رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

كم تبلغ مساهمة الأهرامات فى الاقتصاد المصرى؟

أوضحت التجارب الحديثة فى الدول التى تمتلك تراثا ومواقع اثرية أن أهميّة هذا التراث الإنسانى الاقتصادية تكمُن فى كونِها مُساهِماً رئيسياً فى دعم الاقتصاد، سواء أكان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن أبرز الأوجه الاقتصادية التى تُسهم الآثار فيها نجد أنشطة تجارية من فنادق ومحال ووسائل انتقال ومطاعم وشركات سياحة وحرف يدوية للهدايا، وكلها أنشطة توفير فُرص عمل، ويؤدى الاستثمار فى قطاعات الثقافة والمواقع الأثرية المختلفة إلى إحداث تنمية مستدامة بتلك المناطق خاصة الفقيرة, الأمر الذى يُحقق الاستقرار السكانى ودعم مختلف قطاعات المجتمع.

المذهل ان المواقع الاثرية أصبحت تمتلك علامات تجارية يمكن حسابها وتقدير تأثيرها على الاقتصاد الوطني، فقد أوضحت دراسة حديثة أن برج إيفل الذى يحتل موقع أكثر المعالم الأثرية قيمة اقتصادية فى أوروبا، يضيف سنوياً للاقتصاد الفرنسى ما قيمته 435 مليار يورو (7٫758 تريليون جنيه مصري). يليها أثمن المعالم الأثرية البريطانية وهو برج لندن بقيمة 70.5 مليار يورو .

والشيء المذهل أن القيمة الاقتصادية الضخمة لبرج ايفيل تبلغ نحو خُمس إجمالى الناتج المحلى السنوى لفرنسا. والقيمة الاقتصادية لا تنحصر فى المواقع الاثرية ولكن كل المواقع التى تمتلك تراثا أو دورا فعالا فى النسيج الاقتصادى والاجتماعى للمجتمع.

مصر غنية بالآثار والتراث الإنسانى ويراها العالم كمتحف أثرى مفتوح، لا يوجد بها بقعة لا تحتوى على أثر مما صنع لمصرَ مكانة خاصة وجعلها مركزاً عالمياً للآثار بمختلف الحقب التاريخية الفرعونية والرومانية والقبطية والإسلامية وحتى الحديثة، ووضعتها على رأس قائمة المقاصد السياحية العالمية. من بين هذه الاثار نجد اهرامات الجيزة التى تُعد آخر ما تبقى من عجائب الدنيا السبع.

لسنوات عديدة، ركز المسئولون وعلماء الآثار الذين يدرسون أهرامات الجيزة على التفاصيل الهندسية للأهرامات وعدد الأحجار الذى تخطى مليونى حجر، واغفلوا المنظومة الاجتماعية والاقتصادية التى تمخضت عنها منذ انشائها وحتى الآن, كما أن أحداً لم يتوقف عند مقدمات الثورة الاقتصادية التى مهد لها بناء الأهرامات والتى وصفها الباحث زاخ زوريش بأن امتداد البؤر التى استوطنها الفراعنة فى الصحراء الغربية وزيادة حجم العقارات فى مصر الوسطى، بوصفها من المؤشرات التى تدل على أن المجتمعات الصغيرة البعيدة عن المدن فى قلب مصر القديمة هى التى استفادت من الثروة التى تدفقت على البلاد نتيجةً المشروع، وان الإنجاز الحقيقى للملك خوفو لم يكن بناء الهرم الأكبر، بل بناء شبكة من الشراكات التجارية، وتنظيم عمل أمة بأكملها. ويلخص الفكرة قائلًا: إن هرم خوفو لم يكن إحدى العجائب التقنية بقدر ما كان من العجائب الاجتماعية.

وفى نظرة سريعة لمعرفة كيف يستفيد الاقتصاد المصرى من موقع الأهرامات, وبجانب انه يمثل نقطة الجذب الرئيسية فى كل الحملات الترويجية عن مصر, نجد ان الامر ينحصر فى استمتاع السياح بالتجوال الحر حول الأهرامات وممارسة ركوب الخيل واِلجمال والَكِرتة فى سفوح الهضبة, وفى حضور حفلات الصوت والضوء وهى الأنشطة الوحيدة المتاحة امام الاعداد الهزيلة من السياح الذين يتوافدون على المنطقة, مع الغياب الكامل للإدارة الاقتصادية لمكونات المنطقة, بالإضافة لتعرض المنطقة لتعديات عمرانية خطيرة أدت إلى تراجع مكانتها العالمية.

ان مختلف مكونات هضبة الاهرام تمثل مصدراً كبيرا للأفكار الاقتصادية التى لا توفر فقط مدخولات تسمح بالتطوير المستمر للموقع ولكن أيضا تسمح بتأسيس أنشطة جديدة تضخ العملات الاجنبية فى الاقتصاد المصري, هذه الأفكار يجب ان يتم ادارتها بعقلية استراتيجية تسترشد بافضل الممارسات فى إدارة المواقع من هذا النوع. وكذلك يمكننا ان نضيف عددا ضخما من الأنشطة الاقتصادية المتطورة لركوب الخيل واِلجمال فى سفوح هضبة الاهرام, ولدينا تجارب العالم أمامنا, كل زائرى مدينة نيويورك يعرفون ان هناك عددا من الأنشطة تقام حول تمثال الحرية الشهير ومنها القيام بجولة بطائرة الهيلكوبتر تبدأ بالتحليق فوق جسور بروكلين ومانهاتن وويليامزبورج الشهيرة وجولة فوق متنزه سنترل بارك, هذه الجولة تتكلف فى المتوسط 120 دولارا للفرد الواحد, ويجب حجزها قبل الإقلاع بأربع وعشرين ساعة نظراً للزحام الشديد, كذلك يوفر موقع سور الصين العظيم عددا ضخما من الأنشطة بجوار مسابقات المشى والجرى هناك التليفريك الذى يعتبر من اهم الطرق التى توفر مشاهد بانورامية للسور والمساحات المحيطة به.

لم يعد كافياً ان نتحدث عن تطوير منطقة نزلة السمان، وتحويلها إلى متحف مفتوح فى وقت تنزح المنطقة تحت وطأه الآلاف من السكان والتكاتك والعشوائية بل يجب إزاحة كل هذا التلوث البصرى والسمعى والبيئى من المنطقة بشكل كامل, ولا يمكن الحديث عن زيادة العوائد الاقتصادية على سكان المناطق المجاورة دون تطوير الصناعات الحرفية كمكون أساسى لتأكيد القيمة التراثية و الحضارية للمنطقة ودمج الالف من الشباب فى صناعة تغذى السياحة فى الاهرامات, ولا يمكن زيادة اعداد السياح دون الارتقاء بمستوى سلوك وكفاءة العاملين فى المواقع والمحال بهدف إيقاف مرض التحرش الجنسى ورفع الوعى الأثرى لجميع المواطنين خاصة طلاب المدارس والجامعات.

هناك العديد من الثمار التى يمكن جنيها من الاهتمام باحترافية إدارة المواقع الاثرية يمكن ان يحقق مصدر دخل غير مسبوق يعزز الاقتصاد المصرى ويمده بروافد جديدة قوية تسهم فى تنويع مصادر الدخل ورفع قدرة الاقتصاد على مواجهة التحديات المالية والاقتصادية، بجميع مايتحقق من الاهتمام العالمى الذى سوف تجنيه مصر وتركيز العالم على الأنشطة التى ما سيؤثر بشكل مباشر فى قطاع السياحة وبقية القطاعات.

مصر تحتاج الآن إلى القيادة المبتكرة والتفكير خارج الصندوق وتعديلات جذرية فى عملية اختيار وتأهيل قيادات العمل فى مختلف المجالات, ونظرة سريعة لمعاهدنا لإعداد القادة الإداريين سوف نكتشف انها تعد القادة بأدوات وطريقة الماضي, والموارد البشرية هى اغلى ما يمتلك اى مجتمع.


لمزيد من مقالات د. عاطف الشبراوى

رابط دائم: