رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

لا تقدم استقالتك من التفاؤل

فى لحظة فرح بسقوط مؤسس داعش, المدعو البغدادي, أصر القدر على أن يحمل لى نبأ رحيل رفيق الصبا الفنان بسمى إبراهيم الذى هاجر إلى الولايات المتحدة بعد أن عاش ثلاث سنوات بعد هزيمة يونيو حيث أدار مكتب الاتصال بين الخارجية المصرية والصليب الأحمر محاولا بما يفوق الطاقة تخفيف أوجاع أهالينا فى سيناء. وباذلا كل الجهد النبيل تحت قيادة ضابط المدفعية العميد عدلى الشريف تلميذ البطل المتألق فى سماء العسكرية عبد المنعم رياض. وكان منزل بسمى يضيء كل مساء بأحبة يقدرون لوحاته التجريدية التى يقول عنها هى ألوان أراها على جدران الروح. وعندما كنا نطالبه بان يرسم الوجوه كان يبتسم ليرسم الوجوه مغمضة العينين, فنتساءل لماذا؟ فيقول العيون تكشف خريطة الروح ولايجب ألا ندعى قدرتنا على قراءة خرائط الروح. وعندما جاءته تأشيرة الهجرة مع والده, اختلط عليه الأمر لأيام لكنه قال سأرعى العجوز أبى فى المطبعة التى سيفتتحها هناك, كما ان نيويورك أخذت من باريس صولجان الفن التشكيلى وسافر مهاجرا ولم ينس مصريته ولو للحظة, وعندما انتصر المقاتل المصرى فى اكتوبر أرسل لى كلمة واحدة هذا حق لأحفاد أحمس. وطبعا لم يستطع أن يتخطى الاسوار غير المرئية التى يقيمها سماسرة الفن اليهود، قال لى سأعيش بمقولة استاذى الذى اهديتنى انت الصداقة معه الفنان المثال كمال خليفة الذى كان يردد دائما لن اتوقف عن النحت والرسم ولا يهمنى اين ستذهب تماثيلى ولوحاتى لكنى سأظل أنتج. ولن انسى لحظة مواراتنا جسد كمال خليفة فى مقابر طنطا ان سألنا أحدهم هل كان كمال خليفة واحدا من الصالحين؟ فلم اجب انا لاختناقى بالدموع لكن بسمى تمالك نفسه ليقول الفنان ياسيدى هو سيد كل الصالحين.

وفى الهجرة للولايات المتحدة أدار مطبعة الأب لكن الصين اخذت برخص الأسعار معظم السوق الامريكي. وعبر كفاح ثلاثين عاما عاش للرسم وتعليم الهواة كيف يلتقطون خطوط الروح ليضعوها على الورق. وأدار ايامه بصحبة من وهبته كل وجودها المحاسبة سهير جريس.

وأخيرا خرجت الروح لتسافر إلى حيث أحب، فكان يرى فى السماء ارواح كل من احبوا الحياة وهى اقل ثقلا على صدور البشر، وكان القارئ العظيم لكل ما جاء من السماء إلى الارض بواسطة الانبياء والرسل والفلاسفة، لكن التدخين كان قد أخذ عبر ستين عاما كل امكانية التنفس. وشاءت السماء ان تصعد روحه المصرية فى نفس يوم صعود روح القاتل ابى بكر البغدادي. والمؤكد أن روح بسمى لن تتسامح ابدا مع روح البغدادى الذى أدمن قطع الرءوس. وستظل ذكرى بسمى هى ما تهديه لوحاته لكل العيون فتزيح ضغوط الحياة عن الصدور.

وعلى ضوء تذكر لوحاته تلك قادتنى خطواتى لأشهد مسرحية المتفائل، وهى المسرحية التى يصعب تلخيصها فى كلمات, ولكنها تضيء المسرح القومى كل مساء ليتزاحم الجمهور العاشق للمسرح تحت قيادة المتفانى فى الإبداع أحمد شاكر عبد اللطيف, بعد ان استرد الجمهور هذا المسرح الذى يمكن أن نسميه الوالد المعاصر للمسرح المصرى منذ ان اداره الضابط الثائر احمد حمروش وعلى خشبة هذا المسرح تألق إبداع نعمان عاشور ليجدد شباب توفيق الحكيم وليزدهر ليل القاهرة بمؤلفات سعد الدين وهبة، والفتى مهران لعبد الرحمن الشرقاوى المبشر بكراهية قهر الإنسان ولابد من الإقرار بان مسرحية المتفائل تستحق الترحيب بها مع رجاء ان يسرع التليفزيون المصرى بتسجيلها لتنضم إلى قائمة أعماله، فليس من المقبول ان نصرف آلاف الجنيهات ولا نحتفظ بإنتاجنا ليكون متاحا. وأثق ان ماسبيرو وهو يقاوم الاختناق لايمكنه تجاهل نسمات الهواء القادمة من المسرح القومى الذى يتألق حاليا بدرة من درر المسرح العالمي. وابتسم لنفسى متذكرا الليل الطويل الذى أشرف فيه الواعى بلاضفاف جابر عصفور كى يتجدد المسرح القومى ليعود درة وسط القاهرة المكتظة. وتتألق على خشبته فوائد ما ارساه خيال فاروق حسنى حين كان يرسل كل فترة عددا من الموهوبين الشباب لروما ليعودوا متألقين كما عاد إسلام إمام الذى اعد وأخرج هذا النص المسرحى لفوبير, لعله يلحق بالمتألق دوما خريج تلك البعثات المبدع خالد جلال الذى أضاف لنا عشرات المواهب الفنية المتألقة، والذى يحمل القلب عتابا لوزارة الثقافة التى لم تسجل إبداعاته لتبقى فى ذاكرة هذا المجتمع، وأتمنى ان نسد تلك الفجوة بين إبداعات الثقافة والتليفزيون فيتم تسجيل الإنتاج المسرحى لييقى كنزا فنيا دائم التألق. وليس عندى ادنى شك فى ان المتألقة إيناس عبد الدايم التى تهدينا كل عام حفلات مهرجان الموسيقى العربية على شاسة التليفزيون هى قادرة على إهدائنا انتاج الثقافة المسرحي.

ويا صديقى بسمى ابراهيم صعدت روحك للسماء كروح مصرية تختلف فى التحضر عن روح الهمجى القاتل التى صعدت روحه وقت رحيلك من عالمنا. وكأن ذلك كشف الفارق بين الارواح المتحضرة والأرواح الهمجية.

وأصرخ فى كل من يحاول تجاهل هذا الحصار الضارى لنا ممن يكرهون إصرارنا على تحسين ظروف حياتنا اصرخ فيهم بينى وبين نفسى بما تعلمته من استأذنا محمد حسنين هيكل: لابد أن تنظر إلى الخريطة . وقد نقلها استاذنا لنا من خلال حواره مع مؤسس فرنسا المعاصرة الجنرال شارل ديجول هذا المبشر بضرورة عدم غياب الخريطة عن خيال كل مهتم بأمور وجوده.

وطبعا لا توجد قوة قادرة على توسيع الخيال ورؤية كيفية تطوير الواقع إلا قوة الموسيقى . هذا ما تعلمته عبر اساتذة عظام اداروا ايامى فكانت نصائحهم خير مولد لطاقة الأمل فى هذه الحياة ولن أنسى جهد الفنان الرسام العالمى الشهرة السكندرى المولد والإقامة سيف وانلى هذا الذى علمنى كيف اترك خيالى لرحلة غسل الأعماق عبر سماع الموسيقى الكلاسيكية. وعلينا التمسك بالتفاؤل والأمل وأكرر دائما لا تقدم استقالتك من التفاؤل.


لمزيد من مقالات منير عامر

رابط دائم: