السمكة بقرب تكية النقشبندية .. وأنشأ هذا الشارع الأمير يوسف الشهير بالحين فى القرن التاسع الهجرى وقبالته كان هناك جامع الحين، وأمامه كانت هناك قهوة صغيرة تعرف بقهوة الحين، وكان يجلس عليها مطيبو العوالم وقد زالت هذه القهوة عند فتح شارع محمد على وأنشئ مكانها قهوة كبيرة لها واستمرت هذا القهوة الجديدة مقرا لجلوس الحانوتية ومعهم بغرابة شديدة اخواننا المطيباتية والمطبلاتية والاكلين على كل الموائد وما اكثرهم فى حياتنا!.

ولأن القاهرة كانت محاطة بأكثر من سور لحمايتها كان لابد من إنشاء أبواب يدخل ويخرج منها الناس والمركبات، لهذا وجدنا أبوابا للقاهرة تحولت إلى شوارع وإلى ميادين مثل شارع البحر من ناحية باب الحديد ـ وشارع باب الخلق الذى تحول إلى ميدان باب الخلق. وشارع باب الشعرية الذى تحول إلى ميدان باب الشعرية. وشارع باب زويلة. بل ووجدنا شارع بين السورين. اى السور القديم الذى بناه جوهر الصقلى منشئ القاهرة، وسور بدر الجمالى الذى استنجد به الخليفة الفاطمى لحمايته وحماية القاهرة وإعادة الأمن والاستقرار إلى العاصمة..

◘◘◘◘

عمنا وتاج راسنا عباس الطرابيلى مازال يحكى لنا فى كتابه ويقول :ثم مع إعادة تخطيط ميدان العتبة وشق شوارع جديدة مثل شارع عبدالعزيز والموسكى والشارع الصاعد إلى باب الشعرية، ثم تم شق شارعى محمد على وكلوت بك. وانتقل النشاط التجارى أو تحرك «الوسط التجارى» فى العاصمة إلى العتبة وما حولها، وأصبحت هى «صرة مصر» تتفرع منها الشوارع الرئيسية وخطوط الترام والأتوبيس والتروللى . ومبنى البوسطة العمومية + المطافى الرئيسية + المسارح + المحال المصرية الكبيرة. فى عمارة «تيرنج»: مثل متجر المصرى أفندى وفى شارع عبدالعزيز نجد محلات عمر أفندى. وصيدناوى فى ميدان الخازندار وهو نموذج طبق الأصل من محلات لافاييت فى باريس ..

◘◘◘◘

ومع تخطيط القاهرة الحديثة أيام الخديو إسماعيل وما بعدها تم شق شوارع جديدة فيما حول باب اللوق التى كانت ملعبا وساحة للرياضة فى عصر المماليك.

ثم منطقة وسط القاهرة الحالية، وشق الشوارع العصرية مثل: شوارع فؤاد وشريف وقصر النيل وسليمان باشا والألفى وعدلى وثروت.. مع إنشاء هذه الشوارع على نمط الحضارة الباريسية، تحركت منطقة النشاط التجارى للمرة الثالثة وانتقلت من العتبة إلى الشوارع الحديثة هذه.

وهكذا وجدنا هذه الشوارع الجديدة تعج بالنشاط التجارى وانتقلت اليها فروع المحلات الكبرى والبنوك والمقاهى والمطاعم.

ولأننا ايها السادة شعب له تاريخ.. فعلينا أن نهتم بالشوارع وتسميتها بأبطالنا القوميين، قديما وحديثا. بل ونطالب بإعادة النظر فى أسماء شوارعنا لتنقيتها مما هو غريب وعجيب.. وأن تتولى ذلك كله لجنة علمية فيها من أساتذة التاريخ، وفيها ـ أولا وأخيرا ـ من يعلمون عظمة هؤلاء الرجال العظام.

◘◘◘◘

ومازلنا أيها السادة داخل شوارع القاهرة وهى تحكى لنا حكايتها مع الزمان!

 

 

-------------------------------------------------------------------

مصر هى حقا بلد الغرائب بأى مقياس.. ولأن الشوارع هى واجهات المدن فإنها حقا وصدقا مرآة هذه الغرائب

 

 

Email:[email protected]

Email:[email protected]
لمزيد من مقالات عزت السعدنى

رابط دائم: