رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

معركة المنصورة الجوية 14 أكتوبر 73

لم تكد أصوات المدافع تتوقف، ورائحة البارود تنقشع من فوق جبال سيناء، بعد حرب أكتوبر 73، التى حققت فيها قواتنا المسلحة نصراً عظيماً، حتى أصدر الرئيس السادات، قراره بالانفتاح العلمي، العسكري، على دول الغرب، بعد توقف امتد لأكثر من عشرين عاماً، منذ ثورة 52، نتيجة فرض الدول الغربية شروطاً لتقييد حجم، وتسليح، الجيش المصري، وهى الشروط التى رفضها، بالطبع، الرئيس عبد الناصر، لتعارضها مع مبادئ الثورة، بإنشاء جيش وطنى قوي. وبناءً عليه اتجه، مباشرة، إلى الاتحاد السوفيتي، وعقد صفقة الأسلحة التشيكية الشهيرة، ومن يومها أصبح الجيش المصرى يتبع العقيدة القتالية الشرقية، فكراً، وتسليحاً، وأسلوباً للقتال. أعلى نصر أكتوبر المجيد، من قدرة القوات المسلحة المصرية، على فرض شروطها، واختيار ما يناسبها، فقرر الرئيس السادات، ضرورة دراسة العقيدة القتالية الغربية، التى يتبعها العدو الإسرائيلي، بإرسال القادة، والضباط، إلى المعاهد العسكرية العليا فى الغرب، وتحددت أول بعثة إلى كلية كمبرلى الملكية بإنجلترا، ونظراً لحصولى على المركز الأول فى التخرج، فى كلية الأركان حرب المصرية، فقد تم اختيارى لحضور دورة الأركان حرب فى إنجلترا. وخلال عام ونصف عام من الدراسة، تعرفنا على الفكر العسكرى الغربي، وتعمقنا فى دراسته، نظرياً، وعملياً. كان من ضمن مناهج الدراسة، العملية، أن تم تنظيم مشروع تدريبي، مشترك، مع كلية الأركان حرب الجوية البريطانية، فى براكنل، لمدة أسبوع، لنتعرف على أساليب قتال القوات الجوية، وآليات التعاون، مع القوات البرية، فى أثناء عمليات القتال. بدأت المحاضرات بالتعرف على نشأة، وتطور، القوات الجوية، إضافة إلى علم الطيران، وتطوره. بينما خصص جزء من المحاضرات، لدراسة أهم المعارك الجوية، والدروس المستفادة منها، نجاحا أو إخفاقا. فإذا بى أفاجأ بأن ظهر على شاشة العرض، أول وأهم معركة جوية فى العصر الحديث، وهى معركة المنصورة الجوية، فشعرت بمزيد من الفخر، وأنا استمع إلى نظرة الغرب، لهذه المعركة، التى تعرضها أكبر كلية متخصصة فى الطيران الحربي، فى العالم... تلك المعركة التى شهدتها سماء الدلتا المصرية، يوم 14 أكتوبر 73، فوق مطار المنصورة العسكري، بين 200 طائرة حربية؛ 120 منها، من أنواع الفانتوم وسكاى هوك والميراج 2000، تابعة للعدو الإسرائيلي، و80 طائرة حربية مصرية، من طراز ميج 21، وسوخوى 7، والميراج 2000. دارت هذه المعركة لمدة 53 دقيقة، لتسجل كأطول، وأعنف، وأشرس، معركة جوية فى التاريخ العسكرى الحديث، ورغم التفوق العددي، والنوعي، لطيران العدو، فإن حجم الخسائر، بين صفوفهم، وصلت إلى 17 طائرة إسرائيلية، بينما خسرت مصر خمس طائرات، اثنتان منها بسبب نفاد الوقود. حظيت هذه المعركة باهتمام الدوائر العلمية، حول العالم، لعدة أسباب؛ أولها، لأنها كانت المرة الأولى التى يدور فيها قتال جوي، مباشر، بين طائرات روسية الصنع، وطائرات غربية الصنع. والسبب الثانى أنها أول معركة جوية تستخدم فيها أسلحة إلكترونية حديثة، والأسلحة الإلكترونية المضادة، خصوصاً التشويش على رادارات الطائرات من كلا الجانبين. أما السبب الثالث فلأنها أبرزت كفاءة عناصر التوجيه الأرضي، فى غرف عمليات المطارات المصرية والإسرائيلية، كما بزغ فيها كفاءة الأطقم الأرضية، خاصة على الجانب المصري، التى نجحت، مع هذا الكم من الطائرات، فى الجو، طوال مدة المعركة، فى إتمام مهمتها على أكمل وجه؛ مثل إعادة تزويد الطائرات المصرية بالوقود، وإعادة تسليحها، والتأكد من السلامة الفنية للطائرات. كما كان لاشتراك 4 مطارات حربية، مصرية، فى هذه المعركة، الفضل فى رفع تقييم القوات المصرية، لصعوبة تنسيق خروج الطائرات من تلك المطارات، وتوقيتات الاشتباك الجوي، والعودة بسلام، خاصة أن معظم الطائرات فى الدلتا متقاربة، بعكس الطائرات الإسرائيلية، فكانت بعيدة، الأمر الذى يسهل السيطرة عليها.

وكان للخبرة، المتراكمة، للقوات الجوية المصرية، فى التعامل مع قوات العدو، خلال حرب الاستنزاف، الفضل فى التفوق الفكري، فى فهم لغة الخصم، حيث كان الفكر الإسرائيلى الجوي، يعتمد، دوماً، على الهجوم من خلال ثلاث موجات, تكون مهمة الموجة الأولى، إغراء المقاتلات المصرية، واستدراجها لاتجاهات بعيدة عن الأهداف المكلفة بالدفاع عنها، أما الموجة الثانية فكانت هى القوة الأساسية، المكلفة بالهجوم على الرادارات، ووحدات الدفاع الجوى المصري، من الصواريخ والمدفعية، بينما تختص الموجة الثالثة بضرب الأهداف المحددة لها، كتدمير القواعد العسكرية المصرية، لإفقاد القوات الجوية المصرية توازنها، وقدراتها القتالية. بدأت معركة المنصورة الجوية فى الساعة الثالثة وخمس عشرة دقيقة، عندما أنذرت مواقع الرادارات المصرية، على ساحل الدلتا، باقتراب 20 طائرة، من طراز الفانتوم، من ناحية البحر المتوسط، لتجنب حائط الصواريخ المصري، على الضفة الغربية لقناة السويس. فقررت قيادة القوات الجوية المصرية عدم اعتراض الموجة الأولى، مما أفشل مهمتها فى جذب المقاتلات المصرية، فعادت أدراجها، عبر البحر المتوسط، إلى القواعد الجوية الإسرائيلية. وفى الساعة الثالثة والنصف، أظهرت شاشات الرادارات المصرية، وجود 60 طائرة قادمة من ثلاثة اتجاهات، من ناحية البحر؛ بورسعيد، وبلطيم، ودمياط، فأقلعت 16 طائرة، ميج 21، من مطار المنصورة الجوي، ثم 8 طائرات من قاعدة طنطا الجوية، للتصدى لها. أعقب ذلك، بثمانى دقائق جاء إنذار للقوات الجوية، باقتراب 16 طائرة إسرائيلية، قادمة من اتجاه البحر المتوسط، على ارتفاع منخفض، وبدأ القتال الجوى فوق سماء دلتا نهر النيل، ليبدأ معه تدفق باقى الطائرات الإسرائيلية، واشتعلت السماء المصرية بأكبر معركة جوية فى التاريخ، استخدم فيها الجانبان، أحدث ما يملكانه فى ترساناتهم الجوية، سواء المقاتلات، أو أجهزة التشويش اللاسلكي، والراداري.

وبعد محاضرة، استمرت لأكثر من ساعتين، تم فيها حساب توقيتات إقلاع الطائرات من المطارات الإسرائيلية، ووصولها للأهداف فوق دلتا نهر النيل، والإجراءات المضادة من القوات الجوية المصرية، خلص الخبراء العسكريون إلى أنه بالرغم من التفوق العددي، والنوعي، للطائرات الإسرائيلية، إلا أن خبرة المصريين، وكفاءتهم فى التغلب على الطائرات والأسلحة الإلكترونية الإسرائيلية المضادة، حسم المعركة لمصلحتهم... وهكذا استحق يوم 14 أكتوبر، أن يخلد كعيد القوات الجوية المصرية، التى تفتخر بأبنائها، ليس فى مصر، فقط، ولكن أمام العالم كله.


لمزيد من مقالات د. سمير فرج

رابط دائم: